أخبار - 2019.06.07

مهن المستقبل: التوجهات والتحولات المرتقبة

مهن المستقبل: التوجهات والتحولات المرتقبة

شهدت سوق الشغل العالمية الحديثة تحوّلات كبرى بسبب الثورة الرقمية والتغييرات المتلاحقة في المحيط الاقتصادي المتغيّر. وينتظر أن تتعمّق تلك التحوّلات في المستقبل تحت تأثير التطور التكنولوجي والذكاء الاصطناعي ممّا قضى وسيقضي على عديد المهن التقليدية تاركة المجال لمهن جديدة. فما الذي أدّى أو سيؤدي إلى ظهور هذه المهن؟ وماهي هذه المهن؟ وأين نحن في تونس من هذا التطوّر؟

عرف العمل عبر العصور تطوّرا متواترا فكان دائما يبنى ثمّ يعاد بناؤه باعتماد بعـــض المعايير كالمدّة والمهام والكفايات المهنية والإنتاجية والراتب والموقع والتقنيات المستعملة والمخاطر... وهو ما يؤكد أنّ التحوّلات في سوق الشغل ليست جديدة وإنّما هي اليوم متسارعة بسبب تغيّر أسباب حدوثها. فقد عاش محيط العمل في العشرين سنة الأخيرة تحوّلات كبرى هدّدت المهن التقليدية في وجودها وهي متواصلة إلى اليوم بتأثير عوامل كثيرة من أهمّها، حسب ما تتفق عليه الدراسات المختصة، التطورات التكنولوجية الرقمية وتطبيقاتها وانتشار الأنترنيت وتطوّر البحث العلمي واستعمالات الذكاء الآلي أو الاصطناعي والتغييرات الاقتصادية وخاصّة العولمة والتبادل الحرّ وتطوّر قطاع الخدمات. وفي ظلّ تلك العوامل برزت التحوّلات الكبرى في سوق الشغل في الفترة الماضية بناء على توجّهات جديدة أسّست للمهن الحديثة. فما هي تلك التوجّهات؟

التوجّهات الجديدة في عالم الشغل في العشرين سنة الماضية

يشير الباحثون في مجال تحوّلات أسواق الشغل العالمية إلى أنّ هناك عدّة توجّهات ساهمت في تطوّر سوق الشغل في العشرين سنة الماضية وظهور مهن جديدة على الساحة كانت حلاّ مناسبا للتقليص من حجم البطالة في عديد البلدان. وقد استفاد منها عالم الشغل في تونس لكن بنسق لم يبرز تأثيره على البطالة بين شبابنا. ومن أهم تلك التوجهات:

