الشيــخ أحمـد الـزّغـل: الـرّجـل ذو الســيـاستيـــن
من حقّ الشيخ أحمد الزّغل علينا أن نقف أمام حياته الخصبة الغنيّة طويلا باحثين في مغزى شخصيته ومعنى مواقفه من الحياة ومعاركه في المجتمع. ونحن حين نبذل جهدا في فهم الشيخ أحمد الزّغل نكون قد أدّينا بعض واجبنا نحوه بالأسلوب الذي يرتضيه ونبرّه به. هو إحدى الهامات البارزة في صفاقس في ميادين السياسة والعمل المدني والنضال البيئي، شعلة من العطاء، زرع في الأجيال التي تخرّجت من معطفه عشق الوطن ومحبّة الإنسان وظلّ وفيّا لذاته حريصا على نقائها وصدقها وأصالتها. هو من ذاك الجيل الوطني الذي آمن بالدولة الوطنية في بواكيرها فساهم في بنائها بما أتيح له من المسؤوليات السياسية وبما قيّض له من المراكز القيادية في الحقلين التربوي والمحلّي. والمرء قد يتّفق مع الرجل في ما اختاره لنفسه من الفكر أو ما ارتآه من الطريق البنّاء والعمل وقد يختلف معه إن قليلا أو كثيرا في هذا الفكر أو في تلك الطرائق لكنّه في الحالتين لا يملك إلاّ أن يحترمه وأن يجلّه الإجلال كلّه وأن يطمئنّ إلى مقالته المفعمة بالروح الوطنية والعزّة القومية وإلى ما يتّخذ لها من ضروب السلوك لصدقه في ما كان يطلبه لنفسه ولإخلاصه في ما كان يسعى فيه من أجل وطنه ومجتمعه. لقد آمن الشيخ أحمد الزغل بالدولة الوطنية التي يجب أن تُبنى وبأنّها بالقدر الذي هي مطلب نبيل هي في الآن نفسه مطلب عزيز ولا سبيل إلى إدراك هذا المطلب العزيز إلا إذا توسّل إليه جميعنا بأسباب التقدّم وفي صدارة هذه الأسباب التربوية والتعليم لذلك أنفق من أجله جلّ حياته ووهبه مهجته وكيانه تدريسا وهو الحاصل على العالمية في الآداب من الكلية الزيتونية وإدارة تربوية رشيدة على مدى ثلاثين عاما أو يزيد وهو المتخرّج من المدرسة العليا للحقوق ومن الذين تلقّوا تكوينا محترما في المدرسة القومية للإدارة وتصنيفا للوسائل التعليمية وهندسة نافذة في بناء البرنامج وتعريب بعض موادّها.
إنّ هذا المنزع الوطني في كفاح الشيخ أحمد الزّغل لم ينفصل لديه عن الكفاح المواطني فلطالما اقترنت عنده سياسة الناس بسياسة الطبيعة إذ للناس دستورهم الذي ينظّم حياتهم في مجتمعاتهم وللطبيعة دستورها الذي يحقّق لها توازنها و يجدّد حياتها لذلك وجب في نظره على الإنسان أن يخضع لدستور الطبيعة خضوعه لدستور المجتمع وأن يحترمها كليهما ويعمل على صيانتهما. إنّ هذه الرؤية الوطنية والكونية هي التي حدت بالشيخ إلى ابتعاث جمعية لحماية البيئة والطبيعة اجترحها من حقّ الطبيعة على الإنسان من جهة ومن حقّ الإنسان في حياة سليمة خالية من كلّ صنوف التلوّث ومنغّصات صحّة البشر من جهة ثانية. بهذه الرؤية التعادلية التوفيقية بين حاجة الإنسان إلى الطبيعة سليمة معافاة من كلّ اعتداء وحاجة الطبيعة إلى إنسان يسالمها ويحرص على تجدّدها باعتباره واحدا من عناصرها كان الشيخ ينظر إلى غناء الكون وتنوع ثرواته ومنها ثرواته الباطنية.
ولئن كان لا ينكر أنّ للثروات الباطنية قيمة كبيرة وأنّ الثروات الباطنية ذات دور عظيم في تسيير دواليب التقدّم فإنّه ينكر على بعضهم أن يعتبر هذه الثروات غاية الغايات والمقصد الذي إليه المنتهى. الذي ينكره الشيخ أن يعتبر هؤلاء الناس ثروة مثل الفسفاط أثمن من الإنسان فيرضون من أجله بإزهاق الأرواح واعتلال الأجساد وابتئاس النفوس. أدرك الشيخ بواعيته الحصيفة أنّ أثمن ما في هذا الكون هو الإنسان وأنّ أجمل ما في الطبيعة وأشرفه هو الإنسان. فالإنسان عنده، كما أفادني ذات مرّة، خليفة الله وصورة منه لذلك يجب ألاّ يرخّص هؤلاء لأنفسهم الاعتداء على ما أراده الله جميلا وشريفا وثمينا بأشرس أداة في الاعتداء على الطبيعة ألا وهي مصنع الموت الذي اسمه السياب. لذلك لم يدّخر جهدا في مقاومته المقاومة المدنية السليمة التي يعزّزها بصنوف من الحجج كالعلمي المرقّم والمنطقي المحكّم اللبق الذكي مستغلاّ في كل ذلك منزلته الاعتبارية وعلاقاته الاجتماعية والسياسية. هذا هو وجه الخلاف بين أحبّاء الطبيعة في جمعية البيئة والطبيعة بصفاقس يقودهم في نضالهم البيئي الشيخ أحمد الزّغل على مدى ثلاثين سنة أويزيد بين أعداء الطبيعة ممن أعماهم الحقد وصرفتهم الأنانية إلى منافعهم القريبة الزائفة. هذا هو الشيخ أحمد الزّغل ذو السياسيين سياسة الناس وسياسة الطبيعة كان فيهما رجل العقل والعمل والتفكير الواقعي الواضح الدقيق والمنزع الإصلاحي المسالم مثلما كان فيهما عنوانا لنظافة اليد ونقاوة السريرة وطهارة الطويّة لا تهمز مروءته ولا تغمز كرامته، قويّ الشكيمة في غير غلظة وفي صرامة وجدّ هما من خصال النجاح والتـألّق والتميّز..
إبراهيم بن صالح
عضو الهيئة المديرة للرابطة التونسية
للدفاع عن حقوق الإنسان
- اكتب تعليق
- تعليق
Je suis très émue c'est mon oncle maternel et je l'aime fort a ma naissance c'est lui qui m'a nommé qui avait dit ikram son prénom ikram Rabbi yichfih amiiin