غازي البيش / فان لاك - van Laac Tunisie: بالإخلاص والابتسامة نُدير أعمالنا بنجاح (فيديو)
أجود الأقمصة وأرقاها تُصْنعَ في تونس وفي بنزرت على وجه التحديد
حينما استقر رأي هانريش فان لاك - Heinrich Van Laak- على بعث منشأته في ألمانيا في سنة 1881، لم يخطر بباله قط أن يذهب بعيدا فيما عقد العزم على إنجازه، ولم يكن في حسبانه إطلاقا أن يرتقي بمنشأته إلى هذا المستوى العالمي المرموق، بل لم يتخيل بالأحرى ولو للحظة أن يكون مدينا في بعض نجاحاته لطاقم من العمّال في أحد فروع المؤسسة الأم المنتشرة هنا وهناك في شتى أنحاء المعمورة، طاقم تونسي لحما ودما، قوامه 850 نفرا (800 ﺇمرأة و 50 رجلا) صلب أربع وحدات صناعية منتصبة في مدينة بنزرت التونسية، بما فيها الورشة الأصلية التي فتحت أبوابها في سنة 1974، أي قبل 44 عاما.
يكفي أن تأخذك قدماك إلى ورشة من ورشات المصنع حتى تدرك حقيقة صناعة الملابس والنسيج، وهي غير ما يتبادر الى الأذهان عموما، وحتى تقف على مزايا إدارة الأعمال بواعز الابتكار والتجديد في إطار محلّي صرف، فتتعزز بذلك ثقتك في القدرات الاستثنائية التي يمتلكها هذا القطب الإنتاجي التونسي، بل سيذهب بك الأمر إلى أكثر من ذلك، فتكتشف أنّ هناك انتدابات جديدة حصلت بالفعل، ويغمرك شعور بالارتياح والاطمئنان، لقد أعلن غازي البيش، مدير قطب فان لاك بنزرت عن انتداب مائة شاب، دون حاجة إلى فرض شروط مسبقة على هؤلاء الشبان من قبيل امتلاكهم لتكوين بعينه ومؤهلات بعينها. يقول غازي البيش في هذا الصدد: " لا يقتصر عملنا هنا على صنع ملابس... نحن نتوّفر على قسم مخصّص للتكوين.."
لا نغالي حينما نقول ﺇنّ غازي البيش نفسه مثالٌ ونموذجٌ لقصّة نجاح تضاف إلى قصة نجاح علامة فان لاك، تلك الأيقونة ذائعة الصيت... هي تجربة لافتة حقيقة. أدخُلْ أحد محلاّت بيع هذه العلامة في نيويورك أو في هونغ كونغ، واخترْ لك ما شئت من الأقمشة.. حدِّدْ النموذج ونوع الرقبة والكُمّ والأزرار ( بثلاث ثقب متميزة، الأزرار قُدّتْ من صدف الحلزون البحري ذي الشكل المخروط - Trochus - )، دُلّ على قياساتك الشخصية وادفع الثمن. عمليات بسيطة يتم القيام بها دون عناء، ثم يصلك قميصك حيث تقيم وبالشكل المطلوب وبكلّ المواصفات والخصائص المطلوبة. مثل هذا الإنجاز غير العادي يحتاج في الواقع إلى درجة من المهارة الفائقة والإتقان الجيد وحب للعمل والتفاني فيه إلى أقصى حدّ... بعد تسجيل الطلب بكل المواصفات السالفة الذكر، يرسل الإذن بالصنع إلى أحد مصانع فان لاك - لِنَقُلْ مصنع بنزرت على سبيل المثال - بواسطة شبكة الانترنت، وتنطلق عملية الصنع حالا وِفْقَ مسار لا تحيد عنه قيد أنملة، وتتمّ مراقبتُها عن كثب من البداية إلى النهاية .. كلّ هذه العمليات تجري في جوّ مفعم باللطف والبِشْر الذي يغمر نفوس كلّ الأجراء، من العاملة البسيطة إلى الإطار السامي..
إنتاج مصانع فان لاك ببنزرت لا يقتصر على أقمصة للرجال، بل يشمل أنواعا أخرى من الملابس مثل الأقمصة من نوع tee-shirts والسُّتْرات -blousons - والفساتين والبدلات النسائية من نوع tailleurs.. كل هذه الملابس تصنع في بنزرت تحت نفس العلامة.