  • تطوّر المبادرة الفردية في العمل وظهور المهن الناشئة في العالم. فمثلا نجد أنّ هذا التوجّه ساهم في الزيادة في عدد مواطن الشغل المحدثة في الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة  99% ما بين 2000 و2011 وفي فرنسا شغّل العمل المستقلّ حوالي 900 ألف شخص ما بين 2008 و2013 وبلغ عدد أصحاب العمل المستقلّ في مقاطعة الكيبيك بكندا 507.068 سنة 2004. وقد أكّد استفتاء بين تلاميذ أمريكيين في الثانوي سنة 2004 أنّ 69% منهم يرغبون في بعث مشاريعهم الشخصية بعد إتمام الدراسة.
  • تراجع الاعتماد على القطاع العام في سوق الشغل إذ بدأ يضمحلّ في العالم مفهوم العمل  القارّ براتب مضمون وفي موقع واحد ومدى الحياة. وهذا المفهوم مازلنا نلاحظه في سوق الشغل التونسية التي يبحث فيها الشباب العاطل عن العمل في الوظيفة العمومية خاصّة.
  • ظهور أصناف جديدة من العمل  كـالعمل الظرفي والعمل عن بعد أو العمل اللامادي والعمل المنزلي وبعث مؤسّسات بدون مكاتب والعمل في مكاتب مشتركة بين مؤسّسات وكذلك تنامي العمل المشبك في العالم . فبين سنتي 2011 و 2015 تطوّر هذا الصّنف من العمل في ألمانيا بنسبة 26.7% وفي بريطانيا بنسبة 27.2% وفي هولندا بنسبة 49.8%. ويبقى تحسين الربط بالأنترنيت وتدفّقها وتغطيتها لكلّ المناطق الحافز لتطوير هذه الأصناف من العمل في تونس.
  • توظيف البحث العلمي في كلّ المجالات لتطوير سوق الشغل إذ يمثّل الإنفاق على البحث العلمي نسبة 4% من الناتج الخام في الولايات المتحدة الأمريكية و 2.8% في اليابان و2% في كوريا الجنوبية وأقل من 1% في العالم العربي وبلغ في تونس 1.02% (تقرير اليونسكو حول البحث العلمي سنة 2010).
  • نظرة جديدة للعمل بتوفير ظروف رفاه عالية الجودة للعاملين في المؤسّسات الجديدة من أماكن لممارسة الرياضة ومنها السباحة وفضاءات للاسترخاء والراحة وحرية في توقيت العمل ...
    وبفضل هذه التوجّهات الجديدة أصبح محيط العمل يعيش بنية وآليات مختلفة بل وأفرزت اختصاصات ومهن جديدة في مجالات مختلفة .
    فما هي أهمّ القطاعات التي شملها هذا التطوّر؟
  • قطاع الروبوتية: وهو قطاع قائم اليوم في حياتنا اليومية تساعد مهنه الإنسان أو تقوم مقامه في عديد المجالات. وتتميّز الصين بأنّها تصنع اليوم ربع إنتاج العالم من الروبوتات الصناعية . ويتوقّع للروبوتات أن تصبح المحرّك الأساسي للنشاط الإنساني في المستقبل بانتشارها في كلّ القطاعات مما سيحدّ من حجم الطبقات العمالية في العالم  في المستقبل.
  • قطاع المحافظة على البيئة: وقد برز بازدهار مهن رسكلة الفضلات المنزلية ومخلّفات أجهزة الإعلامية والسيارات والبلاستيك  والورق...
  • قطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني: وتتولاّه المنظّمات المهنية غير الربحية كالتعاونيات والجمعيات وتعمل في الولايات المتحدة الأمريكية مثلا مليون و 440 ألف منشأة ضمن هذا القطاع دخلها السنوي بلغ تريليون دولار سنة 2014. يوزّع قسم من الدخل على العاملين والبقية تستعمل لتطوير المنشأة وتنويع نشاطها، كما بلغ عدد الأجراء العاملين في الجمعيات 1.8 مليون شخص وهي تدعى اليوم بالمؤسّسات الجمعياتية.
  • قطاع الطاقات المتجدّدة: أفرز هذا القطاع مهنا جديدة في صناعات متعلّقة بالطاقة الشمسية والريحية...
  • قطاع التطبيقات على الهاتف الجوال أو على شبكة الانترنيت: وقد أحدث هذا القطاع  752 الف موطن شغل في الولايات المتحدة الأمريكية و 530 ألف في أوروبا  سنة 2013.
  • قطاع التجارة الالكترونية: ازدهر هذا القطاع في العالم المتقدّم ووفّر مئات آلاف مواطن الشغل لكنّه لم يتموقع جيّدا في العالم العربي. وأوّل بلد عربي يعتمد هذا النشاط هو المملكة العربية السعودية التي احتلّت المركز 40 عالميا سنة 2014 (احتلت مصر المركز 49 والجزائر المركز 57 والعراق المركز 60).

وقد تميّز هذا التطوّر المتسارع في سوق الشغل العالمية بأنّه سبق إعداد الكفاءات اللازمة والكافية لتسييره. لذلك أظهر استطلاع قام به مكتب دراسات فرنسي سنة 2015 لقياس مدى قلق المؤسّسات الاقتصادية من التطوّر الذي يشهده العالم في مجال المهن والتشغيل أنّها  قلقة بسبب نقص الكفاءات الضرورية لممارسة تلك المهن. وبلغت نسبة القلق في فرنسا 70% وفي البرازيل 76% وفي الصين 54% وفي الهند 51% وفي الولايات المتحـدة 25 % وفي ألمانيا 21%.

تحوّلات سوق الشغل المستقبلية في أفق 2050

تتوقّع الدراسات المستقبلية في سوق الشغل أنّ العالم سيعيش عددا من التحوّلات الاقتصادية والصناعية والتكنولوجية والتقنية ستقودنا إلى تغيّرات أخرى وعميقة في سوق الشغل كمّا وكيفا ستؤدّي إلى تحوّل المهن التقليدية أو اضمحلالها ومن بينها تلك التي تعتبر اليوم حديثة وإلى  بروز اختصاصات ومهن جديدة.

