أخبار - 2018.03.01

تونس-الكويت: تباشير ديناميكية جديدة

تونس -الكويت:تباشير ديناميكية جديدة

الكويت -من مبعوث مجلة "ليدرز" الخاص، توفيق الحبّيب.يكفي أن تقول ﺇنّك تونسي حتى يبادرك أيّ مواطن كويتي تلتقيه إلى تحيتك بحرارة، ويفاتحك بذكرى ظلّت عالقة بباله عن تونس، ويفتح كل الأبواب أمامك بدءا من باب بيته. ذاك رصيد مهمّ من محبة صادقة ظلّت راسخة خالصة تماما رغم الموقف المساند للعراق الذي اتخذه الرئيس المخلوع وشِقٌّ لا بأس به في الشارع التونسي بمفعول مناورات التضليل التي استهدفته في غمرة غزو الكويت يوم الثاني من شهر أوت سنة 1990، دون أن تجمّد ولو للحظة العلاقات التونسية الكويتية أوأن يتعطّل التعاون بين البلدين، رغم أنّ غزارة حجم التبادل لم تسجّل إلى حد الآن تطورا يُعْتَدُّ به حقيقة.

يقول سفير تونس بالكويت السيد أحمد بن الصغير في حديث إلى مجلة "ليدرز": "شهد التعاون بين البلدين دفعا كاملا خلال السنوات الأخيرة. حصل تبادل كثيف للزيارات بين سامي المسؤولين في البلدين والفاعلين الاقتصاديين. وتمّ الشروع في إنجاز عديد المشاريع في قطاعات شتّى، والآفاق تبشّر بكلّ خير..".

علاقات على مدى طويل وصفحة جديدة تفتح

بقيت المجموعة التونسية الكويتية للتنمية التي أنشأت سنة 1976 دوما الدافع القوي للاستثمارات في تونس (سلسلة أبو نواس الخ.) محتفظة بكل موجوداتها، ولم يسحب منها ولو دينارا واحدا. ولئن تخلّت عن قطاع الفندقة بدافع إعادة هيكلة محفظتها من القيم المنقولة، ولم تحتفظ سوى ببعض الوحدات الفندقية التي كانت بحوزتها (من حوالي 20 وحدة في المجمل) فلقدتيسّر لها الاستثمار في قطاعات جديدة (البعث العقاري، التأمينات، تكنولوجيات الإعلام والاتصال، وكالات السيارات، الورق، مناديل حفظ الصحة. الخ). وبادرت المجموعة بدفع من مديرها العام السيّد محمد النعمة إلى استكشاف فرص جديدة الاستثمار مساهمة بذلك في التنمية الاقتصادية والمالية.

قال محمد النعمة متحدثّا لمجلة "ليدرز" في هذا الصدد: "البلاد التونسية تزخر بالطاقات .. هناك فرص واعدة لا تخفى على الجميع، وهو بصدد رصدها عن كثب ودرس إمكانية تخصيص استثمارات جديدة. وينبغي الإشارة في هذا المضمار إلى أنّ تونس تتوّفر على رصيد جيّد في مجال إدارة الأعمال."

أما البنك التونسي الكويتي الذي بعث في سنة 1980 وموَّل مئات المؤسسات الصغرى والمتوسطة بوصفه بنك تنمية، فقد تحوَّل إلى مصرف شمولي. هاتان الركيزتان الأساسيتان (المجموعة والبنك) واجهتا بنجاح بعض الصعوبات على امتداد كامل الفترة العسيرة التي مرت بها العلاقات الثنائية."

لقاء متجدّد بين الرئيس الباجي قائد السبسي وسموّ الأمير الشيخ الصباح

"اننا في الكويت نحترم القرار الذي ترتضيه تونس لنفسها"، موقف في منتهى الوضوح يعلنه الرسميون الكويتيون تجاه ما يجري في تونس؛ موقف احترام أُعْلِن بداية في جانفي 2011، وأعيد تأكيده غداة انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في أكتوبر 2011، قبل التذكير به إباّن المصادقة على الدستور الجديد في جانفي 2014، ثم بعدالإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية، فالانتخابات الرئاسية في موفي سنة 2014.

قال أحد رجال الأعمال البارزين في الكويت لمجلة "ليدرز" في تعقيب له على هذا الموقف الكويتي من الأحداث في تونس: ان الكويت واحد من بلدان الخليج القليلة التي ليس لديها أجندا سياسية تجاه البلدان الأخرى في المنطقة وحتى خارجها. غاية ما يتّمناه الكويت للشعوب الشقيقة والصديقة هو الاستقرار والازدهار، ليس إلاّ."

وفي جانفي 2011 جاء هذا الإعلان المبدئي من الكويت ليؤكد مساندة البلد للانتقال الحاصل في تونس.وفي 7 جويلية 2011 توجّه الرئيس الباجي قائد السبسي وهو آنذاك على رأس الحكومة الانتقالية للقاء صديقه من زمن طويل، سموّ أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح -بو ناصر-واعادة الدفء للعلاقات بين البلدين. كِلا الرجلين تقلّد منصب وزير للشؤون الخارجية في بلاده، وقد حرصا سويا قبل ذلك وبعده على نسج وشائجمحبّة وأخوّة بينهما لم تزدها السنون سوى توثّقا، فكانت هذه الزيارةبعد كل ما حدث هنا وهناك، بمثابة التمهيد لدخول العلاقات التونسية الكويتية مرحلة جديدة.

