عادل الأحمر: العيّـــاش سكّروا عليــه اللعــب
العيّـــاش اليوم جاتو أزمة وجودية: «بالله أنا آش نعمل في الدنيا هاذية؟»: هكذا سألني قبل العيد الصغير بأيّام، وقد جلسنا في قهوة الحومة نتجاذب أطراف الكلام.أفحمني السؤال فلم أجد إجابة، وقلت في نفسي: «هذا صاحبي قد فقد صوابه»، لكنّني تماسكت، وعلى سؤاله رددت: «كان تحب، يا صاحبي، إجابة فلسفية، أنا راني من جماعة اللاأدرية، وما نحبش ندخّل روحي في هالمسائل الماورائية»، فأجابني ساخطا: «آما لا أدرية؟ وآما ماورائية؟ يا ولدي، أنا مشاكلي مادية، وقلقت من عيشة المرامدية، وأنت تقول لي فلسفية ووجودية، وما نعرفش شنية! أنا شاعلة فيّ النار، ونخمّم على حلو العيد وحوايج الصغار، وسيادتك تحكي لي بالصعيب، على شي لا يهمني لا من بعيد ولا من قريب».
... وبعد أن هاج وهاض، رجع العياش راض، فقلت له: «احكي لي يا صاحبي آش صار؟ فقال: «استمع إليّ وستعرف ما لحقني من دمار: باقتراب قدوم العيد، قصدت البنك لطلب قرض جديد، يعينني على مواجهة مصاريفي العظام، ونحن نغادر شهر الصيام. وما إن فاتحت أحد موظفي الفرع بشأن هذا الطلب، حتى انفجر في وجهي وأجاب وهو في منتهى الغضب: «لا - Non –No - Nein- Niet! يا حسرة قروض الاستهلاك وفات، وإنت أصلا داخل كيلومترات في الروج، و»الشاف دَاجَنْسْ» في جرّتك ممروج، واحمد ربي مسيبين لك الشهرية، وإلا راك راس الشهر كي تجي ما تلقاش حتى الكروية !».
قال العياش: «أحسست وقتها بالمرارة، لكنني لم أيأس وقلت نمشي للإدارة، بالكشي المعلّم يحن عليّ، ويمشّي لي تسبيقة ع الشهرية، لكن لسوء حظّي كانت الإجابة هيّ هيّ: «لا – Non -No-Nein-Niet!» ولا فايدة في التلحليح والجبهيات، المؤسسة أمورها موش ولابد، وما نحبّش نحل على روحي باب ما نعرفش من بعد كيفاش باش يتسد».
تنهّد العياش تنهيدة طويلة، ثم استرسل في الحديث بنبرة حزينة: وبينما كنت هائما على وجهي شارد البال، دلّني أولاد الحلال، على واحد يسلّف بالأنتيريس، فقلت في نفسي: «بره يا عياش حاول والعن إبليس». ولما تقدمت إلى صاحبنا فرح بيّ، وأظهر لي الاستعداد وحسن النّية، فقلت: «هذا راجل يظهر فيه حلاوات، وأكيد لا يعرف «لا Non،لا No، لا Nein، لا Niet». لكن سلوك صاحبي تغيّر، عندما اشترط عليّ شرطا يحيّر: لا بد من رهنيّة، لأحصل على هذه السلفة المرزيـــة! ولما صارحته بأنّي تِرْ وليس لي للرهن أيّ مكتسبات، جاء جوابه مثل الآخرين: «لا - Non -No-Nein-Niet».
قال العيّاش: «ولما أعيتني الحيلة، تذكّرت تاجر ملابس في سوق الطويلة، يصبر على الزوالي، ويكردي للناس لي كيف حالي، فقصدته وأنا كّلي أمل، في أن أجد لديه الحل. لكن أملي خاب، ملّي عتبت الباب، فلم أكد أفاتحه في الموضوع حتى جاءني منه الجواب: «لا- Non -No-Nein-Niet»، الكريدي يا صاحبي مات، وصلاو عليه صلاة الزنازة توّه مدة، ووقت الكمبيالات والشيكات بالمسبّق وفى وتعدّى. وإذا عندك الحنيّنات، لا نقول لك لا Non، ولا No، ولا Nein، ولا Niet».
قال العيّاش: «وقبل أن تنفد عندي الذخيرة، تذكّرت أنّه بقيت لي محاولة أخيرة: برّه – كيف قدّر ربي- نمشي للفريب، فهو للزوالي ومتوسطي الحال مثلي أغلى حبيب، لكنني ما اعتقدت أنّ ظنّي سيخيب، فقد اكتشفت أنّ حتّى الفريب يا حباني، ماعادش يحن ع الزوالي، ورضينا بالكدس والكدس مارضاش بينا، وطلعت أسوامو لا مرفقة لا حنينة. وحتّى عندما طلبت من صاحب النصبة أن يسعفني بتخفيضات، صــاح مثـــل الآخرين: «لا-Non-No-Nein-Niet».
وختم العيّاش: «وهل تريدني يا صاحبي بعد كلّ هذه اللاءات، وفي مختلف اللغات، أن يعجبني العيش وتحلو لديّ الحياة؟ لكــن ما تخافش عليّ: لم أفقد بعد الأمل، ولن أفقده ما دام هنالك حل»، قلت : «وما الحل؟»، قال: «الأحباب والأصدقاء، فهم باب الأمل والرجاء، وإنّما تعرف الإخوان عند الشـــدّة، كيــف ما قراونا في المكتب توه مدّة...».
...وقبل أن يصل العيّاش إلى نهاية «تيـــرادته»، فهمت القصد من خطبته، فسبقته إلى الجواب، قبل أن يسبقني إلى الاستجواب: «شوف يا صاحبي، كانك معمّل علي للحصول على مساعدات، فلن يكون جوابي إلا كالآخرين: «لا-Non-No-Nein-Niet».
عادل الأحمر
- اكتب تعليق
- تعليق