خــــــاصّ: خـفايــا الثّـورة الـعلـمـيّــة في مخابر الشّرطة الفنيّة التونسيّة
ظهرت الشرطة الفنية والعلمية في العالم في أواخر القرن التاسع عشر وكان أوّل من بعث مختبرا للشرطة العلمية في العالم هو الأستاذ في الطبّ الشرعي الفرنسي إيدمون لوكار (1877 – 1966) وذلك سنة 1910 بمدينة ليون الفرنسية. وأُحدث أوّل مختبر في أمريكا الشمالية بكندا سنة 1914 من طرف ويلفراد ديروم وهو كندي مختصّ في الإجرام .ولتونس أيضا شرطتها الفنية والعلمية التي كانت تشتغل منذ عهد الاستعمار في اواخر القرن التاسع عشر وكانت تسمّى بمصلحة التعريف العدلي وتطوّرت بعد الاستقلال لتصبح قاطرة هذا الاختصاص في إفريقيا والعالم العربي. وبمواكبتها للتطور التكنولوجي في الميدان لا تزال تحتلّ اليوم مكانة مرموقة في العالم بفضل خبرة إطارتها. وقد التقت ليدرز العربية بالسيدين جمال بن سلامة مدير الشرطة الفنية والعلمية بوزارة الداخلية وشهير قديَم رئيس الإدارة الفرعية للمخابر الجنائية والعلمية ضمنها ليتحدّثا عن هذا الهيكل الأمني الهام وإنجازاته.
الشرطة الفنيـة والعلمــيـة هــي هيكل أمني هـامّ وحـــسّاس يعتبره المختصّــون ذاكرة كلّ أجهزة الأمــن الوطني وكـلّ أجهزة الدولة الرسمية تقريبا، ويقول مديرها إنّها إدارة تساوي لديها جميع شرائح المجتمع مهما كانت منزلتها وتعمل في مجالات عدّة منها السوابق العدلية والاسترشاد والأبحاث الإدارية وهي الجهة الرسمية في الدولة التي تعنى بتحقيق العدالة الجنائية من خــلال البحث عن الأدلّة الجنائية وإجراء التحاليل والاختبارات الفنية التي تعهد إليها من طرف مختلف المحاكم والسلط الأمنية، وهي المرجعية في إسناد جوازات السفر، وإنجاز بطاقات التعريف الوطنية حيث قامت الإدارة الفرعية للتعريــف الوطني بـداية من سنة 1993 الى اليوم بانجاز حوالي 10 ملايين بطاقة تعريف وطنية، كما تقوم بتنظيم التّربصات في اختصاصات الشرطة الفنية والعلمية وتقديم الإرشادات الفنية. ومن أهم إنجازاتها الأخيرة إصدار البطاقة عدد 3 عن بعد وذلك منذ سنة 2016 وهي من مشمولات الإدارة الفرعية للتعريف العدلي. وأصبحت هذه الخدمة متوفّرة للتونسيين المقيمين في تونس وفي الخارج بحيث يحصل المواطن على البطاقة عن طريق البريد في حدود 5 أيام دون الحاجة إلى التنقل إلى مركز الشرطة وطلبها بالطريقة العادية التي تتطلّب منه الانتظار أسبوعا على الأقل ويتحمّل الــمــواطن مبلغا إضافيا ليغطي خدمات البريد المقدّرة بـ 6 د و700 ملم في تونس وبـ 42 للخارج.
وتضمّ الإدارة ثلة من الإطارات الذين يتمتّعون بالخبرة اللازمة في عملهم لأنّ هدف هذه الإدارة، حسب مديرها، هو إيجاد الحلول المطلوبة منها بفضل خبرة أبنائها المعروفة عالميا والتي اكتسبوها بتفتّحهم على كلّ التّجارب العالمية المتطوّرة في أمريكا أو فرنسا أو ألمانيا أو اليابان أو الجزائر... ويذكر مدير الإدارة أنّ الإسبان التجأوا إلى هذه الخبرة في العملية الإرهابية بمدريد سنة 2004 وكانت مشاركة الخبراء التونسيين في التحقيقات ناجحة وناجعة وساعدت في اكتشاف الرّأس المدبّر للعملية. وفي نوفمبر سنة 2016 تكوَّن في تونس في مجال اختبار الوثائق فريق من خبراء إسبان في التّدليس وحصلوا على خبرة في مجال الخطّ العربي واختاروا تونس لكفاءة خبرائها في المجال وهذا اعتراف أوروبّي بالمستوى المرموق للمخابر الجنائية التونسية. وفي نفس الإطار أكّد مدير الإدارة أنّ الخبراء التونسيين هم الذين حقّقوا في العمليتين الإرهابيتين بباردو وسوسة وتعرفوا على هوية الضحايا الأجانب الذين قتلوا في العمليتين رغم أنّ فرقا من الشرطة الفنية الفرنسية والبريطانية والألمانية قدمت إلى تونس على أساس مساعدة الأجهزة التونسية التي كانوا يعتقدون أنّها غير قادرة على القيام بمهامها على الشكل الأمثل لكنهم عندما اكتشفوا كفاءة الخبراء التونسيين والوسائل العلمية والتكنولوجية التي يستعملونها انسحبوا جميعا وبلّغوا الإدارة شكرهم واعترافهم بالمستوى العالمي للعمل خاصّة وقد تمّ مدّهم بنتائج التّحقيق في التعرّف على الضحايا في وقت قياسي.
وبحثا عن مزيد تطوير عمل هذه الإدارة أفاد مديرها أنّ هناك مشروعا في طور الدرس يتعلق بإحداث معهد وطني للأدلّة الجنائية يكوّن الإطارات التي تعمل في الشرطة الفنية ويجري البحوث والاستشارات في المجال ويطور التكوين ويكون مستقلا ماليا وله موارده الذاتية من خلال استخلاص تكاليف الاختبارات التي يقوم بها للقطاع الخاصّ ويصبح منصّة تكوين في تونس وإفريقيا.
