الصحبي الوهايبي: اللّـغة الكمــبـوديّة على الــطّــريقـــة الــسّريــعـة
الحوار كلمة شائعة، سارية، على أيّامنا هذه؛ كأنّها العصا السّحريّة التي تفلق البحرَ، وتشقّ فيه للعابرين سبيلا. المشكلة أنّ المتحاورين لا يتكلّمون نفس اللّغة... امرأة عجوز تجرّ زوجها إلى مَدْرسة اللّغات؛ ومديرة المدرسة تهشّ وتبشّ: «تفضّــلي، سيّدتي؛ أنا في خدمتك»؛ والمرأة التي تعيش سنوات اليأس تقول: «أنا وزوجي نريد أن نتعلّم اللّغة الكمبوديّة، على الطّريقة السّريعة المستعجلة»؛ والمديرة تداري دهشتها: «ولماذا الكمبوديّة؟ هذه لغة تكاد تنقرض؛ لماذا لا تختارين الإنجليزيّة، أو حتّى الصّينيّة؛ ولماذا الدّروس السّريعة؟»؛ والزّوج يهمّ بالكلام، وامرأته تَكِزُه وتقول: «الحقيقة أنّنا تبنّينا صبيّا كمبوديّا، له من العمر سنة واحدة؛ وبعد أشهر قليلة، ربّما في أكتوبر أو نوفمبر 2019، يفكّ الرّبّ عقدة لسانه، ويبدأ الكلام؛ ونريد أن نفهم ما يقول!». ساسة البلد يريدون أن يتعلّموا اللّغة الكمبوديّة!...
عجوزان متقاعدان يجلسان في حديقة عموميّة يدردشان؛ قال الأوّل يشكو حالَه: «يا عمّار؛ حياتي أصبحت جحيما! أعتقد أنّ زوجتي صارت طرشاء؛ وأنا لم أتعوّد التّخاطب بالإشارات»؛ وصاحبه يقول: «معك حقّ؛ هذا أمر مزعج جدّا؛ ولكن، هل أنت متأكّد من ذلك؟»؛ والعــجـــوز يجيـــب: «لا أستطيع أن أجزم، ولكنّها لم تعد تردّ عليّ»؛ وعمّار يضرب أخماسه في أسداسه: «اسمع يا صاحبي؛ عندما تعود إلى البيت هذا المساء، قفْ بعيدا عنها خمسة أمتار، ثمّ كلّمها؛ فإذا لم تجبك، فتقدّم مترا؛ بينكما أربعة، ثمّ ثلاثة، ثمّ متران اثنان، ثمّ متر واحد؛ فإذا لم تجبك، فاعلم أنّ الأمر قد حُسم، ولا عزاء لك!»...وعجّلَ العجوز بالرّجوع إلى بيته باكرا، على غير عادته؛ وامرأته في المطبخ، تدير له ظهرها؛ وهو على الباب، يسأل: «ماذا أعددتِ للعشاء يا عزيزتي؟»؛ والمرأة لا تردّ؛ وخطوةٌ إلى الأمام؛ والرّجل يعيد سؤاله؛ والمرأة لا تردّ؛ وخطوة أخرى إلى الأمام؛ والرّجل يرفع صوته بالسّؤال؛ والمرأة لا تردّ؛ ثمّ دنا، حتّى جانبَها: «يا عزيزتي، ماذا أعددت للعشاء؟»؛ والمرأة تجيب: «للمرّة الرّابعة، أعيد وأكرّر، سَمَكًا وحساء. هل صرتَ أطرش؟»...من الأطرش؟ الشّعب أم الحكومة؟
قال رئيس الحكومة: «أعلنّا الحرب على غلاء المعيشة»؛ ولكنّ الحكومة أخطأت الميدان، فهي تخوض حربها خارج محيط المعركة، بعيدا عن ساحة الوغى...جنديّ لم يدخل معمعةً من قَبْل، ألقت به الظّروف في أتون حرب مستعرة، فاستبدّ به الرّعب، في ليلة ظلماء، لا ينير ظلمتَها إلاّ وميض القذائف، فلمّا هاله الأمر، ألقى سلاحه، وأطلق ساقيه للرّيح؛ فمازال يجري ويجري، وهو بالكاد يرى، حتّى اصطدم بضابط، منتصب، في كبرياء، على ربوة، فرفع يده المرتعشة بالتّحيّة: «عفوا، أيّها الملازم!»، فردّ الضّابط: «لست ملازما»؛ فتلعثم الجنديّ: «عفوا أيّها القبطان!»؛ فزعق الضّابط: «لست قبطانا، أنا جنرال!»؛ فتنفّس الجنديّ الصّعداء: «آه! إذًا أنا بعيد جدّا عن ميدان المعركة!»...أين تقـــف الحكومة؟ أكـــاد لا أراهـــا في أتون المعمعة.
الصحبي الوهايبي
- اكتب تعليق
- تعليق