غـراســة الــرمّـان في تـونس: قــطاع رائـد يحــتاج إلى دعم تصدير المنتوج
سُمّي «بفاكهة الجنة»، وأعطى اسمه لمدينة عريقة في إسبانيا وهي غرناطة (Granada)، يعدّ الرمّان من أشهر الفواكه في العالم، حيث يُوجد في مناطق آسيا الوسطى وعلى ضفاف البحر المتوسط وفي الشرق الأدنى والصين والولايات المتحدة الأمريكية وبعض المناطق في أمريكا اللاتينية. وقد شهد إقبالا على غراسته واستهلاكه منذ القدم، نظرا أوّلا، لقابليته للتأقلم مع مناخات عديدة بفضل قدرته على تحمّل الحرارة والبرودة والرطوبة والجفاف ومقاومته للملوحة في التربة والماء، وثانيا لفوائده الجمّة على الجسم.
الرّمان مضادّ للأكسدة ويحتوي على ألياف مفيدة للجهاز الهضمي. كما يساهم في تخفيض نسبة الكوليستــرول في الـــدم ويمنع تصلب الشرايين، ويحتوي على سعرات حرارية قليلة. كما أنّه مفيد جدّا في علاج عديد الأمراض مثل ارتفاع ضغط الدم وهشاشة العظام ومرض الشلل الرعاشي.
للرّمان كذلك مزايا عديدة في الوقاية من السرطان مثل سرطان الثدي والرئة والجلد والبروستات، خاصة عصيره الذّي يقاوم الخلايا السرطانية. له فوائد أيضا في تقوية المناعة بما أنّه غنيّ بفيتامين c، حيث يساعد على مقاومة التهاب المفاصل وأمراض مناعية أخرى.
يساهم استهلاك الرّمان في الحفاظ على بشرة نضرة ولامعة ويؤخّر ظهور التجاعيد وعلامات التقدّم في السنّ. كما تحمي هذه الفاكهة من مرض الزهايمر الذي يتأتى من ارتفاع بروتين «ألاميلويد» في المخّ، حيث يساهم الرمّان في التقليل من وجود هذا البروتين.
أثبتت الدراسات الحديثة أنّ الرّمان يساعد كذلك على مقاومة القلق والتوتّر من خلال التحكّم في معدّل هورمون «الكورتيزول» في الجسم. كما أنّ له مزايا على الصحّة الجنسية، إذ يعتبر محفزا للقدرة والرغبة الجنسية ويزيد من الخصوبة لدى الجنسين، كما يساعد على تخفيف آلام الولادة والحيض عند النساء.
وللرمّان مكونّات عديدة، لكلّ منها فوائده. فالبذور غنية بالزيوت ويمكن استعمالها في المستحضرات التجميلية، والزهور تُستخدم، إذا ما تمّ غليها، في علاج التهابات الفم والحلق. أمّا الثمار فيمكن استهلاكها مباشرة أو إعداد عصير منها غنيّ بالمعادن يساعد في تخفيف الآلام كما أنّه محفّز للشهية. ويُستخدم قشر الرّمان المطحون في مقاومة السمنة والدهون المتراكمة في الجسم، نظرا لاحتوائه على مضادّات للأكسدة، كما أنّه يساهم في مقاومة الالتهابات والتقليل من السكّري.
أصناف مختلفة وانتشار واسع في مختلف مناطق البلاد
تعـــود غراسة الــرمّان في تونس إلى العهد الفينيقي وتنتشر في مناطق عديدة في البلاد منها، ڤابس وتستور وباجة والقيروان ونابل وسوسة. وتكون عادة أشجار الرمّان مختلطة بالأشجار المثمرة الأخرى كالقوارص والزيتون والنخيل. ويتمّ جني الرمّان عادة انطلاقا من منتصف سبتمبر. وهناك العديد من الأصناف مــن الرمّــــان وهي كلّها أصناف محليّة وأشهرها: «الزهري» يوجد تقليديا بالوسط والشمال الشرقي وكذلك بتستور، و«الڤابسي» وهو صنف يتوفّر بكثرة بالجنوب التونسي، و«القلعي» ويوجد خاصّة بمنطقة الساحل، و«الشلفي» وهو صنف متوفّر بالشمال الشرقي وبجهة تستور، و«التونسي» ويوجد خاصّة بجهة تستور والجنوب الغربي، و«الجبالي»، وهو صنف موجود بكثرة في الشمال الشرقي.
