محمد ناظم الوسلاتي: بوليوود, سينما من الهند
الهند بلد مترامي الأطراف معروف بتنوّعه الثقافي والعرقي واللغوي، إضافة إلى تعدّد موارده الطبيعية والصناعية ممّا يجعله يتبوّأ مركزا متميزا بين بقية البلدان، خاصّة بصناعته الرّائدة في مجال التّرفيه الثقافي، ونعني بالخصوص سينما بوليوود. وهي سينما قد جلبت الأنظار خلال العقدين الأخيرين وأسالت كثيرا من الحبر في الصحافة العالمية وأولاها نقّاد السينما عناية كبيرة. غير أنّ الإلمام بهذه الصناعة السنيمائية لا يزال محدودا، سطحيا، وخاليا في بعض الأحيان من الموضوعية.الحقيقة أنّ الهند لا تزال أكبر منتج للأفلام في العالم، حيث تنتج أكثر من 800 فيلم سنويا. قبل بضعة سنوات تجاوز هذا الرقم 1000 فيلم في السنة، حيث أنّ ما يقارب 90 % من الإنتاج السينمائي في الهند ينتمي إلى «السينما الشعبية» كما يسمّيها نقّاد السينما والتي هي على نقيض السينما الفنية والتجريبية التي تعتبر حكرا على النّخبة المثقّفة وتحظى باهتمام كبير في الغرب من خلال أعمال «ساتياجيت راي»، «مريمالسين» و«أدور بالاكريشنان».
كما تعتمد صناعة السينما في الهند على العديد من مراكز الإنتاج وذلك حسب اللغة المستعملة (الهندية والتاميلية والتيلوجو والبنغالية وغيرها). وتعتبر مومباي (بومباي سابقا)، العاصمة الاقتصادية للهند وفي نفس الوقت مركز الإنتاج الرئيسي الأكثر شهرة لصناعة السينما الهندية الشعبية، التي أطلق عليها تسمية ’’بوليوود’’ في أواخر السبعينات.
في الواقع، هذه التسمية لا تطابق الواقع الجيو اقتصادي لأنّ بوليوود ليس لها وجود كمكان مادي، مثلما هو الحال لهوليود وهي منطقة في مدينة لوس أنجلوس في ولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية وتعتبر المركز التاريخي لإنتاج الأفلام والعاصمة العالمية لسينما، هذا دون أن ننسى أن بوليوود تنتج فقط 25 في المائة من مجمل الأفلام التي يتمّ إنتاجها سنويّا في الهند.
إنّ السينما في الهند ليست مجرّد فنّ بل هي عقيدة لها طقوسها وتقاليدها، فهي بمثابة الفريضة اليومية التي يمارسها الهنود والتي تمكّنهم من راحة نفسية بعد تأديتها.
ولكن ما يمكن ملاحظته هــــو أنّ بوليــــوود لا تروق كثيرا للغرب، ولئن حظيت هذه السينما في السنوات الأخيرة باهتمام متجدّد ومتزايد. فهي منبوذة من قبل بعض الأكاديميين ونقّاد السينما والمفكّرين في الغرب فلطالما وصفوها بسينما الهروب من الواقع، إذ هي تكرّر باستمرار نفس القصص وتسعى دائما إلى تطوير جماليات صاخبة ومبتذلة بعيدة كل البعد عن المجتمع والثقافة الهندية.
في الواقع، لا توجد رغبة حقيقية في إجراء فحص دقيق ومعمّق لآليات سير هذه الصناعة الثقافية الخاصّة جدّا وعملها، لأنّ هناك محاولة لوضع أيّ ثقافة متميّزة تحت وصاية الثقافة السائدة التي تريد إجبارها على الامتثال لقوالب وأنماط ثقافية معيّنة. ففي حالتنا هذه، الغرب، وخاصّة الولايات المتحدة الأمريكية، هو الذي يملي قوانينه ويفرض ايديولوجيته ويصدّر أفكاره إلى بقيّة العالم. فهذا الغزو الثقافي يهدّد باستمرار هويّة مختلف الشعوب المجبورة على الانصياع لغير إرادتها، ويساهم بشكل أساسي في ترسيخ الثقافة الغربية والقضاء تدريجيّا على المرجعيات الثقافية الخاصّة بكل بلد. ومع ذلك، فقد كانت الهند قادرة على الصّمود أمام الهجمة الشّرسة للثقافة الأميركية وحاولت أن تحافظ بكلّ الوسائل على القيم والمبادئ التي تعتبر الرّكيزة الأساسية للمجتمع الهندي مثل العلاقات الأسرية والديانة والصداقة وانتصار الحقّ على الباطل إلخ...
فبوليوود هي بالدّرجة الأولى سينما فريدة من نوعها ومختلفة عن بقيّة الأنواع السينمائية المتعارف عليها خاصّة وأنّها في قطيعة تامّة مع الواقع وقد اختــارت عمدا الابتعاد عن اللغة السينمائية العالمية والاتجاهات الفنية الغربية لتنخرط في سياق ثقافي محلّي، بما في ذلك اعتمادها على معايير خاصّة بها كتحديد مدّة العرض (معدل ساعتين ونصف لكل فيلم) مع إقحام مقاطع غنائية راقصة في النسيج الروائي (بمعدل 6 أغان في الفيلم الواحد) وتحديد مقاييس الرقابة الخاصّة بها إلخ... لهذه الأسباب فهي لا تروق لكافّة الأذواق خاصّة بالنّسبة إلى أولئك الذين ليسوا على دراية بطبيعة هذه الأفلام وخصوصيتها.
لذلك، من الأفضل أن نترك جانبا الكمّ المعرفي ومقاييس الأحكام الجمالية المتّفق عليها عند الغرب لتسهيل عملية التقييم والفهم الموضوعي للأفلام الهندية المتجذّرة في الأساطير الهندوسية (ماهابهاراتا ورامايانا)، إضافة إلى الموسيقى والرقص والمسرح الكلاسيكي المحلّي. وربما كانت هذه هي الحلقة المفقودة في علاقة هذه السينما مع الغرب، الذي لم يع بعد أنّ السينما فنّ شامل وجامع لبقية الفنون الأخرى.
محمد ناظم الوسلاتي
- اكتب تعليق
- تعليق