أربك عبد الرحمان مامي سلطة الاحتلال فاغتالته سنة 1954
يعدّ المناضل والطبيب مامي علما سياسيا تونسيا ناضل في صفوف الحزب الحر الدستوري كما ولاه لمين باي رتبة الطبيب الأول للعائلة المالكة. تم اغتياله سنة 1954 لأسباب وظروف لا تزال غامضة ولم تحظ بالاهتمام والدراسة الكافي.
سعت مؤسسة الأرشيف الوطني إلى إماطة اللثام عن البعض من هذا الغموض محاولة التعريف بشهداء الوطن ونظمت بمناسبة إحياء الذكرى الثمانين لأحداث 9 أفريل 1938 يوما دراسيا السبت 7 أفريل 2018 تحت عنوان : "عبد الرحمان مامي الطبيب والمناضل".
تحدث الأستاذ الهادي جلاب مدير مؤسسة الأرشيف الوطني عن تقارير ومحاضر أمنية موجودة بالأرشيف الوطني وثّقت واقعة اغتيال عبد الرحمان مامي وحيثياته ومكانه وزمانه، ملاحظا أنّ الشهيد كان ساعة اغتياله ممتطيا سيارة من نوع بيجو رفقة ابن عمّه الطاهر الذي توفي على عين المكان في حين نقل عبدالرحمان إلى المستشفى على متن شاحنة حيث توفي في 13 جويلية 1954 وأنّ الشخص الذي كلف بتنفيذ الإغتيال فرّ إلى جهة قمرت .
كما أفاد الأستاذ الهادي جلاب أنّ الحزب الحر الدستوري أصدر أيضا بيانات أقرّ فيها بأن مامي شهيد الوطن زيادة على أن اسمه مدون في سجل شهداء الأرض والوطن.
مامي : شخصية سياسية توافقية
استنتج جلاب انطلاقا من الوثائق الموجودة بالأرشيف الوطني أنّ عبد الرحمان مامي كان يشارك بكثافة في الاجتماعات والتحركات وخاصة صلب الحزب الدستوري القديم كما كان همزة وصل بين الحزبين الدستوريين القديم والجديد، مضيفا أنّ أمين باي منحه ثقته بعد أن أنقذه من موت مؤكد وأحبط عملية تسميم استهدفته .مؤكدا أنّ الشهيد كان وطنيا صادقا وملتزما بقضايا بلاده ولم يكن مستقلا أومحايدا لذلك وقع تغتياله من طرف عصابة اليد الحمراء لتتخلص منه سلطة الاحتلال ومن أمثاله ممن وقفوا ضد أطماعها الاستعمارية.
مامي : محبوب من الباي ومن الشعب
ويتوافق مختار باي دكتور العلوم السياسية في الرؤى مع الهادي جلاب مبينا أنّ عبد الرحمان مامي كان يتردد باستمرار على الأمين باي وكان محل ثقته وعرف بدرايته الكبيرة بخبايا القصر ومشاكل الشعب فكان أحد جنود الخفاء الذين كرسوا جهودهم ومهنتهم لخدمة الوطن.
وأضاف أنّ مامي كان محبوبا من الشعب لأنه كان كريما وإنسانيا إذ كان يترك عيادته بنهج المحرزي عدد 5 بالمرسى ويتنقل إلى الأحياء الشعبية مخصصا لهم بانتظام يومين في الأسبوع لمعالجتهم مجانا.
ويرى مختار باي أنّ الشهيد مامي مثل عقبة أمام سلطة الحماية الفرنسية وحال دونها ودون الاستفراد بالباي من أجل الضغط عليه وسلبه صلوحياته مدعما رؤيته بما صرح به المقيم العام "بول كامبون" حين أكد أنّ الحكم في تونس "يجب أن يكون بأيدي الفرنسيين وحدهم وأنهم مستعدين لتصفية كل من حاول إبعادهم ومنعهم من الإنفراد بالشرعية والحكم بدل الباي ".
شحّ الوثائق يمنع المؤرخ من دراسة تليق بالشهيد
أما المؤرخ خالد عبيد فقد كانت له رؤية مخالفة وأرجع إغتيال مامي لا لأنه كان الطبيب الشخصي لأمين باي بل لأنه شخصية وطنية ربطته علاقات جيدة مع الحزبين الدستوريين القديم والجديد بالرغم من تمسكه ووفائه للحزب الدستوري القديم وقد استهدف من قبل سلطة الحماية الفرنسية لدوافع أخرى لا تزال غامضة وغير متاحة وأنها ستتوضح في يوم ما.
وتناول المؤرّخ خالد عبيد بالدرس الظرفية التي سبقت اغتيال الشهيد الدكتور عبد الرحمان مامي عارضا أثناء مداخلته صورا حصرية توثق اعتداءات الفرنسيين على ممتلكات التونسيين وتبرز في المقابل ردود فعل المقاومين التونسيين وتحركاتهم لمواجهة العدو والمستعمر لكن وفقا لإمكانياتهم ووسائلهم البدائية فعرض بهذه المناسبة على الحاضرين صورا لبعض العبوات الناسفة التقليدية الصنع التي استعملها المقاومونالوطنيون في عملياتهم ضد المستعمر الفرنسي.
كما تطرّق إلى ما يتعرض إليه المؤرخ من صعوبات منهجية عند بحثه في سير وبيوغرافيا شهداء الوطن لشحّ الوثائق الأرشيفية مستطردا أنّ اليد الحمراء الفرنسية هي التي تغتالت عبد الرحمان مامي ،لكن نور الدين حشاد نجل الزعيم النقابي فرحات حشاد صرح قائلا : "لا وجود ليد حمراء وزرقاء فالاغتيالات التي طالت الوطنيين الصادقين ارتكبها جناح عسكري فرنسي مواز لوزارة الداخلية شبيه بالموساد وكلمة يد حمراء روجتها سلطة الاحتلال لبث البلبلة والإرباك واستعملتها تكتيكا وحيلة حتى تتملّص سلطة الاحتلال الفرنسي من مسؤوليتها مغالطة بها الرأي العام التونسي والعالمي".
عائلة مامي تريد محاسبة القاتل
أما منذر مامي؟ نجل الشهيد عبد الرحمان مامي فقد عبّر عن رغبة عائلته الشديدة في معرفة حقيقة من خطّط ودبر وأنجز عملية الاغتيال، مطالبا الحكومة الفرنسية بالاعتراف بمسؤولية اغتيال والده لأن التقارير الأمنية والوثائق الأرشيفية أثبتت أنّ من اغتال والده تم تهريبه من قبل سلطة الحماية الفرنسية وهو الآن حرّ طليق ولم تقع محاكمته، مؤكدا أنّ اليد الحمراء هي التي اغتالت والده لمواقفه السياسية والاجتماعية لأنه كان شخصية وفاقية بين الحزب الدستوري القديم والجديد وكان محبوبا من الباي ومن الشعب.
إن الأجيال والحكومات المتعاقبة لم تف عبد الرحمان مامي حقه ولا تزال مقصّرة في شأنه فلا أحد من الجيل الجديد يعلم أو يسمع بالشهيد عبد الرحمان مامي أو غيره من شهداء الأرض والوطن.
منية الكواش
- اكتب تعليق
- تعليق