" مسؤولية خالصة تتحملها المنشأة "
منتوج مكتمل الصنع لا يشوبه أيّ عيب، مواد أوّلية خالصة، لا صدامات ولا نزاعات اجتماعية البتة، لا تغيُّب عن العمل في المطلق تقريبا (1٪)... فقط وجوه تتهلّل بشرا، لا تفارقها الابتسامة. يعتبر غازي البيش أنّ راحة البال في كامل أوقات العمل هي السبيل الأهّم لبلوغ أفضل النتائج، وكذلك "المسؤلية الخالصة للمؤسسة" كما يقول دائما، وهي شكل من أشكال المسؤولية الاجتماعية الملقاة على عاتق المنشأة - أو ما يعرف عامة بـ ( Responsabilité Sociétale de l'Entreprise - RSE ).
يضيف غازي البيش على سبيل التوضيح: " هنالك خمس فئات كبرى علينا أن نلتزم بمخاطبتها بلغة الصدق والإخلاص : المنشأة أوّلا كي نضمن ديمومتها، ثم طاقم العمل الذي ينبغي معاملته بدون تسلط، فلا بد في هذا المضمار من الاستجابة إلى جملة من الحاجيات الأساسية كالسكن والصحة والثقافة والترفيه.. لغة الصدق ينبغي أن تشمل بالضرورة ثالثا الجهات التي تربطها علاقات شراكة بالمنشأة مثل الزبائن والأطراف المشرفة على المشاريع - les donneurs d'ordre - وأن تتّجه رابعا إلى المجموعة محليا وجهويا ووطنيا. أما الفئة الخامسة التي يتوجب مخاطبتها بلغة الصدق فتشمل المدينة والبلاد والبيئة العامة جميعا". هذا التشبّث بخطاب الصدق من شأنه أن يعزز روح الثقة بين المنشأة وكل الأطراف المعنية، بحيث يسود المؤسسة على الدوام حال من السلم الاجتماعية، ويتعزَّز شعور العاملين بالارتياح والسعادة، وتتحقق الجدوى الاقتصادية وتنمو، وتتقلّص ظاهرة التغيب إلى أبعد حدّ، مع حرص من جانب المدير على المعاملة بالعدل وبروح من المسؤولية وتأمين ظروف عمل مريحة داخل المؤسسة.
غازي البيش متخرج من المعهد العالي للتجارة بقرطاج، وهو في الأربعين من عمره، قضّى كل حياته المهنية إلى حد الآن بمؤسسة فان لاك في ألمانيا أولا، ثم في تونس. هو مولع بشيئين : الخياطة وإدارة الأعمال بوازع الابتكار والتجديد. حرص في البداية على تعلّم فنّ الخياطة والتدرب على استعمال الإبرة والخيط، شأنه في ذلك شأن كل زملائه حديثي العهد بالمهنة.. ومن فرط تعوّده على تحسّس القماش وتحويله إلى قِطعٍ مختلفة الأشكال ووضع اللمسات الأخيرة في خياطة القميص، توفق إلى تحسين مؤهلاته وإنجاز ابتكارات لافتة لاقت كثيرا من الإعجاب والاستحسان من قِبَلِ المسؤولين، فسطع نجمه وأوكلت إليه مهمة إدارة فرع المؤسسة في البلاد التونسية. أن ينصَّبَ على رأس منشأة قوامُها 850 أجيرا.. أن يتلقى يوميا دفقا متصلا من الطلبات التي ينبغي معالجتها في الإبان وبدون تأخير.. فتلك مسؤولية جسيمة تحملها البيش بكل اقتدار. وكانت النتائج على قدر العزائم.
نموذج تونسي مائة بالمائة
لا ينبغي أن يذهب بكم الظن إلى أنّ النظام المتبّع في ألمانيا وطريقة الصنع المعتمدة هناك هو الذي أدى إلى تحقيق هذا النجاح وكسب هذه النتائج.. كلَّا وألْفُ كَلَّا.. كلّ هذا التفوق الهائل الذي نحرزه هو تونسي مائة بمائة.. ما هو غير ذلك يبقى متمثلا في أشياء من قبيل الأقمشة ومواد الصنع وبعض النماذج والمنظومات. كل هذا يدلّ بكلّ تأكيد على أنّه بوسعنا أن نحقق أفضل النتائج على نطاق محلي صرف واعتمادا على طاقات وخبرات تونسية شريطة أن نحسن التصرّف. غازي البيش لا يمتلك عصا سحرية ولا يأتي المعجزات.. سرّ ما يحرزه من نجاحات ويحقّقه من نتائج يبقى بكل بساطة كامنا في احترامه للعاملين وتقديره لهم وتثمينه لما يبذلونه من جهد والاهتمام بشؤون عملهم وظروف معاشهم ومساعدتهم على الأخذ بأسباب الترقّي على الصعيدين الثقافي والاجتماعي، إلى جانب تأجيرهم ومكافأتهم.
