العمليّة العسكرية التركية في عفرين: خلفياتها وتأثيراتها على مستقبل سوريا

العمليّة العسكرية التركية في عفرين: خلفياتها وتأثيراتها على مستقبل سوريا

منذ 20 جانفي 2018، أطلقت تركيا عمليّة عسكرية ضدّ أكراد سوريا في عفرين أسمتها «غصن الزيتون». الهدف من العمليّة، هو تقويض حلم وحدات الشعب الكردي بمناطق حكم ذاتية وتكوين منطقة آمنة على الحدود التركية مع سوريا لإعادة توطين 3.5 مليون لاجئ سوري مقيمين في تركيا. ولكن هذه العمليّة ما كانت لتحصل دون موافقة روسيا والولايات المتحدة ونظام الأسد، ممّا يفصح عن الأجندات السياسية المختلفة في سوريا والسّعي إلى إعادة تشكيل خارطتها.

ما إن انتهت الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية في الرقّة ودير الزور التي قامت بها على الأرض قوّات سوريا الديمقراطية بدعم جوّي أمريكي وروسي، حتى سارعت تركيا لإجهاض حلم أكراد سوريا بالاستقلال الذاتي وتكوين إقليم كردي على حدودها. كان إعلان الولايات المتحدة تكوين قوّة عسكرية قوامها 30 ألف جندي على الحدود التركية السورية، معظمها من قوات سوريا الديمقراطية، الفرصة الذهبية التي كان أردوغان ينتظرها ليبرّر تدخّلا عسكريا في المناطق التي يسيطر عليها الأكـراد في سوريا.

أكثر من 20 ألف مقاتل من الجيش التركي وفصائل من الجيش الحرّ تشارك حاليا في المعارك التي انطلقت من محور هاتاي أولا ثم تواصلت من محوري كيلس وأعزاز واستهدفت مناطق تسيطر عليها وحدات الشعب الكردية بمحيط مدينة عفرين شمال غرب سوريا. ولم تتوان تركيا عن استعمال مدفعيتها الثقيلة ومنظومتها الصاروخية في محاولة منها إحراز انتصار سريع والسيطرة على المدينة ومنها التقدّم نحو منبج بهدف إحداث منطقة آمنة بعمق 30 كلم في الأراضي السورية لاستقبـال اللاجئين الســوريين.

ولكن العملية لم تحدث النّجاح المرتقب إلى حدّ الآن، حيث تعطّلت السيطرة على عفرين، نظرا لاستماتة وحدات حماية الشعب الكردية في الدفاع عنها، بالإضافة إلى غياب الحاضنة الشعبية، فالأكراد يسيـــطرون على هذه المنطقة منذ سنوات.

لم تكن عملية «غصن الزيتون» لتتمّ دون موافقة روسيا التي لها حضور عسكري في شمال سوريا. فقبل يوم من بداية الدخول العسكري التركي إلى الأراضي السورية، قامت القوّات الروسية بالانسحاب من مناطق تمركزها. روسيا التي تتحالف مع تركيا في مسار أستانة العسكري الذي يجمع النظام السوري مع المعارضة السورية، لم تر مانعا من التدخل العسكري التركي في عفرين، بل رأت فيه فرصة لمقايضة تركيا حول سحب قوّات المعارضة السورية من إدلب لتمكين قوّات النظام السوري من إحكام قبضته عليها. كما استغلّت الوضع للضّغط على الأتراك للالتزام باتّفاق أستانة والقضاء على «جبهة النصرة»، المدعومة من الولايات المتحدة. روسيا تأمل أيضا أن يساهم الهجوم التركي على عفرين في إجبار قوّات سوريا الديمقراطية على تسليم المدينة لقوات بشّار الأسد، على أن يشارك الأكراد في إدارتها.

حرصت تركيا أيضا أن لا تُغضب الولايات المتحدة رغم اعتراضها على البرنامج الأمريكي لدعم الأكراد في سوريا، حليفها على الأرض والضّامن لوجودها في الخارطة السورية في مواجهة النّفوذ الإيراني والروسي والتركي. لذلك حصلت على الموافقة الأمريكية للتدخّل في عفرين، وهو ما يفسّر ضعف ردّ الفعل الأمريكي على الهجوم وتصريحات المسؤولين الأمريكيين الداعية «لضبط النفس». ولا ترى الولايات المتحدة جدوى من التدخل طالما أنّ مواقعها في شرق الفـــرات حيث توجد معسكراتها،لم تصلها المعارك. كما أنّها تحاول أن تحافـظ على عــلاقتها مـع تركيا كي لا تخسرها نهائيا لفائدة الطرف الروسي.

بقي السؤال: لماذا لم يتدخّل النظام السوري ومن ورائه حليفه الإيراني؟

لئن نــدّد بشّـار الأسـد بالتدخّل التركي في الأراضي السوريـة في عفريـن، حيـث نعته «بالعدوان الغـاشم»، فإنّه لم يتحــرّك لصدّه وكذلك لم تفعـل إيــران الحـاضرة في سوريا عبر أذرعتها العسكــرية: حـزب الله والحـرس الثـوري الإيـراني. يبدو أنّ نظام بشّار هو المستفيد الأكبر من العمليّة العسكرية التركية، فمن جهة، ساهمت هذه العملية في نقل فصائل المعـــارضة من إدلب، حيث يحاول الجيش النظامي السوري إحكام قبضته عليها من جديد، كما أنّها ستساهم في إضعاف هذه الفصائل واستنزافها والقضاء على الكثير من عناصرها، خاصّة من «جبهة النصرة»، العدوّ اللدود للنظام. من جهة أخرى، فإنّ نجاح الأتراك في السيطرة على عفرين ومنبج وإخراجها من سيطرة قوات حماية الشعب الكردية سيسمــح لنظـام الأسد  باستلام إدارتها.