المخابر الجنائية والعلمية
تضمّ الإدارة في هيكلتها الإدارة الفرعيــة للمخابــر الجنائيــة والعلميــة التي أحدثت سنة 1997 وهي كما يعرّفها رئيسها سليلة مصلحة المخابر المحدثة منذ 1974، وتعنى بالبحث عن الدليل المادي للجريمة وتقديمه للعدالة،حيث تتولـّى معاينـة مختلـف مسارح الجرائـم، ورفـع الآثار المادية وإخضاعها إلى مختلف الاختبارات كاختبار البصمات واختبار الوثائق واختبار الأسلحة والاختبارات الرقمية ومختلــف التحـــاليل كالتحــاليل البيولوجية والتحاليـــل الكيميـــائية وتحـــاليل الحرائق والمتفجّرات وذلك للوصول بالآثار المرفوعة من مسرح الجريمة إلى مرتبة الدليل المادي، وقد تمّ تعزيزها بالموارد البشرية والمادية بقصد تطوير مختلف الاختصاصات في مجال العلوم الجنائية حيث اعتمدت التحاليل الجينية منذ سنة 1998 من خلال التعاون مع مخبر التحاليل البيولوجية بمستشفى الحبيب ثامر تحت إشراف الأستاذة راضية القسطلّي وذلك إلى حدود سنة 2009 تاريخ تركيز مخبر متطوّر جدّا للتحاليل الجينية بمقرها. كما تمّ إحداث منظومة الاستغلال الآلي للبصمات AFIS أواخر سنة 2003 تعنى باختبار مختلف البصمات والتي تمّ تحديثها بالكامل (تجديد البرمجيات والتجهيزات) بتركيز منظومة Morpho bis سنة 2016 بتكلفة 2.5 مليون أورو، وهي منظومة متكاملة ومتطوّرة وناجعة مكّنت الإدارة من إنجاح العديد من القضايا بمختلف أنواعها (سرقات، قتل، تعريف بجثث مجهولة، إرهاب...) والتصدّي للجريمة ومنذ تركيزها تطوّرت نسبة التعرّف على مرتكبي السرقات.
ويشير المسؤول عن المخابر الجنائية والعلمية إلى أنّ المخابر التونسية متطوّرة جدّا وهي قابلة لمزيد التطوير وهي قادرة على إجراء مختلف الاختبارات والتحاليل وفق المعايير الدولية ولديها مواكبة لكل ما هو جديد في العالم من تقنيات وتجهيزات، إضافة إلى مشاركة خبرائها في الملتقيات الدولية المتخصّصة للاطلاع على كلّ جديد. ومن الاختصاصات الحديثة في المخابر نذكر الجرائم المعلوماتية ولدى الإدارة الخبراء القادرون على اختبار الأجهزة الرقمية كالهواتف والحواسيب وبطاقات الذّاكرة والأقراص الصلبة والفلاش ووسائل التواصل الاجتماعي. ويتمّ اختبارها في قضايا كالتحيل أو التهديد أو الابتزاز أو الإرهاب.. فعلى سبيل المثال أجرى الخبراء عدّة اختبارات على هواتف جوالة لأطفال انتحروا وتأكدوا أنّ السّبب هو التأثّر بلعبة الحوت الأزرق.
ويتميّز الخبراء العاملون في المخابر في تونس، حسب رئيس الإدارة الفرعية، بقدرتهم على العمل ميدانيا في مسرح الجريمة وداخل المخبر وقد تمّ تكوينهم لهاتين المهمّتين نساء ورجالا ، علما وأنّ 40 بالمئة من هؤلاء الخبراء والمسؤولين هم من الإناث. ويعمل الجميع وفق «بروتوكولات» معيّنة خاصّة بكلّ مهمّة وحسب المعايير الدولية. فهناك مثــلا بروتوكول خاصّ بمعاينة مسرح الجريمة وبروتوكول خاصّ بتخزين العينات (لدى الإدارة منذ 2009 حوالي 20 ألف سمات جينية مخزّنة) وبروتوكول لاستقبال المحجوز وبروتوكول لنظام الترقيم ..الخ. وتتعهّد هذه المخابر سنويا بحوالي 12 الف قضيّة من كامل الجمهورية في مختلف الاختصاصات كالبصمات والحمض النووي والوثائق والمعاينات... وككلّ مهنة فإنّ مهن المخابر الجنائية لها مخاطرها أيضا والتي يمكن أن يكون مصدرها العيّنات التي تؤخذ من الجثث إذا كانت مصابة بمرض معدٍ أو عند التعرض للأشعة ما فوق البنفسجية المستعملة كثيرا في المخابر رغم وجود وسائل الوقاية وهو ما قد يسبّب الإصابة بمرض السرطان ويمكن أن يأتي الخطر أيضا من مسرح الجريمة خاصّة بالنسبة إلى الحرائق والمتفجرات.
ولمزيد إضفاء المصداقية وإشعاع المخبر في الخارج يسعى المسؤولون عنه إلى الحصول على معيار الجودة إيزو 17025 في الفترة القادمة.
خـالد الشّابي
قراءة المزيد:
قضايا مثيرة باشرتها الشرطة الفنية والعلمية في تونس
خــــــاصّ: خـفايــا الثّـورة الـعلـمـيّــة في مخابر الشّرطة الفنيّة التونسيّة
الأستاذة راضية القسطلّي: رائدة تحــليـــل البصمــة الـوراثــيــة بـواسطة الحمـض النـووي في تــونس
- اكتب تعليق
- تعليق