مســارات الأزمة في ليبـيا بين الاستحقـاقـات الانتخـابـيـة وإعادة الإعمار أو الانفراج الأمني
في الوقت الذي كانت فيه دبّابات الجيش العربي الليبي ومدافعه تدكّ مواقع المجموعات الإرهابيّة القادمة من التشاد والسودان في عاصمة الجنوب سبها وتعلن بذلك انقلاب الصورة الجيوستراتيجية في البلاد والتحاق إقليم فزّان بمناطق نفوذ المشير خليفة حفتر، كان المبعوث الأممي السيد غسّان سلامة يسرد على مسامع ممثّلي الدول داخل مجلس الأمن مأزق الاتّفاق السياسي وانسداد أفق التوافق بين الفرقاء. لهذا التزامن رمزية مهمّة في ليبيا لأنّه يُؤشّر لمدى انفصام المسارات السياسية والميدانية.
الدوائر الدولية وبعض الدول الإقليمية تراهن على استكمال الاتّفاق السياسي المتعثّر بالاعتماد على شرعية سطحية وأجسام مؤسّساتية منقسمة ومهترئة، في حين يعمل الجيش وحلفاؤه على إعادة صياغة الجغرافيا العسكرية ورسم ملامح الواقع الميداني على امتداد البلاد.
في الإحاطة التي قدّمها لأعضاء مجلس الأمــن في 21 مــــارس 2018، أشـــار السيــــد غسّان سلامة إلى أسباب تعثّر الاتّفاق السيـــاسي الــــذي أنــجــزه الفرقاء الليبيون في 17 ديسمبر 2015 بمنتجع الصخــيرات المغربي وعـــدّد أهمّها، مؤكّدا استحالة التقدّم على مسار المصالحة وتوحيد المؤسّسات وبناء شرعية جديدة في ظلّ تدفّق السلاح على البلاد برغم الحظر الأممي وتفاقم الأزمة الاقتصادية والماليّة وتواصل التصعيد الميليشيي في المنــاطق المحاذية للعاصمة طرابلس حيث تعمل بعض المجاميع القريبة من المفتي المعزول الشيخ الصادق الغرياني وحلفائه من الطيف الإسلامي، بما في ذلك المجموعات الإرهابيّة من أنــصار الشريعة ومجالس شورى المجاهدين وسرايا الدفاع وفلول داعش، على إعادة حشد قواتها في انتظار الهجوم على الوحدات التي أعلنت ولاءها للحكومة المدعومة دوليّا برئاسة السيد فائز السرّاج. إنّ التقييم الذي قدّمه المبعوث الأممي يتّفق في أهمّ نقاطه مع التخوّفات التي يعبّر عنها أوسع الطيف السياسي والمجتمع في ليبيا اليوم، خصوصا في ما يتعلّق بالصعوبات التي برزت أخيرا في مسار إنجاز الانتخابات العامّة والتي يرجو الجميع أن تسهم في حلّ معضلة الشرعية وتركيز حكم يتمتّع بأعرض تمثيلية لليبيين الذين عانوا من انقسام الأجسام التشريعية وتدخّل القوى الخارجية، ومن ضمنها الأمم المتّحدة، في فرض الحكومات دون الرجوع إلى الصندوق وتحكّم أمراء الحرب في مصائر الناس، لاسيّما في المنطقة الغربية، لغياب المؤسّسات الأمنية والجـيش. ولكنّ الاختراق الأهــمّ في حديـث السيد غسّان سلامة أمام مجلس الأمن كان اعترافه بالنقائص الهيكلية في وثيقة اتّفاق الصخيرات التي فتحت صياغتها المفتقدة للدقّة وتركها للقضايا الخلافية دون تحديد للمخارج، الأبواب أمام الصراعات حول الأدوار المنوطة بعهدة الأجسام التشريعية المنتهية العهدة والتّداخل العميق بين المبادرات والمسارات التوفيقية، إضافة إلى عجز الفرقاء عن توسيع الاتّفاق ليشمل كلّ الأطراف على الميدان، وهذا الإخفاق، حسب المبعوث الأممي هو الأهمّ لأنّه أهمل مفتاحا رئيسيا لتجاوز الانقسام ألا وهو إشراك أنصار الجماهيرية في الحلّ.