وللحصول على إنتاج جيّد من الرّمان، يجب أن يتم ريّه بصفة دورية، من بداية ظهور الأوراق إلى نضج الثمار، أي من بداية شهر مارس إلى شهر أكتوبر، مع تكثيف الريّ في شهر جويلية. ويجب أن يكون ريّ الرّمان بصفة منتظمة لتفادي تشقّق الثمار. وبصفة عامّة، فإنّ حاجيات شجرة الرّمان من الماء تتراوح بين 6000 و8000 م3 في الهكتار.
ورغم قدرة الرّمان على مقاومة جميع العوامل المناخية، فإنّه يواجه خطر بعض الحشرات وأهمّها «دودة الخرّوب» وهي من أشد الآفات نظرا لقدرتها على إتلاف كافة المحصول، حيث تضع هذه الحشرة بيضها داخل الثمرة وتتسبّب في تعفّنها وهناك أيضا «ذبابة الفواكه». ويتمّ التصدّي لهذه الحشرات عبر المبيدات الكيميائية والفطرية.
75 ألف طن من الإنتاج سنويا
تبلغ المساحة الجملية لغراسة الرمّان في تونس 12.600 هكتار، تنتج حوالي 75 الف طن سنويا. وتحتل ڤابس المرتبة الأولى في غراسته من حيث مساحة الأراضي المغروسة، 3000 هكتار، أي تقريبا ربع المساحة الجملية وتنتج 25 الف طن، تليها من حيث المساحة ولاية القيروان بـ 2000 هكتار وتنتج 9.6 ألف طن، ثمّ تأتي ولاية باجة التي وإن كانت زراعة الرّمان فيها تحتل مساحة أقلّ، أي 1500 هكتار، فإن انتاجها أكبر من القيروان، حيث يبلغ 13 ألف طن.
معظم الإنتاج الوطني من الرمّان موجّه أساسا إلى السوق المحلية، حيث تمّ في 2017 تصدير 2670 طنّا فقط، في حين كانت الكميّة الموجهة للتصدير تبلغ 4500 طن في 2015. ويعود هذا الانخفاض إلى تقلّب السوق الليبية التي تستوعب تقريبا 80 % من الصادرات التونسية للرمّان بمعدّل 1940 طنّا في 2017، في حين يذهب الباقي إلى أســـواق البلدان الخليجية، ومنها قطر والسعودية، بمعدّل 430 طنّا والأسواق الأوروبية بمعدّل 300 طن.
وتعدّ تركيا وإسبانيا من أهمّ الدول المنافسة لتونس في الأسواق الخليجية والأوروبية، في حين يبقى تصدير الرّمان التونسي مرتبطا أكثر بالسوق الليبية رغم تقلّباتها، نتيجة الأوضاع الأمنية الصّعبة في هذا البلد.
ضرورة تشجيع التّصدير
سعت وزارة الفلاحة خلال هذه السنوات الأخيرة إلى دعم تصدير الرمّان عبر تشجيع المنتجين والمستثمرين على اكتشاف أسواق جديدة وتسويق مشتقّات الرمّان في الخارج، لأنّ التّصدير لا يشمل سوى الثمرة إلى حدّ الآن. وهناك حاليا مستثمر تونسي يعمل على غراسة الرّمان في ولاية القيروان على مساحة 500 هكتار ليتمّ بعد ذلك تحويله إلى عصير موجّه كليا إلى التصدير.
وتعمل وزارة الفلاحة أيضــا على تثمـــين الرمّان في بعــض الجهـات من خلال إضفاء «التسمية مثبتة الأصـــل» على رمّان ڤابس. وهو إجراء يعطي قيمة مضافة للمنتوج من خلال إبراز خصائصه المميّزة ويساهم في التعريف به محليا ودوليا، كما يعطي دعما كبيرا للموروث الثقافي للجهة. في هذا الإطار، تمّ أيضا بعث مهرجانات للرمان في عديد الجهات، منها مهرجان كتانة للرّمان في ولاية ڤابس ومهرجان تستور للرّمان.
يبقى أنّه لابدّ من مواصلة الجهد لدعم هذا القطاع، خاصّة فيما يخصّ الصناعات التحويلية، لتصنيع مشتقات الرمّان وتسويقها من عصير ومربّى وقشور، وعدم الاقتصار على تصدير الثمار.
حنان الأندلسي
- اكتب تعليق
- تعليق
قرأت المقال الذي كتبته حنان الأندلسي حول الرومان فشكرا لها وشكرا لمجلّة ليدرز العربية التي احتضنته ونشرته ليستفيد القارئ و لا أنسى روعة الصور,