إن هذا لشيء فوق العجاب: نعم للجنسية الأجنبية... ولا للمال الأجنبي!!!

صُمْتُ، خلال الأشهر الأخيرة، عن كتابة هذه الزاوية، لا كسلا منّي، ولا لندرة المواضيع التي تستوجب التطرق إليها، وإنما، فحسب، لأني شعرت بأن عنوانها لم يعد يتلاءم مع ما تشهده الساحة الوطنية من "أعاجيب" تجاوزت حدود الخيال، وأطراف المعقول...

وقد بحثت، مطوّلا، عن عنوان بديل لها، لكن دون جدوى... ولذلك، قرّرت، مرحليّا، أن أكتفي بإضافة كلمة "فوق" إلى عنوانها القديم، للدلالة على أن الأشياء التي تحدث في تونس هذه الأيام، ونحن نقترب من الاستحقاقات الانتخابية التشريعية والرئاسية، لم تعد "عجابا" فقط، بل فاتت العجاب بأشواط وأشواط حتى باتت "فوق العجاب"...

وبرهان ذلك، على سبيل الذكر لا الحصر، ما تأتيه "الهيئات الدستورية" لا سيما المنتهية صلاحياتها من تجاوزات صارخة للقانون، وما تشهده حلبة الأحزاب المتناحرة من تمرّد فادح على الأخلاق وعلى الحد الأدنى من الحراك السياسي النزيه، وما كشفت عنه حصيلة مراقبة الأسواق، خلال شهر رمضان، من تغلغل مَرَضِيٍّ للغشّ والفساد في المجتمع الاقتصادي بكافة مكوناته ومسالكه...

غير أنني لن أتوقف، اليوم، عند هذه الظواهر التي قد أعود إلى تناولها بالتفصيل مستقبلا، وفي المقابل فإنني أريد التوقف عند الجدل الذي أثارته، خلال الأيام القليلة الماضية، المحاولة التي أرادت بها الحكومة، ومن ورائها حزبها الذي ما يزال في القماط، تغيير بعض قوانين اللعبة الانتخابية، على بعد خمسة أشهر من الانتخابات...

وأنا، من حيث المبدإ، لست ضد تنقيح القانون الانتخابي الذي يحتوي على ثغرات لا يجادل أحد في ضرورة سدّها، لكنني ضد التوقيت الخاطئ الذي اختير للقيام بذلك، وضد الانتقائية الإقصائية التي اتسمت بها المحاولة...

ثم إنني لا أفهم أن يقيم البعض الدنيا ويقعدها فيما يتعلق بالتمويل الأجنبي لبعض الأحزاب عبر الجمعيات المتفرعة عنها، ولكنه يتغافل عما هو أدهى وأمرّ من ذلك بكثير، وأعني هنا السماح، في دستور البلاد، لبعض من يحمل جنسية أجنبية بالترشح لرئاسة الدولة...

فما هو الأخطر يا ترى؟ وهل من يضمن أن يكون المرشّح للرئاسة الحامل لجنسية أجنبية معصوما من السقوط في إثم الاستعانة على قضاء حاجته، بالتمويل الأجنبي وبما هو أوخم من التمويل الأجنبي؟

محمد إبراهيم الحصايري