في خاتمة المقابلة وما دار خلالها من محادثات بين الرجلين، سأل سموّالأمير الشيخ الصباح ضيفه عمّا يمكن للكويت أن تقدمه لتونس. ردّالرئيس قائد السبسي كان واضحا وبكل اختصارومعنى: "فتح صفحة جديدة ... «. وأضاف الرئيس إثر ذلك في تصريح صحفي: " لقد قصَّرْنا في حقّ الكويت منذ الحرب العراقية ولم نقم بالواجب. وها قد توفقنا اليوم إلى تجاوز أزمة عابرة وعادت كل الأمور إلى نصابها".

خلال فترة حكم الترويكا (2012-2013) لم تحدث تغييرات يُعْتَدُّ بها على صعيد العلاقات بين البلدين. زار الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي الكويت في مناسبتين. حصل ذلك مرّة أولى في نوفمبر 2013 عندما شارك المرزوقي في القمة العربية الإفريقية الثالثة، ثم مرّة ثانية إبّان انعقاد القمة العربية الخامسة والعشرين في مارس 2014، ولم يفض ذلك إلى إنعاش التعاون بين البلدين حقيقة. لقد تمّ الاكتفاء بالتعبير مجدّدا وبقوة عن المساندة السياسية بعد المصادقة على الدستور الجديد. وقد حلّ كلّ من رئيس البرلمان الكويتي مرزوق الغانم ورئيس الحكومة الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح بتونس في فيفري 2014 موفديْن من قِبَلِ أمير الكويت للإعراب عن تهاني الكويت.

وزار الرئيس الباجي قائد السبسي الكويت مجدّدا بعد انتخابه رئيسا للدولة في 26 جانفي 2016 في سعي مشترك إلى دفع العلاقات الثنائية بقوّة حتّى تستعيد كامل عافيتها وحيويتها بشكل يستجيب لرغبة البلدين. وأبرمت خلال الزيارة العديد من الاتفاقيات بِمَا فيها -وهذا يحصل لأوّل مرّة -اتفاقية تعاون عسكري.

تحكم العلاقات بين البلدين اتفاقات تغطي العديد من القطاعات تربو عن الخمسين اتفاقا بما فيها تلك المتعلقة بعدم الازدواج الضريبي. وانعقدت اللجنة المشتركة الكبرى بعد طول انقطاع. وستنعقد مجددا خلال السداسي الأول من سنة 2018 في إطار دورة جديدة ستُتَوَّج بالتوقيع على اتفاقات تتعلّق خاصّة بالحماية المدنية وبتكنولوجيات الإعلام والاتصال وبمجالات أخرى.

تعهّدات وإنجازات

على الصعيد الاقتصادي والمالي، أرسل الكويت وفدا عنه من مستوى سام إلى تونس للمشاركة في منتدى تونس 2020. وقد أعلن خلالها عن أنّ الكويت سيتعهّد رسميا بتخصيص مبلغ مالي قدره 500 مليون دولار في شكل قروض بفوائض تفضيلية وذلك بالنسبة إلى الفترة 2017 -2020. وقد سُلِّم القسط الأول من هذه القروض بقيمة 80 مليون دولار في سنة 2017، ويهمّ خاصّة مستشفيات القيروان وسيدي بوزيد وسليانة. أما بالنسبة إلى سنة 2018، فقد تمّ في بداية جانفي الماضي، إيفاد بعثة كويتية إلى تونس مكلّفة بالقيام بالإجراءات التحضيرية. وهنالك مبالغ أخرى تسدّد لتونس في إطار المساعدة الفنية. فقد خصّص مبلغ بقيمة مليون دولار لإنجاز مشروع مركز مقاومة السرطان بالعاصمة، وخصص مبلغ آخر بنفس المقدار لإنجاز مشاريع تنموية بخليج المنستير ولمشاريع أخرى عاجلة وذات أولوية في بعض المناطق. كما تم إسناد مبلغ مليوني دولار على سبيل الهبة نصفه مخصّص لتأهيل 12 مدرسة ابتدائية، فيما خصص النصف الثاني لتأهيل جامع الزيتونة.

شخصيات مرموقة في ضيافة الرئيس الباجي قائد السبسي 

وقد شهد قصر الرئاسة بقرطاج خلال السنة الماضية زيارات هامة أدّتها وفود رسمية كويتية وشخصيات ثقافية ورجال أعمال اذ استقبل الباجي قائد السبسي في 5 أفريل الشيخ خالد الجرّاح الصباح نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية بدولة الكويت. كما استقبل في موفّى شهر أكتوبر الدكتور عبد العزيز سعود البابطين رئيس مؤسسة البابطين الثقافيّة التي يحمل اسمه، وقد عرض على رئيس الدولة مشروعا خاصا يتمثل في بناء مركز ثقافي بمدينة الكاف تكريما للشاعر أبو القاسم الشابي حيث أقام شاعر تونس لبعض سنوات.

وفِي نوفمبر ،2017 حلّت بقصر قرطاج مجموعة من أبرز رجال الأعمال في الكويت بقيادة فهد علي المعجل حيث قدمّت لرئيس الدولة أعضاء المجلس التونسي الكويتي للمستثمرين. ضمّ الوفد خاصة عبد الوهاب الهارون ويوسف الصقر ود. يوسف العوضي ود. فهد الراشد ومسعود حيات وفيصل العيّار .. ويعتبر كل هؤلاء من الوجوه البارزة جدّا في مجالات المال والصناعة وتكنولوجيات الإعلام والاتصال. 

ولا تقتصر علاقات التعاون بين البلدين على المجال الاقتصادي وحده، فهناك سعي حثيث إلى استكشاف العديد من المجالات الأخرى كالثقافة والتربية والصحة والبحث العلمي وغيرها. ففرص الاستثمار متاحة تماما وما على القطاع الخاص إلا أن يستغلها بالشكل المناسب.

توفيق الحبيّب

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.