فما هي هذه التحوّلات المرتقبة؟

يحدّدها الباحثون كما يلي:

  • تقلّص كبير في إنتاج البترول في العالم ممّا سيزيد في انتشار استعمال الطاقات البديلة كالطاقة الشمسية وطاقة الريح وبالتالي رواج الصناعات المرتبطة بها. وتتوقّع دراسات مستقبلية قام بها « المعهد الألماني حول المنظومات والتجديد» أن تسيطر السيارات الكهربائية في المستقبل على سوق السيارات في العالم بنسبة تصل إلى 85%.
  • نفاد مادة الليتيوم (أوّل منتج في العالم هي بوليفيا) التي تستعمل خاصّة في صنع بطاريات السيارات والهواتف والحواسيب ممّا سيغيّر تلك الصناعات ويحدث صناعات جديدة.
  • انتهاء التعامل بالأوراق المالية والقطع النقدية والشيكات في العالم بداية من سنة 2035 وسيطرة الدفع الالكتروني أو اللامادي (35% من الشباب في منطقة اليورو أقل من 35 سنة يستعملون اليوم الدفع الالكتروني أكثر من ذي قبل ) بينما يصل عدد الأوراق المالية التي تضخّ في السوق في منطقة اليورو سنويا 5.8 مليار ورقة نقدية (إحصائيات 2010).
  • ازدهار أنترنيت الأشياء ومزيد تطوّر  الاقتصاد الرقمي  وانتشار الاعتماد على الروبوتية.
  • نفاد الثروة السمكية حسب برنامج الأمم المتحدة للبيئة وازدهار تربية الأسماك. وسيكون ذلك بسبب تزايد الطلب على السمك ممّا يدفع شركات الصيد الدولية إلى الزيادة في حجم أساطيلها البحرية وهو ما لا يسمح للسمك بالتكاثر.علما أنّ نصف مليار شخص في العالم  يعيشون من هذا النشاط.
  • توقّف صناعة أقراص  DVD وسيكون مصيرها مثل مصير أقراص CD ومسجل  VHS وبالمقابل سيتطوّر استخدام الصورة والفيديو حسب الطلب مع انصهار شاشات الكمبيوتر والتلفزة في جهاز واحد.
  • انتهاء الترجمة الفورية والعادية في كلّ اللغات بسبب انتظام تطور إنتاج برامج الترجمة الآلية باستعمال التعريف الصوتي وقد يؤثّر ذلك في موقع مدرّسي اللغات في العالم.
  • ازدهار كبير لمهن المحافظة على البيئة ومعالجة النفايات وينتظر أن توفّر إلى حدود سنة 2040 ما بين 15 إلى 60 مليون موطن شغل في العالم.
  • نقص في الموارد المائية بطريقة ملحوظة في العالم بسبب ارتفاع درجة حرارة الأرض ممّا سيجعل صناعة تحلية المياه والمهن التابعة لها تزدهر.
  • سيطرة صناعة التجهيزات العسكرية الخاصّة بالحرب عن بعد مقابل تراجع التجهيزات الميدانية ما عدا الشخصية.
  • تطوّر الصناعات التي لها علاقة بالأمن والمراقبة بسبب تنامي الإرهاب.

أصناف المهن الجديدة

1 - مهن تقليدية تطوّرت إذ حافظت على نفس المهام لكنّها تطوّرت بكفايات جديدة بفعل الثورة التكنولوجية أو اختيارات استراتيجية جديدة أو بسبب إعادة توزيع الأدوار فكسبت تلك المهن مهامّا وتقنيات حوّلت جزءا أو كلّ أنشطتها مثل مهن الاتصالات أو الالكترونيات ومهنة التدريس بانخراط التلميذ في التعلَم الذاتي ومهن التسوّق والصحّة والحراسة الالكترونية.

2 - مهن تقليدية تغيّرت فبعضها أصبح لها مهام أخرى بسبب التحوّلات في سوق الشغل (أصبح مدير المدرسة منسّقا في بعض المنظومات والقيّم مرشدا) أو بسبب تغيّر أسلوب الاستهلاك ( المطاعم عبر الأنترنيت) وتحوّل مهن أخرى إلى كفاية فقط مثل مهنة المختص في تكنولوجيا المعلومات ومهنة التصرّف في المشاريع.

3 - مهن جديدة تماما وهي تتصل بأنشطة ومهام غير معروفة من قبل مثل المهن التي نتجت عن تكنولوجيا المعلومات والاتصال أو الناتجة عن تطوّر قيم المجتمع وبروز قيم جديدة في سوق الشغل كالجودة ومقاومة التلوّث السيبرني.

خالد الشّابي

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.