غسّان سلامة : لا يمكن حلّ الأزمة الليبية عسكريا
قال د. غسّان سلامة الممثّل الخاصّ للأمين العامّ للأمم المتحدة إنّ ثمانية وأربعين يوماً من الهجوم الذي شنّته قوات الجنرال حفتر على طرابلس خلّفت الكثير من الموت والدمار، وباتت ليبيا قاب قوسين أو أدنى من الانزلاق في حرب أهلية بإمكانها أن تؤدي إلى تقسيم دائم للبلاد. سيستغرق رأب الضرر الذي حدث إلى الآن سنواتٍ، هذا إذا وضعت الحرب أوزارها الآن.
وأضاف في إحاطة أمام مجلس الأمن أمس الثلاثاء 21 ماي أنّ عواقب الصراع ومخاطره المؤلمة جليّةً، خاصّةً بالنسبة إلى اللِّيبي: ما يربو عن 460 قتيلاً، 29 منهم مدنيون، وأكثر من 2400 جريحٍ، معظمهم من المدنيين. كما أُجبر ما يزيد عن 75000 شخصاً على النزوح من منازلهم، جميعهم من المدنيين، في حين أنّ أكثر من نصف النازحين هم من النساء والأطفال. وتقدِّر الجهات العاملة في مجال المساعدة الإنسانية أنّ ما لا يقل عن 100 ألف رجل وامرأة وطفل ما زالوا محاصرين في مناطق المواجهة المباشرة، وأكثر من 400 ألف آخرين ما زالوا عالقين في المناطق التي تأثرت مباشرة بالاشتباكات.
وذكر د.غسّان سلامة أنّه في الوقت الذي كانت فيه ظروف المهاجرين واللاجئين في ليبيا في حالة يرثى لها قبل الصراع، تحوَّلت هذه الظروف الآن من سيء إلى أسوأ. حيث يحاصَر زهاء 3400 لاجئ ومهاجر في مراكز الاحتجاز المعرَّضة للمواجهات أو تقع على مقربةٍ منها. وتعمل الوكالات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة على مدار الساعة لنقل أكثر الفئات ضعفاً من المناطق المتأثرة بالصراع إلى مواقع أكثر أمنا.
وتحدّث عن الفرصة الضائعة والأمل الذي اغتيل قبل عشرة أيام بالضبط من تحقيقه عندما كانت ليبيا على أعتاب انعقاد الملتقى الوطني في مدينة غدامس الليبية والذي كان من المفترض أن يجمع ما يزيد عن 150 ليبي من جميع أنحاء البلاد. وكان هناك حماس شعبي بشأن ما يمكن للملتقى أن يُسفر عنه من نتائج في سبيل المضي قدماً لإنهاء المرحلة الانتقالية التي استمرت ثمانية أعوام في ليبيا، والدخول في فترة جديدة من الاستقرار والأمن يكون صندوق الاقتراع الفيصل فيها.
وأوضح المبعوث الأممي إلى ليبيا في السياق نفسه أنّ الهجوم على طرابلس قوّض فرص نجاح المحادثات التي عقدت في 27 فيفري في أبو ظبي، وهي السادسة من نوعها، بين رئيس الوزراء السراج و الجنرال حفتر. وخلال تلك المحادثات، كانت هناك فرصة حقيقية لاستبدال حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، وحلّ الحكومة الموازية في البيضاء وإنشاء حكومة وطنية موحّدة وشاملة للجميع ، كان من شأنها أن تقود البلاد إلى إنهاء الفترة الانتقالية من خلال العملية الانتخابية. كما أنّ التفاهمات التي تمّ التوصل إليها في أبو ظبي قد نصّت على إخضاع الجيش للسيطرة المدنية، وهو مطلب رئيسي للغالبية العظمى من الليبيين والكثير من الأطراف في المجتمع الدولي.
وأكّد غسّان سلامة أنّه لا يمكن حلّ الازمة الليبية عسكرياً قائلا :" لقد آن الأوان لأولئك الذين يتوهمون ذلك بأن يدركوا هذه الحقيقة ويتقبلونها. لا يمكن أن تدار الفسيفساء المجتمعية الليبية بدون تحالفات وعلاقات تمتدّ عبر كافة أرجاء البلاد. لقد كان الملتقى الوطني الذي يجمع هذه المجتمعات المتعددة بصيص الأمل في تحقيق مستقبل سلمي ومزدهر وشامل لجميع الليبيين".
واعتبر أنّ العنف على مشارف العاصمة طرابلس ليس إلا مجرّد بداية لحرب طويلة دامية على الضفاف الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط، مما يعرّض أمن جيران ليبيا المباشرين ومنطقة البحر الأبيض المتوسط بشكل أوسع للخطر. وأضاف أنّ الفراغ الأمني المترتب عن انسحاب العديد من قوات المشير حفتر من الجنوب، إلى جانب تركيز القوات الغربية على الدفاع عن العاصمة، يتمّ استغلاله بالفعل من قبل داعش والقاعدة. ففي جنوب ليبيا، تلوح رايات داعش السوداء.
