ما أهميّة التمويل العمومي للحملات الانتخابية؟

يتمّ الالتجاء إلى التمويل العمومي للحملات الانتخابية في الأنظمة الديمقراطية لضمان تكافؤ الفرص بين المتنافسين. ومن باب العدالة والشفافية تضع الدولة على ذمّة المترشّحين تمويلا مباشرا لتغطية نفقات حملاتهم الانتخابية توزّع بالتساوي بينهم وفق معايير مضبوطة وسقف محدّد للمصاريف التي تنفقها الأحزاب في الحملات الانتخابية «بالاستناد إلى معايير من بينها خاصّةً حجم الدائرة الانتخابية وعدد الناخبين فيها وكلفة المعيشة». كما تسند لهم  الدولة تمويلا غير مباشر من خلال تمكينهم من استعمال وسائل الإعلام العمومية مجانا ولفترة زمنية محدّدة بالتساوي بين المترشّحين تخصّص لعرض برامجهم على الناخبين.

كما يهدف التمويل العمومي للحملات الانتخــابية إلى تعـزيز ثقة الناخبين بالمترشّحـــين وقطع الطريق أمــام المال السياسي والتمويل الأجنبي والتمويلات المشبوهة المصدر الممنوعة قانونا والتي قد تتدخّل في السياسية وتضرّ بالديمقراطية وتؤثّر في نزاهة الانتخابات. لذلك لم تغفل هذه الترسانة من القوانين المنظّمة لتمويل الحملات الانتخابات ومن ضمنها التمويل العمومي مجالين مهمّين يكمّلان المنظومة بهدف تحقيق شفافية الانتخابات ونزاهتها وأقصد هنا آليات الرقابة والمحاسبة.

كيف تتمّ الرقابة؟

لتوفير الضمانات اللازمة للرقابة على التصرّف في المال العام المموّل للحملات الانتخابية، أوجب المشرّع في قانون 2014 على كلّ قائمة أو مترشّح أو حزب الالتزام ببعض الإجراءات التي تساعد على الرقابة مثل فتح حساب بنكي وحيد فيه تودع ومنه تصرف المبالغ المخصّصة للحملة الانتخابية يتمّ مدّ هيئة الانتخابات بهويّته، ومسك سجلّ خاصّ بالمداخيل والنفقات، ومسك قائمة تدوين التظاهرات والأنشطة الانتخابية. وشدّد المشرّع على أن تكون المصاريف الانتخابية مدعّمة بوثائق إثبات ومسدّدة بواسطة شيكات أو تحويلات بنكية إذا تجاوزت 500 دينار.

وحتّى تكون الرقابة على تمويل الحملة ناجعة فهي تتمّ على مستويين قبل الانتخابات وبعدها حسب القانون 2014 الذي وفرّ أكثر ضمانات لمراقبة تمويل الحملات الانتخابية مقارنة بقانون 2011، إذ تتولّى الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات خلال الحملة مراقبة التزام القائمة المترشّحة أو المترشّح أو الحزب بقواعد تمويل الحملة الانتخابية ووسائلها وفـرض احترامها بالــــتعاون مع مختلف الهياكل العمـــومية ،وعهد القانون الانتخابي أيضا لمحكمة المحاسبات الرقابة اللاحقة على موارد ونفقات كلّ قائمة مترشّحة أو مترشّح أو حزب، والمخصّصة للحملة الانتخابية ومشروعية مصادرها وأوجه التصرّف في المنحة العمومية بالنّسبة إلى الانتخابات 2011 و2014 والرقابة أيضا على موارد الحساب البنكي الوحيد ومصاريفه والتأكّد من احترام المترشّحين أو القائمات أو الأحزاب لسقف الإنفاق الانتخابي، وعدم ارتكابهم جرائم انتخابية، على أن تكون الرقابة وجوبيّة بالنّسبة إلى المترشّحين والقائمات المترشّحة التي تفوز في الانتخابات. وقامت محكمة المحاسبات بدورها الرقابي على انتخابات 2011 و 2014 ونشرت نتائج ذلك في تقارير دوّنت فيها ملاحظاتها ومآلات الرقابة وتوصياتها والمخالفات التي عاينتها ونوعية العقوبات التي تتّخذ ضدّ المخالفين وخاصّة الذين تخلّدت بذمّتهم مبالغ المنحــة العمومية التي حصلوا عليها. فما مآل المخالفين؟

هل هناك محاسبة للمخالفين؟

حدّد القانون الانتخابي طريقة المحاسبة انطلاقا من متابعة ما أسماه المخالفات المالية والانتخابية التي قد يقع فيها المترشّح أو القائمة أو الحزب فعدّد قانون 2011 وكذلك قانون 2014 المخالفات التي تعود بالنظر إلى محكمة المحاسبات والمتمثّلة في عدم إيداع الحساب المالي أو التأخير في مدّ المحكمة بالوثائق المطلوبة أو بالنسخ الأصلية من القائمات والحسابية في الآجال المحدّدة لإنجاز الأعمال الرقابية الموكولة لها أو عدم مسك حسابية للمطالبين بها أو تجاوز سقف الإنفاق أو تلقّى تمويل أجنبي للحملة الانتخابية. ويحدّد القانون العقوبات التي تنجرّ عن تلك المخالفات وتكون مالية أو انتخابية تبعا لنوع المخالفة المقترفة مثل الخطايا والعقوبات المالية المختلفة أو إسقاط العضوية بمجلس نوّاب الشعب أو الفقدان الآلي لصفة المترشّح أو لصفة المُنْتَخب أو عدم الاستفادة من منحة التمويل العمومي في الانتخابات الموالية وقد تصل العقوبات إلى السجن .كما تتولّى وزارة المالية عن طريق القباضات المالية متابعة تسوية القائمات والأشخاص للمبالغ المتخلدة بذمّتها من المنحة العمومية التي تحصّلوا عليها أثناء انتخابات المجلس التأسيسي 2011 والانتخابات التشريعية والرئاسية 2014.

خالد الشّابي

قراءة المزيد:

التمويـل العمومي للحمـلات الانتخابية: هل استرجعت الدولة ما أنفقته؟