الأمية في تونس : الواقع المفزع (ألبوم صور )
عندما أفادت وزارة الشؤون الاجتماعية مؤخّرا أنّ نسبة الأميّة في تونس بلغت 19.1 ٪ سنة 2018 بينما كانت 18.8 ٪ سنة 2014، استنادا إلى إحصائيات المعهد الوطني للإحصاء، حدث جدل واسع في وسائل الإعلام وفي العديد من الأوساط ولا سيّما الوسط التربوي وساد بتونس الاستغراب من هذه النّسبة التي عادت بتونس خطوات إلى الوراء، وهي البلد الذي بنى مجهوده التنموي على التعليم خاصّة وحرص على تحقيق نسبة تمدرس تجاوزت 99 ٪. واعتبر العديد من الملاحظين هذا الرقم صدمة كبرى نظرا إلى أنّ النسبة المسجّلة بعيدة كلّ البعد عن الهدف الذي كان منتظرا تحقيقه سنة 2014 وهو النزول بالأمية إلى نسبة 10 ٪. وازداد هول الصدمة عندما انتشر تفسير لهذه النسبة في وسائل الإعلام يشير إلى أنّ حوالي مليوني مواطن تونسي يعانون الأميّة.
لماذا لم تتراجع نسبة الأمية في تونس كما كان منتظرا بعد 62 سنة من الاستقلال؟ وما هي سمات هذه الظاهرة وأسبابها؟ وأين تنتشر ؟ وهل اتّخذت الدولة إجراءات جديدة لمقاومتها؟ تلك أسئلة نحاول الإجابة عنها في هذا الملفّ.
لابدّ في البـــــداية مــــن تحديد مفهــومين هما: الأمية عموما Analphabetisme والقرائية Illetrisme. ووفقــا للتعريف الكلاسيكي لمنظمة اليونسكو (1958) فإنّ الأمية العامة (وتسمّى أيضا الأمية الأبجدية ) هي عدم قدرة الشخص على قراءة و كتابة جملة قصيرة وبسيطة تمسّ حياته اليومية وعدم القدرة على الحساب ممّا يعيقه عن التواصل الاجتماعي البنّاء. أمّا القرائية فهي مبحث من مباحث محو الأمية وتستهدف من يعرف القراءة والكتابة لكن يعجز عن توظيفهما أو لا يتحكم في استعمالهما. وفي سنة 1962 أصبحت اليونسكو تتحدّث عن الأمية الوظيفية وتعرّفها بعــدم التمكّـــن مـــن الكفايات الضرورية لممارسة كلّ الأنشطة الضرورية لكي يلعب الفرد دورا فعّالا في المجتمع باستعمال ما اكتسبه من قدرات في القراءة والكتابة والحساب ممّا يسمح له بمواصلة القيام بذلك الدور والمساهمة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية بصورة كاملة.
ونتحّدث اليوم عن صنفين من الأميين في العالم. فحسب اليونسكو يتعلّق الصنف الأوّل بهؤلاء الشباب والكهول الذين لا يحذقون القراءة والكتابة والحساب وعددهم في العالم حوالي 750 مليونا أمّا الصنف الثاني فهم الأطفال الذين تعلّموا لكنّهم لم يكتسبوا كفايات التعلّم الأساسية وعددهم 250 مليونا تقريبا. وقد فرضت التطوّرات التي نعيشها في عصرنا نوعين آخرين وهما الأمية الرقمية أي الجهل بالحاسوب والأمية التواصلية أي الجهل باللغات. وهذان النوعان لم يتم إقحامهما بعــــد في المعطيـــات الإحصائية الخاصّة بالأمية.
تاريخ برنامج محو الأميّة في تونس
ولو عدنا إلى ما حقّقه برنامج محو الأميّة في الماضي للاحظنا أنّه حقّق عدة إنجازات في تونس الحديثة التي راهنت منذ الاستقلال على التعليم لتحديث المجتمع. وكانت نسبة الأمية حوالي 84.7 ٪ سنة 1956. ونظرا لتوفّر الإرادة السياسية آنذاك لمقاومة الأمية انخفضت النسبة في غضون 10 سنوات إلى 67.9 ٪ تقريبا. وفي سنة 2000 أطلق على البرنامج تسمية «البرنامج الوطني لتعليم الكبار» وعمل بنسق مرتفع وكان يشرف عليه منسّق عامّ برتبة كاتب دولة وفي ظرف 4 سنوات حقّق أهدافا كمية ونوعيــة وانخفـــضت نسبــة الأمية إلى 23.3 ٪ سنة 2004 مقارنة بـ 37.2 ٪ سنة 1989 و31.7 ٪ سنة 1994. لكن يؤكّد المهتمون بهذا الشأن أنّ البرنامج سرعان ما حاد عن غاياته الأساسية ولم يحقّق أهدافه الكمية وأصبح يخدم أهدافا تشغيلية ويفضّ مشاكل اجتماعية. ذلك أن الاهتمام كان منصّبا على تعليم الأطفال التعليم النظامي وضعفت المجهودات الموجهة إلى تعليم الكبار بناء على أنّ التعليم الأساسي الإجباري سيساهم في تعليم الجميع فلا فائدة إذن من دروس محو الأمية وهذه الوضعية عاشتها دول مثل بريطانيا وهولندا وبلجيكا وألمانيا وعالجتها. أمّا بالنسبة إلى تونس فالقاعدة تقول إنّه إذا ظهرت الأميّة في بلد غالبية أبنائه في سنّ الدراسة في المدرسة فالضرورة تقتضي البحث عن الأسباب في كيفية اشتغال المدرسة، إضافة طبعا إلى الأسباب الفردية والأسباب الاجتماعية. لذا تمّ تقييم البرنامج سنة 2011 وكانت نسبة الأمية آنـذاك 19.5 ٪ لكن تراجع الاهتمام بالبرنامج بعد الثورة وأصبح يعمل من جديد بإشراف إدارة صغيرة في وزارة الشؤون الاجتماعية وفي سنة 2013 تمّ تخفيض ميزانيته من حوالي 13 مليون دينار إلى 3 ملايين دينار فقط بعنوان ترشيد النفقات والحرص على المال العام!