وأفاد د.غسّان سلامة في هذا الصدد أنّه منذ 4 أفريل قام تنظيم داعش بأربع هجمات منفصلة في جنوب ليبيا: هجومان على منطقة غدوة، وهجوم في سبها وآخر في بلدة زلة قبل بضعة أيام. ووصلت الحصيلة التراكمية للهجمات إلى 17 قتيلاً وأكثر من 10 جرحى و8 مخطوفين. وأشار إلى أنّ القوات الليبية التي دافعت في الماضي بجسارة عن أرضها ضدّ هذه الجماعات الإرهابية أصبحت الآن مشغولة في الاقتتال فيما بينها. وبالإضافة إلى الليبيين الأبرياء الذين يتعرضون بلا هوادة لإرهاب داعش المتنامي، سيمتد هذا العنف إلى جيران ليبيا المباشرين.
وقال إنّ العديد من التقارير تشير إلى ظهور متطرّفين وأشخاص شملتهم العقوبات الدُّولية ومطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية من جميع الأطراف في ساحة المعركة، مشدّد على ضرورة أن تنأى هذه الأطراف بنفسها علناً عن هذه العناصر دون تأخير، وأن تحيل إلى المحكمة الجنائية الدولية كل من صدرت بحقهم مذكرات توقيف. وأوصى بأن يدعم المجلس تشكيل لجنة تحقيق تحدِّد مَن حملَ السلاح وتدعم إنشاء آليات تضمن استبعاد العناصر غير المرغوب فيها.
وأفاد المبعوث الأممي أنّ العديد من الدول تقوم بتقديم الأسلحة لجميع أطراف النزاع دون استثناء، مشيرا إلى أنّ هذا الكم من الأسلحة المتطورة بالفعل يتسبّب في أعداد أكبر من الإصابات قائلا :" فبدون آلية إنفاذ قوية، سيصبح حظر الأسلحة المفروض على ليبيا أمراً مثيراً للسخرية. إنّ بعض الدول تغذي هذا الصراع الدموي. وينبغي على الأمم المتحدة أن تضع حدّاً لهذا الأمر. كما اتسم الصراع باستخدام الغارات الجوية والمدفعية الثقيلة والقصف العشوائي على المناطق السكنية. وشاب ليالي رمضان، التي تُقضى عادة في مسامرات مع الجيران والعائلة رعباً مطلقاً لسكان العاصمة، الذين باتوا يترقبون في وجلٍ الهجوم التالي".
وعبّر عن عميق القلق إزاء الارتفاع الحاد في وتيرة عمليات الاختطاف والاختفاء والاعتقال التعسفي منذ بداية النزاع الحالي. فقد تعرّض ما لا يقل عن سبعة أشخاص من مسؤولين وموظفين للاحتجاز التعسفي أو الاختطاف في شرقي ليبيا وغربها. ولا يزال مصير كل هؤلاء الأشخاص مجهولا ولربما تعرض غيرهم للاختفاء في ملابسات مشابهة. ويتعرض الصحفيون للكثير من التهديد والوعيد وأعمال العنف على ضوء تغطيتهم لأحداث تتعلق بالنزاع على الأغلب.
وناشد د.غسّان سلامة دعم مجلس الأمن المطلق المتجسد في إلزام جميع أطراف النزاع بتطبيق القانون الدولي الإنساني قائلا: "علينا أن نثبت لكل من تسوّل له نفسه اقتراف أي انتهاكات بأن الإفلات من العقاب لا يمكن أن يسود. وعلينا كذلك معاقبة كل من يحاول التستر خلف أدخنة الحرب لتصفية حسابات شخصية أو سياسية باستخدام العنف".
وبخصوص الأوضاع المعيشية في ليبيا ذكر د.غسّان سلامة أنّه مع بداية شحّ الموارد، أخذت أسعار الأغذية بالارتفاع في عموم البلاد. فالانفلات الأمني وزيادة الطلب على الموارد من جانب أطراف النزاع تسبب في تفاقم ندرة المواد هذه، وخصوصاً الوقود.
وأشار إلى أنّ البنية التحتية الليبية تعدّ واحدة من ضحايا النزاع، بما في ذلك التيار الكهربائي والمياه. فالمياه التي تعتبر أساساً غير كافية مقارنة بالطلب عليها، أصبحت، في العاصمة والمنطقة الشمالية الغربية بكاملها، تستخدم كسلاح بعد أن قامت المجموعات المسلحة بقطع الإمداد من النهر الصناعي لإجبار الطرف المقابل على التنازل، مؤكّدا أنّ هذا الفعل يعرّض عشرات الآلاف من البشر لمخاطر محدقة قد تشكل جريمة حرب لا بد من إدانتها بأشد العبارات.
أمّا على الصعيد الاقتصادي، فلاحظ أنّ الجانب الإيجابي الوحيد هو أنّ جميع الأطراف لحد الآن لم تضر بالمصلحة الوطنية ولم تعرقل إمدادات النفط، مشيرا إلى وجود مؤشرات عن محاولة فرع المؤسسة الوطنية للنفط في المنطقة الشرقية مجدداً تصدير النفط في انتهاك لنظام العقوبات المفروض، منبّها إلى أنّ تلك المحاولات غير القانونية تهدّد بتقسيم المؤسسة الوطنية للنفط، التي تعدّ مصدر الدخل الأكبر للبلاد وشبكة الأمان الاجتماعية الوطنية.
وطلب المبعوث الأممي في ختام كلمته من مجلس الأمن الاضطلاع بمسؤوليته في الحثّ على وقف القتال وحثّ الأطراف المتحاربة على العمل مع البعثة لضمان وقف تامّ وشامل للأعمال العدائية والعودة إلى عملية سياسية شاملة تقودها الأمم المتحدة.
- اكتب تعليق
- تعليق