أنصار النظام الجماهيري، أدوارهم وأوزانهم
لقد صـــاحب منطـــق الاستفــراد بالحكم واستبعاد الخصوم بدعاوى الشرعية الثورية والإقصاء السياسي من المشهد مجمل المسار المؤسّساتي في ليبيا منذ 2011. وقد عمل كلٰ المبعوثين الأمميين تباعا على إرجاع الفرقاء كلّما سمحت الأوضاع وتوفّرت الإرادات وفرضتها وقائع الميدان، إذ نجح المبعوث الألماني مارتن كوبلر في إشراك المشير خليفة حفتر بعد أن لاحت بوادر انتصاره على المجاميع الإرهابيّة في بنغازي. أمّا اليوم فإنّ أنصار الجماهيرية بقبائلهم القوية ووحدات الجيش التي آعادوا بناءها وكاريزما زعيمهم «المغيّب» عن الأنظار المهندس سيف الإسلام القذّافي وانقلاب المزاج الشعبي الذي يغذّي غضبه المتصــاعــد تفاقم الأزمة المعيشية في بلد كان يعيش الوفرة قبل سنة 2011، أصبحوا يؤسّسون لمشهد شعبــي جــديد لا يمكن إنكاره أو القفز عليه. هذا المشهد رصده المبعوث الأممي وبنى عليه قناعته بضرورة إشراك أنصار الجماهيرية الذين استبعدوا قسرا في كلّ المحطّات السياسية الفارطة. وممّا يؤكّد الدور الرئيسي المرتقب لأنصار الجماهيرية تفاعلهم الشعبي الواسع مع دعوة سيف الإسلام القذافي إلى الترسيم في القوائم الانتخابية، حيث سجّلت الهيئات المحلية ما يقارب المليون ونصف ناخب جديد في غضون أسابيع، أي بزيادة تقارب نصف مليون مدعوّين إلى الإدلاء بأصواتهم. هذا الزّخم يُؤشّر لاستعداد الجمهور الواسع الذي استُبعـــد مــن الانتخـابات في 2012 و2014 ومن رسم سياسات بلده منذ انهيار الدولة في أعقاب التّدخل الأطلسي في 2011 للمشاركة والانتصار في الانتخابات التي وعد بها المبعوث الأممي. لقد مثّل مشهد الصفوف الطويلة أمام هيئات الانتخابات أيّام التسجيل، في مدن كانت تعتبر معـــاقل للثورة وخصوصا في المنطقة الغربية وطرابلس العـاصمة صدمة للمراهنين على أفول نجـــم الجمـــاهيرية وهزيمتها النهائية بعد إسقاط الدولة وأملا لكلّ الداعين إلى رجــوع السلطة القوية والراعية بعد استفحال الفوضى الميليشياوية وتجارة المخــــدّرات والخـطف على الهوية والاختفاء القسري وفقدان السيولة وانهيار العملة وحريّة المضاربة، علاوة على تفشّي الجريمة الأخلاقية في مجتمع عرف بنواميسه المحافظة.
على وقع اقتراب الحلّ طبول الحرب تقرع من جديد
ولكنّ الطريق نحو إنجاز الاستحقاق الانتخابي وعلى الرغم من الإعلان عنه من طرف الأمم المتّحدة كأهمّ محطّة للتوافق الوطني وإنهاء حالة الانقسام المؤسّساتي تبقى محفوفة بأخطار عدّة أهمّها محاولة قلب الطاولة من طرف المجاميع الإرهابيّة وأذرعها السياسية التي تخشى تهميشها نهائيا عقب التصريح بنتائج الصندوق.