تدريس غير نظامي
التقينا السيد هشام بن عبدة مدير برنامج محو الأمية وتعليم الكبار بوزارة الشؤون الاجتماعية وسألناه في البداية عن الأرقام الصادمة التي صدرت حول الأمية في تونس وجعلت من مكافحة الأمية قضيّة رأي عام فقال إنّ برنامج محو الأمية وتعليم الكبار يدخل في خانة التعليم غير النظامي المتغيّر والمتحرّك الذي ليس فيه مؤسّسات قارّة ولا تلاميذ قارّون ولا إدارة قارّة، كما أنّ استقطاب الدارسين يتطلّب تدخّل مجموعة من الأطراف لأنّ الأميين يوجدون في جهات ومناطق مختلفة لكن في الأرياف هم أكثر عددا ومن فئات عمرية مختلفة وإذا اعتمدنا النوع فالنساء أكثر من الرجال . لذلك لا يمكن العمل في محو الأمية إلا بمقاربة تشاركية، علما أنّ البرنامج يؤمّه ما يزيد عن 22 ألف دارس حوالي 74 ٪ منهم إناث ثلثهن ريفيات ويعمل في البرنامج 954 مدرّسا متعاقدا و117 مدرسا قارّا و24 رئيس وحدة و17 متفقدا . ويتحرّر من الأمية كلّ سنة حوالي 7 آلاف دارس.
وعن العوامل التي ساهمت في ظهور هذه النسبة المرتفعة للأمية بعد 62 سنة من الاستقلال أشار السيد هشام بن حميدة إلى عدة عوامل وهي:
- تذبذب الإرادة السياسية من فترة إلى أخرى من حيث دعم البرنامج من عدمه كما عرفت فترة حكم بن علي توجّها للتغطية على نسبة الأمية الحقيقية وعدم المجاهرة بالأرقام على أساس أنّها تمسّ من صورة تونس في الخارج وهو ما قلّص من دعم المنظمات الدولية في هذا المجال وأثّرت هذه النظرة الدونية في تطوّر البرنامج.
- الهيكلة القديمة للبرنــامج وعدم مواكبتها لمقتضيات المرحلة.
- افتقار مجال محو الأمية وتعليم الكبار إلى نصوص تشريعية خاصّة به لذلك تعمل الجهات المختصّة اليوم على وضع قانون توجيهي خاصّ بمحو الأمية وتعليم الكبار وهو اليوم محلّ استشارة في الجهات.
- ضبابية تنظيم القطاع ميدانيا.
- تقلّص عدد الإطار التربوي والإداري مقارنة بعدد الدارسين.
- اعتماد مقاربة جزئية وغير دقيقة في التدريس والبديل مقاربة إدماجية شاملة.
- تقليص حجم الاعتمادات المخصّصة للبرنامج ممّا أثّر في النتائج الكمية.
- عدم قيام الإعلام بدوره التوعوي التحسيسي للرأي العام.
- وأشار مدير برنامج محو الأميّة وتعليم الكبار إلى أنّ من أهمّ الأسباب التي ساهمت في ارتفاع نسبة الأمية هو عجز المنظومة التربوية التونسية على إنجاح جميع أبنائها وكثرة الرسوب الذي إذا تراكم أدّى إلى الانقطاع وتفاقم ظاهرته لتبلغ الحصيلة ما يقارب 120 ألفا ويبلغ عدد المنقطعين عن التعليم كل سنة ،حوالي العشر منهم لم يتجاوز مستوى التعليم الابتدائي. وهؤلاء جميعا مهدّدون بالارتداد إلى الأمية خاصّة من يعاني منهم ضعفا في التّعلمات التي تهتمّ بالقرائية ( القراءة والكتابة ) ويؤثّر ذلك في نسبة تحقيق الأهداف الكمية للبرنامج.
خالد الشّابي
- اكتب تعليق
- تعليق