قـصـّـــة مـــن التـــراث لـــم يسلــــم بحــدّ السّـــيــف
قبل سنوات، تداولت وسائل الإعلام العربية بمختلف أصنافها، خبرا جاء فيه أنّ الداعية الإسلامي الفرنسي دومينيك بينو قال في حديث أدلى به إلى إحدى الفضائيات العربية «إنّ الإسلام ليس في حاجة إلى من يدافع عنه، فهو دين انتشر في الكثير من بقاع العالم بفضل أخلاق المسلمين، وتعاملاتهم، وبتسامحهم عبر قرون عديدة»... وقد أحببت، بوحي ممّا قاله هذا الداعية، أن أتناول بالعرض والتقديم، القصة التالية التي تتحدث عن إسلام رجل نصراني، لا تحت وطأة الإكراه أو الخوف، ولا بدافع من الحاجة أو الطمع، وإنما، فحسب، لتأثّره بمسلك رجل مسلم هو جندب بن كعب الأسدي الذي قال الرسول صلى الله عليه وسلم، إنه سيضرب ضربة يفرق بها بين الحقّ والباطل، وقد حقّق قولة الرسول حين قضى على أحد السحرة، غير أنّ الوالي أمر بحبسه، وقد حبس، في البداية، في سجن الكوفة، ثمّ في مرحلة ثانية، في سجن خارجها.
وفيما يلي نصّ القصّة:
«أخبرني أحمد، قال حدّثنا عمر، قال حدّثنا حجّاج بن نصير، قال حدّثنا قرة عن محمد بن سيرين قال: انطلق بجندب بن كعب إلى سجن خارج من الكوفة، وعلى السجن رجل نصراني، فلمــــا رأى جنـــــدب بن كعب يصوم النهار ويقوم الليل، قال النصراني: والله إنّ قوما هذا شرّهم لقوم صدق، فوكل بالسجن رجلا ودخل الكوفة، فسأل عن أفضل أهل الكوفة، فقالوا الأشعث بن قيس، فاستضافه فجعل يرى أبا محمد ينام الليل ثم يصبح فيدعو بغذائه، فخرج من عنده فسأل: أيّ أهل الكوفة أفضل؟ فقالوا: جرير بن عبد الله، فوجده ينام الليل ثمّ يصبح فيدعو بغدائه، فاستقبل القبلة ثمّ قال: ربي رب جندب وديني على دين جندب، وأسلم» (الأغاني، المجلد الخامس، ص 156/157، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، بيروت، لبنان). إنّ هذه القصة تؤكّد حقيقتين اثنتين: الحقيقة الأولى هي أنّ الإسلام، على عكس ما يدّعيه خصومه وأعداؤه، لم ينتشر في الكثير من بقاع العالم، وبين العديد من شعوبه بحدّ السيف، وأنّه لم يغز قلوب الناس وعقولهم بالقوّة كما يزعمون، وإنّما غزاها بفضل السلوك الحميد الذي كان أتباعه (أو على الأقل بعض أتباعه) يسلكونه... ولعلّ الملفت في هذه القصّة أنّ المقتدى به كان رجلا سجينا، أي أنّه يفترض أن يكون من «شرّ المسلمين» كما وصفه الرجل النصراني، غير أنّه، مع ذلك، استطاع أن يبهر سجّانه بورعه وإيمانه الصادق وأن يغريه بالدخول في الإسلام... أمّا الحقيقة الثانية فهي أنّ دينا بهذه القدرة على استهواء الناس، والنفاذ إلى قلوبهم وعقـــولهم، لا يمكن لخصومه وأعدائه إلاّ أن يروا فيه خطرا لا مفر من حشد كافّة قوّاهم لمواجهته، ولذلك تراهم لا ينفكّون يشنّون عليه الحملات تلو الحملات، بمبرّر وبغير مبرر، وذلك على غرار الحملة التي شنّوها، على مشــروع «بيت قرطبة» الذي كان من المزمع إقامته في مدينة نيويورك...
وإنّه لمن المفارقات الغريبة أن يحدث ذلك في هذه المدينة التي تزهو على سائر مدن العالم بـ«تمثال الحرية» الشهير الذي تستقبل به زوّارها، غير أنّ المفارقة الأغرب هي أن يظلّ ذلك التمثال الذي يتّخذه الأمريكيون والغربيون عموما رمزا لـ«ديمقراطيتهم العظيمة» واقفا حتّى الساعة، وألاّ يلقي بنفسه في خليج نيويورك عساه يتطهّر من بعــض الأدران التــي ما فتئت تعلق به، جرّاء ما تعاقب على العالم بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، من فظائع من عناوينها الكبرى غزو أفغانستان الظالم، واحتلال العراق الآثم، وحصار قطاع غزة الجائر ثمّ تدمير سوريا وليبيا واليمن الغادر....
محمد إبراهيم الحصايري
- اكتب تعليق
- تعليق