عامر بوعزة: من يريد حجب الحقيقة؟

عامر بوعزة: من يريد حجب الحقيقة؟

لدينا الآن ما يشبه الاتفاق بين حزبي «نداء تونس» و«النهضة» حول اعتبار البلاغ الذي أصدرته رئاسة الجمهورية يوم الخميس 27 جوان خطأ ما كان ينبغي أن يقع! فإلى أي مدى يمكن اعتبار هذا الرأي وجيها؟

البلاغ الذي أعلنت بواسطته مصالح الاتصال برئاسة الجمهورية تعرّض الرئيس إلى وعكة صحية حادّة استوجبت نقله إلى المستشفى العسكري، أثار في البداية حفيظة رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي في أول تصريح له في إذاعة «موزاييك»، حيث أكّد أنه خطأ جسيم. وفي تصريح مماثل أدلى به حافظ قائد السبسي نجل الرئيس والممثل القانوني لحزب نداء تونس إلى موقع «الجزيرة نت»، نجد نفس الموقف،إذ أكّد تعليقا على موقف الغنوشي أن مؤسسة الرئاسة «تسرّعت بنشر معلومة حول تعرض الرئيس لوعكة صحية حادة دون التثبت من صحتها، وكان عليهم التريث أكثر قبل نشر معلومة غير صحيحة في مثل هذا الظرف الحسّاس». والسّبسي الابن كما هو واضح يقفز أشواطا إلى الأمام، إذ يشكّك في صحّة المعلومة التي تضمّنها البلاغ أصلا! ولا ندري إلى أين يريد أن يصل، وهل يلمّح إلى أن الرئيس لم يصب بوعكة صحية مثلا؟ أو لم ينقل إلى المستشفى العسكري كما قيل؟!

كل الأخطاء التي ارتكبت في ذلك الخميس الاستثنائي متعلّقة بإشاعة وفاة الرئيس وتدخل في نطاق الفرقعة الإعلامية بالدرجة الأولى، كما تُعزى في الغالب إلى الخلط السائد بين وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، بين الأشخاص والمؤسسات التي يمثلونها، لا يهم الأمر فقط الصحفيين الذين تسرعوا في نشر المعلومة على صفحاتهم دون الاستناد إلى مصادر رسميةبسبب قلة الخبرة وحب الظهور، بل أيضا السياسيين الذين تورطوا في نشر الإشاعة وتعميمها. لكن نجل الرئيس في تصريحه يوحيبوجود مؤامرةتحوكها أطراف لا يسميها!

بالنظر إلى تفاصيل ذلك الخميس من زاوية محايدة، يمكن القول بأن «المكينة الديمقراطية» اشتغلت بشكل سليم في أول اختبار غير مقصود، فمصالح الاتصال بالرئاسة لم تتصرف بعقلية النظام الاستبدادي الذي يحتكر دائما الحقيقة بذريعة الحفاظ على الأمن والاستقرار، وقد حدث ذلك رغم الظرفية الأمنية الاستثنائية التي سببتها التفجيرات الإرهابية. فتعامل الجميع مع احتمال حدوث شغور في رئاسة الجمهورية بمنطق القانون والمؤسسات،واتجهت الأنظار إلى الدستور وجرى نقاش كبير حول كيفية الخروج من مأزق غياب المحكمة الدستورية وما يستوجبه من سيناريوهات. ورغم غموض المعلومات وتضاربها اجتازت البلاد شعبا ومؤسسات الاختبار الصعب بنجاح، فلم تتوقف الدواليب وظل كل شيء يعمل بدقّة،كما لم تخرج كل الاحتمالات المتداولة عن فلك الشرعية، واتسم أداء وسائل الإعلام المحلية باليقظة والحرفية ما جعلها تتفوّق بوضوح على قنوات أجنبية عديدة.

هل أخطأت إذن مصالح الاتصال في رئاسة الجمهورية عندما تعاملت مع وعكة الرئيس من منطلق الشفافية وحق المواطن في المعلومة؟ هل كان عليها مثلا أن تحجب الخبر أو أن تغيره؟ كما كان يحدث في عهود سابقة؟ هل كان ينبغي عليهم أن يخافوا على الشعب من الحقيقة ويمارسوا الوصاية عليهلفائدة جهة ما؟ وماذا وقع بالضبط – غير الشائعات- حتى تُوجه أصابع اللوم إلى بلاغ الرئاسة؟
رغم صعوبة الاختبار، لدينا هنا في المُحصّلة حالةٌتونسيّةٌنموذجية تفوّقَ فيها الشعب والمؤسسات علىأحزاب السلطة، فبقدر ما كان تعامل مؤسّسة الرّئاسة وعموم المواطنين مع المعلومة المتعلّقة بصحّة الرئيس في مستوى الطموح الديمقراطي ها هي بعض الأحزاب تتحسّر على سلطة حجب الحقيقةأو تأجيلها والتصرّف فيها من منطلق الوصاية على شعب قاصر، وهي ممارسات استبدادية خُيّل إلينا أن لا شخص يمكنه اليوم الدفاعُ عنها، ويتجلى الآن بوضوح وجود شخصين على الأقل يتفقان رغم اختلافهما على ضرورةالعودة إلى أساليب الإعلام النّوفمبري الأكثر تعسفا وصرامة وهما: حافظ قائد السبسي وراشد الغنوشي!

عامر بوعزة

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.