عبد الحفيظ الهرقام: أيّ خيارات استراتيجية للمسـتـقــبـل؟
أين نحن اليوم في تونس من التنّين الصيني والنمور الآسياوية ومن بلد أفريقي كرواندا بعد أن راهنت بلادنا منذ استقلالها على الاستثمار في رأس المال البشري وعلى مكامن النموّ الممكنة في ظلّ ندرة الموارد الطبيعية؟
لا نملك - للأسف - سوى الإقرار باتّساع الهوّة بيننا وبين هذه البلدان في حين كان الأمل معقودا في يوم من الأيّام على قدرة تونس على أن تكون أحد نمور أفريقيا والعالم العربي. وممّا يعمّق الشعور بخيبة الأمل الوقتُ الثمين الذي أضاعته البلاد، في السنوات الأخيرة، في المهاترات السياسية وإهدار طاقات وموارد ماليّة هامّة كان بالإمكان توظيفها في دفع التنمية وخلق الثروات والنهوض بالتشغيل.
لقد تأخّرت تونس، في غياب المشروع السياسي الطموح والخيارات الاستراتيجية الكبرى، في الاستثمار، بالقدر المطلوب، في اقتصاد المعرفة والذكاء الاصطناعي وفِي القطاعات ذات القيمة المضافة القادرة على استيعاب أعداد وافرة من العاطلين عن العمل من ضمن حاملي الشهادات العليا. كما لم تلق قطاعات واعدة كالطاقات الجديدة والمتجدّدة والاقتصاد الأخضر والاقتصاد الأزرق الاهتمامَ الكافي لتُنْجز مشاريع تحدّ من تبعيّة البلاد في المجال الطاقي وتثمّن موارد البحر والأنشطة المرتبطة به وترتقي بالفلاحة إلى منزلة أفضل، مثلما لم ينل الاستثمار في البحث العلمي ما يستحقّه من بالغ العناية على الرغم من مردوديته الاقتصادية العالية.
ولئن يولي عدد من وحدات البحث في الوزارات ومراكز العصف الفكري ومنظّمات المجتمع المدني قدرا من الاهتمام لهذه القطاعات فإنّ صدى أصـــواتها يضيـــع في غوغاء السياسة وضجيـــج خطبــائها.
ذلك أنّ الطبقة السياسية تبدو اليوم منشغلة بالدرجة الأولى بانتخابات 2019، فتكثّفت في الآونة الأخيرة تحرّكات يوسف الشاهد وتعدّدت قراراته استرضاء للرأي العام - وبعضها لا يخلو من طابع شعبوي- في حين انحصر هاجس خصومه في المطالبة برحيله عن قصر الحكومة.
ولعلّنا لا نجانب الصواب إذا قلنا إنّ البلاد دخلت بصفة مبكّرة الزمن الانتخابي، ومعه أصبح من الصعب جدًّا تخصيص المدّة الفاصلة عن موعدي الانتخابات التشريعية والرئاسية لتنفيذ إصلاحات كانت ضرورية لإخراج البلاد من نفق أزمتها الخانقة ممّا يحدّ من هامش تحرّك الحكومة ويحصر دورها في تصريف الشأن اليومي ومواجهة الطوارئ في غياب رؤية استراتيجية يسندها حزام سياسي قويّ. وبالتالي لن تشهد الأشهر القادمة تنافسا بين برامج مختلفة بل من المرجّح أن تزداد وتيرة التجاذبات السياسية كلما اقترب الموعد الانتخابي.
وفي تقديرنا لا يمكن أن تكون انتخابات 2019 حاملة لتغيير جذري في مستوى المنجَز إذا لم يطرأ تعديل جوهري على القانون الانتخابي على نحو يسمح ببروز أغلبية برلمانية تقوم بتنفيذ البرنامج الذي انتخبت على ضوئه وإلّا ستكون الحكومة التي ستنتصب في مطلع 2020، حكومة محاصصة حزبية لا غير، أطرافها عاجزة عن الاتفاق حول أرضية عمل مشتركة، ممّا يعني احتمال إعادة إنتاج منظومة حكم بيّنت الأيّام عدم صلاحها.
في ظلّ الصراعات السياسوية المحتدمة وهستيربا المعارك الشخصية يغيب سؤال كبير: أيّ خيارات استراتيجية للمستقبل لجعل تونس ديمقراطية ثابتة الأركان وقوّة اقتصادية وتكنولوجية رائدة في منطقتها؟
أليس لنا في الصين وفي بلدان جنوب آسيا خير مثال في بناء القدرات وتثمين الموارد؟
عبد الحفيظ الهرقام
- اكتب تعليق
- تعليق