الورشات فسيحة الأرجاء، مضاءة كأحسن ما يكون، متناسقة بشكل جميل، مع وجود شرفات زجاجية فسيحة تطل على الحديقة. مكاتب الإدارة العامة لا تقع خارج البنايات الصناعية ولا في الطوابق العليا، بل في الطابق السفلي داخل الورشة الكبرى . فنحن إذا "إزاء تنظيم هندسي عمودي لا أفقي"، على حدّ قول غازي البيش. حين يأخذ البيش طريقه إلى مكتبه ذي الشرفة الزجاجية المطلّة على خطوط الإنتاج يجتاز جزءا كبيرا من الورشة؛ يُلَوًحُ بالتحية للعاملين ويبقى على اتصال مباشر بهم.
لقد هُيِّئَتْ خطوط الإنتاج في شكل حلقات مسترسلة تتقدمها مكاتب إسناد. يأخذ المدربون مكانهم صلب فرق العمل في تأهّب كامل للتدخّل لمد يد المساعدة في حال حدوث صعوبات ولفضّ ما عسى أن يطرأ من مشاكل. وسرعان ما يكون هذا التلاحم بين المدربين وطاقم العاملين سبيلا إلى نسج خيوط ألفة قوية بين الطرفين فتنشأ بذلك علاقة حميمة تتعدّى الإطار المهني.
وللبستنة نصيب
بوسع العاملين في مؤسسة فان لاك بنزرت لصنع الأقمصة تعاطي أنواع شتى من الأنشطة الثقافية والاجتماعية والترفيهية ... التي تنضاف إلى نشاطهم المهني: هناك ملحقة اجتماعية، ومكتب محامين لتأمين الاستشارات القانونية والتدخل في بعض القضايا المعروضة على المحاكم؛ ودروس في اللغة.. ولقاءات ثقافية ينشطها مؤلفون؛ ورياضات و ... بسْتَنَة.
تقع المعامل وسط مرْجٍ تتخلّله وتَحُفُّ به جِنانٌ يتعهدها العمال أنفسهم بالصيانة والعناية. يختار كل عامل مساحة من هذا الفضاء الممتّد الأرجاء ويتولّى صيانتها.. هناك فضاء للاسترخاء والترويح على النفس، وأشجار وعشب (قازون) وموقف للسيارات قد هيّئ على مساحة مزهرة. نحن هنا أبعد ما يكون عن تلك المناطق الصناعية البشعة وتلك الورشات المُقْرفة.. العمل في المصنع يتواصل لمدة خمسة أيام في الأسبوع في إطار حِصَّة يومية واحدة من السابعة صباحا حتى الثالثة بعد الظهر تتخللها أوقات قصيرة للراحة والرياضة وتناول الفطور.. يقول غازي البيش في هذا المضمار: " ينبغي أن تتاح لكل عامل في المؤسسة إمكانية العودة إلى البيت مبكرا، وأن يكون بوسع الشباب ان ينصرف بقية يومه إلى شؤونه الخاصة، وبوسع الأمهات التفرغ للأبناء ولشؤون البيت والأسرة، ونيل نصيب من الراحة".
كل قميص ينسج في ورشات مصنع فان لاك هو ثمرة علاقة هُيَامٌ وشغف بين العامل والقميص. هَمُّ العامل أن يكون القميص خلوا تماما من أي عيب .. يصرف كلّ اهتمامه إلى أدقّ الجزئيات. ذاك يدخل في صميم تقاليد العمل بمصانع فان لاك منذ إنشاء المؤسسة قبل 137 سنة. ظلّت هذه التقاليد هي هي لم تتغير، وذلك دليل على وجاهتها. في تقديم لمؤسسة فان لاك لصنع الأقمصة نقرأ ما يلي: " اعتمادا على تجربتها الطويلة في صنع الأقمصة من الطراز الراقي، فإن مؤسسة فان لاك تضع مرجعيات جديدة على مستوى الجودة، دأبها أن تبقي على مقوماتها الأساسية : المهارة والحرفية وأداء العمل بكل دقة والاهتمام بأقل الجزئيات وأدق التفاصيل.. تتميّز منتوجات فان لاك بموادها من أعلى طراز والحرص على وضع اللمسات الأخيرة للمنتوج بكل عناية وبنموذج شخصي عصي تماما عن التقليد.. أفضل تجّار النسيج في العالم يؤمِّنون تزويد مؤسسة فان لاك خصّيصا وبشكل حصري بمواد النسيج بخيوطها فائقة الجودة". الإضافة التي يقدمّها غازي البيش وفرق العمل من حوله في مصنع بنزرت تبقى متمثلة في تلك الابتسامة التي لا تفارق محيّاهم.. وتبقى مؤسسة فان لاك ببنزرت موطن المهارة والإتقان وحسن التصرّف.
"فان لاك"علامة الجودة في أفضل تجلياتها.
- اكتب تعليق
- تعليق