أخبار - 2018.03.16

عبد الحفيظ الهرقام: التونسيون وسؤال المستقبل

عبد الحفيظ الهرقام: التونسيون وسؤال المستقبل

عندما يصبح السؤال التالي : «وين ماشين ؟» (إلى أين نحن ذاهبون ؟) لازمة تتردّد على ألسنة التونسيين اليوم فذلك بلاريب علامة لخلل في عملية الإدراك الجماعي لتحدّيات تجربة انتقال ديمقراطي تعيشها بلادهم منذ سبع سنوات وهي تواجه أزمة اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة في تاريخها الراهن. كما يمثّل مؤشّرا جادّا لـ«طلب اجتماعي» ملحّ، مردّه انعدام الرؤية في مشهد عمومي موسوم بالضبابية وانسداد الأفق، يستدعي من الخبراء في مجالات الاقتصاد والمالية والعلوم السياسية والقانونية والإنسانيات عموما تشخيص الواقع المتّسم بعديد المخاطر وتحليل ما يعتمل في المجتمع من تحوّلات وظواهر، إضافة إلى تحديد ملامح ما هو آت، وفق مناهج التــاريخي الاستطلاعي (Para History)، في إطار ورش بحث واستقصاء وتدبّر.

تعدّ تونس اليوم حالة بحثية حقيقةً بالاهتمام والمتابعة في نظر عدّة مراكز للدراسات الاستراتيجية والاستشرافية في الخارج من حيث هي نموذج متفرّد لديمقراطية ناشئة في العالم العربي. وبما أنّ التونسيين الذين تملّكتهم الحيرة بشأن حاضر بلادهم ومستقبلها غدوا متطلّعين إلى ضرب من  «الرؤية النبوئيّة»، قد يكون من المفيد أن نورد البعض ممّا خلصت إليه دراسة لأحد هذه المراكز من نتائج وتوقّعات غير معلنة ولكنّ تسريبات تواترت بخصوصها. عن ماذا كشفت هذه التسريبات ؟

فيما يتعلّق بالانتخابات البلدية المقرّر إجراؤها يوم 6 ماي القادم، من المتوقّع أن لا تتعدّى نسبة المشاركة فيها 25 % وأن تكون للقائمات المستقلّة في عديد الدوائر حظوظ وافرة في الفوز بمقاعد في المجالس البلدية المقبلة، إذ أنّ التصويت لفائدة الأشخاص هو غالبا ما يطبع انتخابات ذات طابع محلّي تتحكَّم  فيها الاعتبارات الذاتية والعلاقات الأسرية والعشائرية. وفي حال تركيز الحكم المحلّي، يُتوقّع أن تكون لرؤساء بلديات المدن الخمس الكبرى (تونس وصفاقس وسوسة وبنزرت وڤابس) مكانة سياسية واعتبارية هامّة خلال العشر سنوات القادمة قد تقود أحدهم إلى منصب رئيس الجمهورية.  
أمّا على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، فإنّ كلّ المؤشّرات تدلّ على أنّ سنتي 2018 و2019 ستكونان مترعتين بالصعوبات وأنّ الاقتصاد التونسي سيظلّ في مرحلة المقاومة (résistance) التي تسبق مرحلتي إعادة الانطلاق(redémarrage) والانتعاشة (relance)، وهي مراحل يمرّ بها حتما كلّ اقتصاد يشهد نموّه تراجعا في سياق متأزّم ومضطرب، على أن تبرز بوادر تعافي الاقتصاد في سنة 2021 في صورة تنفيذ الإصلاحات المطلوبة. 

غير أنّ أحد الخبراء -وهو يعلّق على هذه التوقّعات - يرى أنّ استطلاع مستقبل تونس في قادم السنوات يفرض طرح الأسئلة التالية : من سيكـــون ساكن قصــر قرطاج ولمن ستـــؤول رئاسة الحكــومة في سنــة 2019، في ظرفيّة اقتصادية واجتماعية حرجة تتطلّب قرارات حاسمة وسياسات شجاعة ؟ من سيحكم إلى جانب حركة النهضة في ذلك التاريخ؟ هل ستتصدّر حركة نداء تونس معها الخارطة الحزبية، علما وأنّه لن يتسنّى لها ذلك إِلَّا متى أقدمت على  إعادة تشكيل صورتها لدى الرأي العام  وعزّزت هياكلها أم  أنّ الأمر سيتعلّق بقوّة سياسية أخرى صاعدة؟ هل تتحوّل الأحزاب السياسية الفاعلة في الساحة الآن من مجرّد آلة انتخابية إلى آلة سياسية تنتج البرامج وتصيغ التصوّرات والبدائل؟ هل ستقدر السلطة الحاكمة آنذاك على مواجهة الاتحاد العام التونسي للشغل للحدّ من «تغوّله»؟ إلى أيّ مدى ستكون هذه السلطة مستعدّة للقيام بإصلاحات جريئة منها بالخصوص إصلاح سوق الشغل وإصلاح الإدارة؟ كيف ستتعامل مع مشكل ندرة الموارد المائية وإشكالية التصرّف فيها؟ هل بمقدورها فتح ملفّات على غاية من الحساسية من بينها تمويل الأحزاب والمنظمات الوطنية والجمعيات وشفافية وسائل الإعلام ومدى مصداقية مؤسّسات سبر الآراء؟

التونسي اليوم وهو ما انفكّ يتساءل : «وين ماشين ؟» لا يبحث عمّن سيحكمه غدا، لأنّه سئم السياسة وذاق ذرعا بممارسات تجّارها اللاهثين وراء غنائم السلطة، بقدر ما يريد أن يرى بؤر نور في النفق المظلم الذي ترّدت فيه بلاده ومخرجا لأزمتها الخانقة، بما يشيع  في نفسه الطمأنينة ويعيد له الثقة في المستقبل.

عبد الحفيظ الهرقام


 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.