وقد يأتي ردّ فعــل هذا الطرف السياسي والميليشياوي في شكل عملية عسكـــرية تستهـــدف الخـــاصرة الـــرخوة والفصيل الأضعف على الأرض، أي المجلس الحاكم في طرابلس برئاسة السيد فائز السرّاج. وفِي هذا الإطار تتنزّل دعوة المفتي المعزول الصادق الغرياني إلى الزحف على العاصمة بذريعة تحرير «المجاهدين» الذين أسّرتهم الوحدات الأمنية التابعة للمجلس الرئاسي وبالأخصّ «فرع الردع» بقيـــادة الشيـــخ السلفي عبــد الـــرؤوف كـــارة والقــائد الميداني السيد هيثم التاجوري. هذا النداء الحربي الموجّه إلى الفصائل القريبة من الإسلام السياسي تتنزّل في إطار قراءة تقييمية لموازين القوى على الأرض ترجّح كفّة المسلّحين الإسلاميين في مواجهة التشكيلات الموالية للحكومة المدعومة دوليّا. كما تستند دعوات الهجوم على مراكز السيادة إلى استحالة إلحاق الهزيمة بالجيش العربي الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر أو استرجاع المواقع التي فقدها الإسلاميون في الجنوب حيث استعادت وحدات الجيش السابق السيطرة على أهمّ المدن والبلدات. ولكن، خلافا لبقية التحرّكات على الأرض الليبية والتي لا تتجاوز آفاقها الجغرافيا المحلية، فإنّ دعوات الحرب في طرابلس والتحريض على مهاجمة العاصمة من طرف المفتي المعزول تكتسي أبعادا إقليمية وتعيد ترتيب أولويات الملفّات حسب جدولة تخترق حدود البلاد.فالأسرى من «المحاهدين» الذي يدعو إلى تحريرهم الشيخ الصادق الغرياني هم بالأساس عناصر إرهابية من تنظيمي القاعدة وداعش تتوزّع جنسياتهم على عديد بلدان الجوار ومن ضمنها تونس. كمــا أنّ هذه الدعوة لا تخلو من محاولة استفزاز الجيش والقيادة في مصر والدّفع بها للتورّط في الداخــل الليبي عبر المطالبة بفتح الزنزانات أمام قتلة المواطنين المصريين في مدينة سرت والمتورّطين في عملية الفرافرة في الصحراء الحدودية بين البلدين.
ويوجّه الشيــخ الصــادق الغــرياني بدعوته هذه أيضا رسائل عديدة إلى القوى الإقليمية الأخرى وأساسا إيطاليا التي بدأت منذ مدّة في تحالفاتها الميدانية وسرّعت الخطى في النأي بنفسها عن أصدقاء الأمس، وعلى رأسهم الإسلاميون، منذ الانتخابات الأخيرة والتي أنتجت أكثرية برلمانية من الرافضين للسياســات «البرغمــاتية» في ليـــبيا والتي ترجمت لسنوات عدّة في التسليم للمجاميع القريبة من الإسلام السياسي وتجنّب الصدام مع الشبكات الإرهابيّة وأمراء التهريب في المناطق التي تعدّ فيها إيطاليا مصالح طاقية أو أمنية.
الدول الإقيليمية ومصالحها في ليبيا : تقاطعات وتناقضات
ولأنّ الملفّ الليبي لا يمكن مقاربته كمسألة محلية بل كعقدة لتقاطع المصالح الإقليمية والنفطية والغازية، فلا مناص من رصد الاستراتيجيات المتّبعة لأهمّ الفاعلين على الساحة المحلية. إيطاليا بمصالحها الضخمة وشبكة علاقاتها في ليبيا تمثّل قاطرة للتحرّك صوب تركيز سلطة في غرب البلاد تمكّنها من حماية منشآتها النفطية برّا وبحرا كما تكون قادرة على تجفيف منابع الهجرة السرية، انطلاقا من الموانئ المنتشرة على امتداد ساحل الجفارة من مدينة الخمس شرقا إلى مدينة بوكماش شرقا. وتعتمد إيطاليا في مقاربتها هذه على الحضور المتزايد لقوات الأفريكوم الأمريكية وتصاعد دورها في مناطق الجنوب، إضافة إلى حرص واشنطن على عدم إعادة بناء داعش لقواعد في الصحراء بعد دحر مقاتليها