قايد السبسي في كلمته إلى القمة العربية التنموية في بيروت : ترتيب الأولويات في إطار رؤية مشتركة محورها المواطن العربي
جاء في كلمة الرئيس الباجي قايد السبسي الموجّهة إلى القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية المنعقدة ببيروت (19-20 جانفي 2019) أنّ هذه القمّة تمثّل خطوة جديدة على درب تحقيق الرؤية المشتركة والمتمثلة في تعزيز البعد التنموي والاقتصادي في العمل العربي المشترك من أجل تلبية تطلّعات الشعوب العربية نحو التكامل الاقتصادي والتنمية المشتركة والمتضامنة. وهي محطة جديدة على هذا المسار التجديدي في العمل المشترك، الذي انطلق مع انعقاد الدورة الأولى للقمّة سنة 2009 بدولة الكويت.
وجاء أيضا في هذه الكلمة التي ألقاها نيابة عنه وزير الشؤون الخارجية خميّس الجهيناوي أنّ اختيار محور "الإنسان العربي محور التنمية" شعارا لها، يحمل دلالات عميقة وهامّة في هذا الاتّجاه.
ففي ظلّ الأوضاع الصعبة التي تردّت فيها المنطقة منذ سنوات، وما تسبّبت فيه من مآس إنسانية واستنزاف لمقدّرات البلدان العربية، وإرباك لمسارات التنمية فيها، باتت الحاجة ملحّة أكثر من أيّ وقت مضى، لإعادة ترتيب الأولويات في إطار رؤية مشتركة، محورها الرئيسي المواطن العربي، وهدفها الأساسي الاستجابة لاحتياجاته التنموية والاقتصادية والاجتماعية.
فالعالم من حولنا يتقدّم بثبات على درب التطور التكنولوجي والنماء الاقتصادي والرفاه الاجتماعي، حيث قطعت بقية التجمّعات الإقليمية خطوات عملاقة وحقّقت مستويات هامّة من التكامل والتطور الاقتصادي، وبالمقابل فإنّ الوطن العربي، ورغم ما اجتمعت لديه من خصائص الوحدة ومتطلبات التكامل، وما يتوفر عليه من ثروات طبيعية وإمكانيات هامّة وطاقات بشرية مؤهلة وموقع استراتيجي متميّز على مفترق طرق التجارة العالمية، لم يتمكّن بعدُ من تحقيق التكامل الاقتصادي المنشود، وظلّ، غير مندمج بالفاعلية المطلوبة في منظومة الاقتصاد العالمي.
كما أنّ التأثيرات السلبية للأزمات والأوضاع المضطربة التي تشهدها المنطقة، مازالت متواصلة على نسب النموّ الاقتصادي والاستثمارات الخارجية والمحلية، وحجم التبادل التجاري ونسق التدفّق السياحي، علاوة على إسهامها في تفاقم نسب البطالة واتّساع رقعة الفقر ومستوياته، واستفحال ظاهرة اللجوء، حيث يمثّل اللاجئوون العرب 53 في المائة من مجموع اللاجئين في العالم، في حين أنّ نسبة السكان العرب لا تتعدّى 5 في المائة من سكان العالم.
وأكّد رئيس الجمهورية أنّ تجاوز هذا الوضع يتطلب اليوم، إلى جانب دفع مسارات التسوية السياسية للأزمات القائمة، مزيد تركيز الجهود المشتركة على التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية، باعتبارها المدخل الأساسي لمناعة وتماسك المجتمعات، وتحصينها ضدّ الاختراقات وتطوير قدرتها على حفظ أمنها واستقرارها داخليا، والدفاع عن مصالحها وسيادتها خارجيا·
وأضاف: «ولما كان العمل الاقتصادي العربي المشترك، جزء لا يتجزأ منمنظومة الأمن القومي العربي في مفهومه الشامل، وحاجة ملحّة لدعم مسارات التنمية في بلداننا، فإنّه من الضروري تشخيص المعوّقات التي حالت دون تحقيق الارتباط العضوي والتكامل بين اقتصادياتنا والعمل على معالجتها، وإعادة بلورة رؤية تنموية تكاملية تأخذ بعين الاعتبار ظروف المنطقة وإمكانياتها وأولوياتها، وتساهم في إخراجها من نسق النموّ البطيء، نحو النجاعة الاقتصادية وزيادة الإنتاجية وتنويع مصادر الثروة واستثمار كل الإمكانيات المتاحة في مجتمعاتنا.
فبقدر ما نتقدّم في المجالات التنموية والاقتصادية والاجتماعية وفق رؤية مشتركة وتكاملية، تتوفّق جهودنا في معالجة بقية قضايانا والنهوض بأوضاع منطقتنا وتعزيز مقومات الأمن والاستقرار فيها".