إيـران من جهتها، لم تبد معـارضة للتـدخل التركي وإن بقيت في وضعية الملاحظ الحذر لما يجـري على الأرض. فهي تشتــرك مع تركيا في عدم الرغبـة في نشــوء كيـان كردي على حدودها قد يتوسّع في المستقبل ليشمــل الأكــراد الموجـودين على أراضيها.

الأكراد الخاسر الأكبر

من الواضح أنّ عملية عفرين هي بداية التحرّك الفعلي لتقسيم النفوذ في سوريا ورسم خارطتها المستقبلية. وكل الأطراف المتداخلة في الصّراع تبحث لها عن تموقع في ظلّ تقاطع المصالح وتعارضها. ولكنّ الخاسر الأكبر في لعبة التحالفات هم الأكراد الذين راهنوا على دعم الأمريكان ليحصدوا الخيبة كالعادة. فالولايات المتحدة التي استغلت الأكراد في حربها على داعش على أساس أنّهم القوة الوحيدة الموجودة على الأرض لمواجهتهم عبر التلويح بمساعدتهم لإنشاء حكم ذاتي على مناطقهم في شمال سوريا، سرعان ما تراجعت عن هذه الوعود لحساب الحفاظ على علاقاتها مع تركيا وروسيا. وكذلك فعلت سابقا مع الأكراد في إقليم كردستان العراق حينما تخاذلت عن مسانتدهم في حلم الاستقلال. من جهتهم، فإنّ أكراد سوريا، فشلوا في المحافظة على توازن العلاقات مع روسيا، حينما اختاروا الاصطفاف التامّ وراء الولايات المتحدة ورفض طلب روسيا الاشتراك مع قوّات النظّام السوري في إدارة مناطقهم الكردية ضمن إدارة محلية مشتركة. وهم مطالبون اليوم بإعادة حساباتهم في اتّجاه فهم الخارطة الجديدة التي تحاول واشنطن وموسكو فرضها في سوريا وتأجيل الحلم الكردي بالحصول على مناطق ذاتية لهم، خاصّة وأنّهم كمكوّن إثني، لا يمثّلون ســوى 10% في المناطق التي يسيطـرون عليها شمـال سوريا.

مؤتمر سوتشي والتقارب التركي-الروسي

بالمـوازاة مــع تواصل عملية عفـرين، انعقد مؤتمر سوتشي يومي 29 و30 جانفي 2017، الذي راهنت روسيا عليه لبناء عمليّة السلام في سوريا وحاولت أن تضع على نفس الطاولة ممثلي النظام السوري ومختلف عناصر الفصائل المعارضة، كما اشترطت حضور الأكراد، في تحدّ صارخ لتركيا التي قبلت بهذا الشرط في نطاق الصفقة التي عقدتها مع الرّوس حول التدخل العسكري في عفرين. ولكن سرعان ما أعربت المعارضة السورية قبيل المؤتمر عن عدم مشاركتها وكذلك ممثّلو الجانب الكردي. الولايات المتحدة من جهتها لم تشارك وكذلك فرنسا وبريطانيا، في حين عرف المؤتمر حضور مبعوث الأمم المتحدة الخاصّ، ستفان دي مستورا. وقد أسفر مؤتمر سوتشي عن تأليف لجنة دستورية من الحكومة والمعارضة الأكثر تمثيلا بغرض صياغة إصلاح دستوري يسهم في التّسوية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 2254، بالإضافة إلى الدعوة إلى إجراء انتخابات ديمقراطية. ولكن لم يتم التنصيص في البيان الختامي لا على تغيير النّظام القائم ولا على محاسبة المتّهمين بجرائم حرب، بينما تمّ التأكيد على وحدة الأراضي الســـورية وعلى تكوين دولة «غير طائفية تقوم على التعددية السياسية».

ولئن استبشر الطرفان الروسي والتركي بمخرجات مؤتمر سوتشي واعتبراه «مكسبا كبيرا رغم العقبات» فإنّ عدم مشاركة المعارضة السورية فيه وعدم اعترافها بمخرجاته، إلى جانب إصرارها على استكمال مسار جنيف، قد أضعف إلى حدّ كبير المبادرة الروسية. ومن المنتظر أن تحاول روسيا الضغط على المعارضة للقبول بما تمّ التوصل إليه أخيرا، وقد تستعمل لذلك الطرف التركي الذي يدعم العديد من الفصائل المعارضة المقاتلة على الأرض. في الأثناء، تتواصل المعارك بين قوّات سوريا الديمقراطية والقوّات التركية، مقوّضة بذلك كلّ إمكانية لإقرار سلام عاجل في سوريا حيث تتقاطع المصالح المختلفة. ولا يُعرف كم ستدوم عمليّة «غصن الزيتون» التركية وإن كانت واشنطن وموسكو تضغطان على تركيا كي لا تستمر هذه العملية طويلا، في حين تصرّ هذه الأخيرة على مواصلة التقدم في الأراضي السورية إلى حين الاستيلاء الكامل على عفرين ومنبج وخلق المنطقة الآمنة التي تريدها. يبقى السؤال: هل ستنجح تركيا في مسعاها؟ وإلى أيّ حدّ ستتواصل العمليّة دون تدخّل أيّ من القوى الرئيسية في المنطقة؟

حنان زبيس

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.