في معقلهم في مدينة سرت عقب عملية البنيان المرصوص. أمّا فرنسا فأهمّ أهدافها ، إلى جانب الحفاظ على مصالحها الطاقية في الهلال النفطي ونفوذها التقليدي في إقليم فزّان المحاذي للساحل والصحراء ومناطق تأثيرها الموروث من الحقبة الاستعمارية، يكمن في المساهمة المكثّفة في إعادة الإعمار. وبناء على هذا الانتظار، تسعى فرنسا جاهدة إلى توسيع جبهة حلفائها، وإن أدّى ذلك إلى فتح قنوات الحوار مع القبائل والمجموعات التي استهدفتها الحملة الأطلسية سنة 2011 والتي كانت باريس رأس حربتها. وقد ساهمت الزيارات المتعدّدة للسفيرة الجديدة الدكتورة بريجيت كورمي في إذابة الجليد مع غرماء الأمس والانفتاح على شخصيات مؤثّرة محليّا كانت تعتبر فرنسا سببا رئيسيا في انهيار الدولة.ولكن خلافا للإيطاليين الذين يركّزون على غرب البلاد وانتهاج سياسة ذات إطار محلّي بحت، اعتمدت فرنسا على الخطوات الرمزية والعملياتية المباشرة. فقد كــــان لتصريحات الرئيس مانويل ماكرون المنتقدة للتدخّل الفرنسي في 2011 والملاحقات القانونية للرئيس السابق نيكولا ساركوزي في تهم وقضايا رشاوى مصدرها ليبيا، إضافة إلى الانخراط المباشر لفرق القوات الخاصّة في إسناد الجيش العربي الليبي إبّان عمليّات تحرير مدينتي بنغازي وأجدابيا الوقع الإيجابي في تبدلّ المزاج الشعبي عامّة وداخل الأوساط الموالية للجماهيرية خصوصا. أمّا الصديق التاريخي للنظام الجماهيري وحليفه لعدّة سنـــوات، الاتّحـــاد الــروسي، فقد اختار منــذ نهـــاية 2014 الاصطفاف وراء الجيش العربي الليبي واستقبل قائده على ظهر حــاملة الطائـــرات «الأدميرال كوزنتسوف» في عرض بحر بنغازي بوصفه أهمّ شخصية في البلاد. وتتوافق المصالح الفرنسية والروسية في ليبيا على اعتبار أنّ القوّتين تتطلّعان إلى ما بعد الحرب الأهليّة والبدء في إعادة الإعمار، لما يتضمّن ذلك من انطلاق عملية تسليح الجيش ونقل الخبرات العسكرية، إضافة إلى إشراك المؤسّسات النفطية والغازية العملاقة في استغـــلال الحقلين الرئيسيين اللذين كانـــا من حصّة موسكو منذ سنة 2010 والموجودين في عرض بحر مدينتي سرت ومصراتة.
دول الجوار ومعضلة النّخب الليبية
حـــاولت دول الجـــوار السعـــي إلى إطفاء الحريق الليبي وتمكين الفرقاء من الجلوس إلى مائدة الحوار والتوافق ودرء خطر التفتّت والفوضى وقدّمت العديد من المبادرات لحلّ الأزمة ولكن الوقائع الميدانية كانت تقوم حائلا دون بناء شراكة وتواصل بين الأطياف السياسية اللّيبية ونخــب دول الطوق. قد يعود هذا الانقطاع إلى العزلة الطويلة التي عرفها الفاعلون السياسيون في ليبيا في ظل النظام الجماهيري ولصعوبة تفكيك العقل المحلّي لارتباطه بمنظومات قبلية لا ترتقي إلى فقه الدولة وضوابطها. ولكن يمكن التأكيد في هذا الإطار على حقيقة انخراط العديد من النخـــب الليبية التي تتــصــدّر المشهد الحالي في مشاريع إقليمية وشبكات علاقات مصلحيّة تجعلها تنأى بنفسها عن العمل المشترك مع السياسة في تونس والجزائر وبدرجة أقلّ في مصر. لذلك وتحسّبا لكل السيناريوهات وجب التنبّه إلى ضرورة التفاعل مع ديناميكيات التشكّل المتواصل للنخب السياسية الليبية والعــمل على التواصل مع الجيل الجديد الذي ارتقى إلى مراتب متقدّمة من الفعل والتّأثير المحلّي ولم يندرج في منظومات الفســـاد وتنفيذ الإملاءات الخارجية.