وقال إنّه من منطلق حرصنا على دفع التعاون والتكامل الاقتصادي والتنموي بين بلداننا، فإنّ تونس ترحب بالمشاريع والقرارات التي سيتمّ اعتمادها في هذه القمة، والمتعلقة أساسا بالطاقة، والاستثماروالأمن الغذائي ومكافحة الفقر وتنفيذ أهداف التنمية المستدامة 2030 بالمنطقة العربية، وتفعيل دور القطاع الخاص، ودور المرأة والشباب في الحياة الاقتصادية.
وأشار إلى إنّها تكتسي كلّها أهمية بالغة وأبعادا استراتيجية، وتندرج ضمن مسار تحقيق النقلة النوعية المنشودة في عملنا العربي المشترك. كما ندعو، في نفس السياق، إلى مواصلة تنفيذ قرارات القمم السابقة، وتسريع وتيرة تنفيذ المشاريع التكاملية المشتركة.
وشدّد الرئيس الباجي قايد السبسي على أنّه باعتبار الارتباط الوثيق بين التنمية والأمن، وفي ظلّ الأوضاعالعالمية الراهنة التي لا مكان فيها إلا للتكتّلات القوية والمتماسكة، نجدّد التأكيد على ضرورة مواصلة العمل على تعزيز مقوّمات السلام والاستقرار في المنطقة، بما يمكّن من دفع علاقات التعاون ورفع حجم الاستثمارات والمبادلات التجارية العربية البينية، وتحسين البيئة الاستثمارية العربية وتيسير حركة رؤوس الأموال في المنطقة، وإقامة الشراكات في المجالات الاقتصادية والتنموية والتكنولوجية ذات القيمة المضافة والقدرة التشغيلية العالية، واستثمار كلّ الميزات التكاملية المتوفّرة بين بلداننا.
ولاحظ أنّ التقدّم على مسار التكامل الاقتصادي، سيسهم في رفع نسب النموّ الاقتصادي لبلداننا، وتنمية الثروة وخلق مواطن الشغل للشباب الذي يعاني من البطالة والمعرّض لمخاطر الاستقطاب والاستغلال من قبل تيارات التطرف العنيف والجريمة المنظّمة.
واستطرد قائلا : "نحن واعون بالصعوبات الظرفية القائمة في المنطقة، والتي أعاقت إلى حدّ الآن دفع التعاون والتكامل الاقتصادي العربي. وفي اعتقادنا، لا بدّ من العمل على تجاوز هذا الوضع وتحرير مجالات التعاون الاقتصادي والتنموي من تأثيرات الأوضاع السياسية، منخلال اعتماد استراتيحية واقعية تستند، في مرحلة أولى، إلى الحدّ الأدنى من المصالح المشتركة والأكيدة في المجالات الاقتصادية، التيلا يمكن أن تتأثر بالخلافات السياسية أو تقلّبات الوضع العربي، وتكون بداية لانطلاقة جديدة في عملنا العربي المشترك بأهداف وأولويات واضحة، في مقدّمتها الارتقاء بالأوضاع المعيشية للمواطن العربي من خلال توفير مقوّمات الحياة الكريمة وخلق مواطن الشغل والأخذ بناصية العلوم والتكنولوجيات الحديثة، وتحقيق الأمن الغذائي وكلّ أسباب الرقي والرفاه الاجتماعي، بعيدا عن النزاعات والمآسي والحروب.
فلا يمكن الحديث عن الأمن القومي العربي وتحقيق اندماج أكبر في المنظومة الاقتصادية العالمية والتفاعل الإيجابي مع بقية التكتلات والتجمعات الإقليمية والاقتصادية، في حين أنّ المنطقة تتصدّر الإحصائيات العالمية لأعداد اللاجئين والمهجرين ونسب الفقر والإرهاب، وتدنّي مؤشّرات التنمية البشرية وضعف البنى التحتية وتضاؤل المبادلات التجارية وحجم الاستثمارات البينية".
وقال رئيس الجمهورية في الختام :" نحن على ثقة بأنّنا قادرون، بفضل ما يحدونا جميعا من إرادة راسخة، على تحقيق أهداف هذه القمة، التي تندرج ضمن التوجّه الاستراتيجي للنهوض بأوضاعنا، على أن نمضي قدما في تنسيق مواقفنا من أجل رؤية موحدة وواضحة في هذا الشأن، واعتماد الخيارات الناجعة ومواصلة البناء على ما تمّ إنجازه منذ القمّة الأولى في الكويت، لدفع التعاون والتكامل الاقتصادي والتنموي بين بلداننا.
وفي نفس هذا السياق، سنحرص على مواصلة العمل بالتنسيق مع البلدان العربية الشقيقة في هذا الاتّجاه، عندما نسعد باستقبالكم في بلدكم الثاني تونس، بمناسبة انعقاد القمّة العربية العادية، التي ستتشرّف تونس بترؤسها واحتضانها في شهر مارس 2019».
- اكتب تعليق
- تعليق