فاجعة غرق مركب بسواحل قرقنة : القصور الاستخباراتي
في استمرار فواجع غرق مراكب للهجرة غير الشرعية في المياه الإقليمية التونسية لغز محيّر : كيف تحقّق قوات الأمن التونسي نجاحات باهرة في مقاومة الإرهاب ولا تظهر نفس النجاعة في التصدّي للهجرة السريّة ؟
إزاء جريمة منظّمة ممتدّة الأطراف، تدرّ على شبكاتها أمولا طائلة، وتهدِّد حياة آلاف الناس، علاوة على كونها توثّر سلبا في علاقات تونس بأوروبا، ينبغي أن يكون الردّ على تفاقم هذه الظاهرة في حجم الأخطار التي تشكّلها.
لم تسمح مراقبة السواحل المشدَّدة ولا المراقبة اليقظة التي تخضع لها "العبّارة" الرابطة بين صفاقس وقرقنة من وضع حدّ للفواجع المتتالية الناجمة عن غرق مهاجرين غير شرعيين في طريقهم إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية.
فقد تجدّدت فاجعة يوم 8 أكتوبر 2017 التي أسفرت عن هلاك قرابة الخمسين شخصا ليلة السبت الماضي، تقريبا في نفس المكان، مخلّفة حصيلة ثقيلة. وحسب وزارة الداخلية تكشف آخر حصيلة عن إنقاذ 68 شخصا وانتشال 48 جثّة، من بين الركّاب البالغ عددهم 180 راكبا. وهذه الحصيلة مرشّحة ، للأسف، للارتفاع، حسب العميد محمد صالح سقامة المكلّف بتنسيق عمليات الإغاثة.
وتطرح عودة الهجرة السرية نحو جنوب أوروبا ولا سيّما نحو صقليّة ، انطلاقا من السواحل التونسية ، وبالأخصّ من سواحل قرقنة سؤالين على الأقلّ :
1- هل دبّ شيء من التراخي إلى نظام مراقبة السواحل في الفترة الأخيرة، جراء نقص في المعدّات والوسائل؟
2- هل اعترى قصور جهاز الاستخبارات الذي يسمح بجمع المعلومات في مختلف مستويات السلسة ، انطلاقا من الراغب في الهجرة، إلى الوسطاء ثمّ مسخّري قوارب الموت ؟
والردّ على هذين السؤالين يكمن في ما أعلنته وزارتا الدفاع الوطني ووزارة الداخلية، كلّ من جانبه فيما يتعلّق بجهودهما في هذا الشأن:
1- ما فتئت وسائل مراقبة السواحل تتعزّز لمكافحة الإرهاب والتهريب أو للتصدّي للهجرة السريّة. ومكّنت التجهيزات المقتناة عن طريق ميزانية الدولة أو عن طريق مساعدات (إيطاليا، الولايات المتحدة...) جيش البحر وحرس السواحل، والديوانة من قوارب مجهّزة وأكبر سرعة. ويدعم نظام الرادار والمراقبة الجويّة عمليات
الرصد بانتظام. ولئن تسمح المنظومة الحالية بالقيام باللازم فإنّ مجهودا إضافيا يبدو ضروريا نظرا إلى حجم العمل المطلوب .
2- بدأ جهاز الاستخبارات الأمني يستعيد نجاعته، كما يدلّ على ذلك نجاح الحرس الوطني في المدّة الأخيرة في إلقاء القبض على إرهابيين قياديين من تنظيم "أنصار الشريعة"، ومن بينهم إبراهيم الرياحي الذي فرًّ منذ 2013 بعد أن شارك في عدد من العمليات الإرهابيّة والذي صدر بشأنه 10 إعلانات تفتيش. وقد ألقي القبض على هذا الإرهابي الخطر المحكوم عليه بخمسين عاما سجنا مع أربعة من عناصر التنظيم يوم 3 جوان بقبلاط بعد مطاردة طويلة. ويعود النجاح الباهر في هذه العملية وفِي عمليات آخرى مماثلة إلى نجاعة العمل الاستخباراتي والاستراتيجية التي تمّ وضعها في هذا المجال.
والسؤال المحيّر الذي ينبغي طرحه هو : لماذا تنجح نفس هذه القوات الأمنية في مكافحة الإرهاب ولا تكلّل جهودها بنفس النجاح في التصدّي للهجرة السرية ؟
وتثير الفاجعة الأخيرة العديد من التساؤلات : استعد قرابة 180 شخصا للهجرة السرية دون أن يتسرّب شيء عن تحرّكاتهم . هل لتجّار الموت من القوّة والدهاء ما يجعلهم بمنأى عن اكتشاف أمرهم من قبل السلطات الأمنية؟
يصعب في الحقيقة تصديق ذلك.
لا شكّ أنّ وزارة الداخلية ستبادر بفتح تحقيق داخلي للكشف عن مواطن التقصير وتحديد المسؤوليات.
كما أضحى من الضروري الإسراع بوضع وتنفيذ استراتيجية جديدة لمقاومة ظاهرة الهجرة السريّة بأكبر قدر من النجاعة والفعالية.
- اكتب تعليق
- تعليق