عادل الأحمر: غـدوة نــحــزق السـنــتـورة ...
منذ أن عرفت العيّاش من قريب، وأصبح عن ناظري لا يغيب، تعودت منه على كلمة مأثورة: «هاني من توه باش نحزق السنتورة»، وقد يعوّضها أحيانا بعبارة أقلّ رمزية: «هاني باش نلم على روحي شوية». لكن منذ ذلك الحين، وعلى مرّ الشهور والسنــين، لا شفـــت العياش حزق ولا لم، بل عدّى حياتو من هم لهم، لي يصورو في النهار ياكلو في الليل، أما الادخار فكان محكوما عليه دوما بالتأجيل.
عندما قبض العياش أوّل شهرية، وكان ذلك زمن العزوبية، قال في نفسه: «توّه موش وقت لمّان، الساعة واحد يعيش في الدنيا قبل فوات الأوان، واليوم خمر، وغدا أمر، وربّي غدوة يعمل دليل، وماثمّاش حاجة اسمها مستحيل».
وفي انتظار غد مشرق قريب أو بعيد، ومستقبل باسم سعيد، انطلق العياش يصرف على لباسه والقعدات، وعلى الخرجة مع البنيّات، غير عابئ بكلام والده: «حل حساب في الكنال»(1)، وبنصائح الوالدة: «يعيّش ولدي خمّم من توّه في بنت الحلال». وكان اقتناعه أنّ الادّخار السكني حبالو طويلة، أمّا بنت الحلال فقصّة من قصص ألف ليلة وليلة.
ووقتلّي كتب المكتوب وجات العروسة، أحسّ العياش- كما قال لي حينذاك - أنّ الوقت حان لاتّخاذ قرارات مدروسة: إذا حط شهريتو على شهرية المادام، فإنّ الأمور ستسير على أحسن ما يرام. ومع شوية حزقان للسنتورة، تولّي الأمور مستورة، وتبقى مرشانة للادّخار، تسبيقة لشريان دار... لكن لي يحسب وحدو يفضلّو، والزّوز شهاري طلعوا لا يعِلّوا لا يبِلّو، بل أنّ حزقان السنتورة لم يفد حتّى في اجتناب الدخول في الرّوج، فما بالك بتوفير الدّفعة الأولى لشقّة في المحمدية أو في المروج؟
وكيف للعياش أن يحزق السنتورة أكثر ممّا حزق، سيّما وأنّه في الأثناء بولَدين وبنت رزق. وبين حليب وكوش، غرق صاحبنا للعنكوش؟
ثمّ جاء وقت القراية والدروس الخصوصية، وتراكمت عليه طلبات الولدين والبنية، فإذا بالسنتورة لفرط ما حزقت تتقطّع، وهو بلا حول ولا قوّة أمام أسعار تبرطع، بينما المرتّبات مثل السلحفاة، تتقدّم ببـطء، وأناة. وقِد ما لم العياش روحــو ما لقي فيها ما يتلم، وما شاف كان الهم وراء الهم.
وبمرور الزمن، وتعاقب المحن، تعقّد العياش من حاجة اسمها سنتورة، وأصبح لا يستعمل هذه الكلمة إلا للضّرورة. وكان يتضايق كلّما ركب طيارة، أو امتطى سيارة، فوجد مضيّفة تذكّره، او سائقا يأمره، بأن اربط حزام الأمــان، فذلك يحيلـه إلى عجـــزه عــن الادّخار واللمان.
وعند ما سمع العياش ذات يوم سياسيا من بلاده المعمورة، يطلب من المواطنين حزق السنتورة، وكنت معه يومها في بيته، ضحك حتّى استلقى على ظهره. ولمّا سألته عن سبب هذه الضحكة غير العادية، أجابني بكلّ أريحية: «الحمدولّة يا ربّي، خوك لا عندو سبتة ب<اش يحزق ولا عندو ما يخبّي!».
عادل الأحمر
- اكتب تعليق
- تعليق