نحو مقاربة تونسية للملفّ الليبي مستقبلا: سياق إعادة الأعمال ودرء الخطر الإرهابي
إنّ الوضع في ليبيا وبالرّغم من الاجماع الدولي والإقليمي على ضــرورة إنجـــــاز الاستحقاق الانتخابي كخطوة رئيسية للخروج من مأزق تأكل الشرعية وبناء مؤسّسات ممثّلة يبقى مفتوحا أمام احتمالات عدّة أخطرها الانفجار الأمني إذا ما أقدمــت المجاميع الإرهابية على الزّحــف نحــو العاصمة طرابلس. وإن اختلفت البلــدان الفــاعلة في الملفّ الليبي لسنــوات جــرّاء مقاربات مصلحية كادت تتسبّب في انهيارات دراماتيكية فإنّها اليوم تقف أمام وضعية اصطفاف تفرضه ضرورات ضاغطة من أبرزها إمكانية تحوّل ليبيا إلى مركز استقــطاب الإرهــابيين الفارّين من سوريا والعراق، بناء قاعدة جديدة لتهديد دول المنطقة عبر استهداف الاستثمارات الطاقية بما فيها مناجم اليورانيوم في الجوار الصحراوي، تعزيز الهجرة السريّة عبر البحر الأبيض المتوسّط نحو السواحل الأوروبية وأخيرا تنويع بؤر تهريب السّلاح بما يؤدّي إلى تقوية المنظمات الإرهابية والعصابات العابرة للقارّات.
ولكن التّهديــدات التــي تــطال دول الجوار المباشر ومن ضمنها تونس أخطر بكثير ممّا يمكن أن يمسّ أمن الساحل الجنوبي لأوروبا. فالإرهابيون من تونس يُعَدّون بالمئات، في ليبيا والبعض منهم تبوّء مناصب قيادية ضمن التنظيمات التـــي أدمــت المجتمع الليبي، وقد ساهمـــت العمليات الكبرى كالبنيان المرصوص والكرامة في القضاء على الجزء الأكبر من خلايا «أنصار الشريعة» المصنّف إرهابيا في تونس إضافة إلى أسر جمع كبير من الدواعش الذين فرّوا إلى هذا البلد المجاور في إطار خطّة بناء القدرات قبل العودة للانقضاض على مجالات ترابية انطلاقا من الحدود مع ليبيا. لذلك أصبح من الضروري الانتباه لمدى خطورة التفاعل بين مسارات الحلّ أو التأزّم في ليبيا والوضع الأمني والاقتصادي في تونس.
إنّ السير نحو انتخابات عامّة وتجديد الأطر المؤسّساتية في ليبيا وبسط الجيش الموحّد ذي العقيدة الدفاعية والأمن المدني سلطتهما على كل التّراب الليبي وتأميــن حـــدودنا والقضاء على كلّ بـــؤر الإرهاب والجريمة تمثل الضّمانة لخفض الضّغط على مؤسّساتنا العسكريّة المنتشرة على امتداد حدودنا قبالة فراغ أمني وفوضى ميليشاوية كما أنّ إنجاز الاستحقاق الانتخابي والوصول إلى التّوافق حول حكومة موحّدة سيطلق إشارة البدء في ورشة إعادة الاعمار التي ستحتاج حتما إلى الطّاقات والخبرات والمؤسسات الاقتصادية التونسية ممّا يفتح آفـــاقا طال انتظارها أمام عشرات الآلاف مـــن التونسيين الذين خبروا لسنوات عدّة حاجيات وخصوصيات السوق الليبية. ولأنّ إعادة الإعمار في ليبيا ستشمل البشر قبل الحجر فمن المنتظر أن يكون لأصحاب الشهادات الجامعية وخرّيجيها في تونس الدور الكبير في استصلاح المناهج التربوية وتدريس المواد التي تفرضها المقرّرات الحديثة والنهوض بالقطاع الصحّي وإعادة هيكلة الإدارة.
لن تكون عملية إعــادة الإعمار مسابقة للتبرّعات الخيرية بل منافسة شاقّة لا يمكن الاعتماد فيها على «صداقات» لذلك وجب تحديد استراتيجيات خلافة للتموضع داخل السوق الجديدة التي قدرها البنك الدولي بما يزيد عن المائتي مليار دولار. ولكن لتونس أوراق مهمّة وأسبقية الأرض والتواصل الاجتماعي، عسى ألاّ تعوزنا الرّؤية ووحدة الهدف.
الدكتور رافع الطبيب
- اكتب تعليق
- تعليق