الحبيب التّهامي: قراءة إحصائية في ظاهرة الزيجات فــي تونــس بــيــن 2011 و2015
سألني زميل في الدّراسة والتّدريس يوما عن التّأثير المحتمل للثورة التونسية في تطوّر بعض المعطيات الديمغرافية كعدد الزيجات، فأجبته أنّه يجب الانتظار سنوات عديدة حتّى تتوفّر لدينا المعلومات الكافية للبتّ في المسألة لأنّ علم الديمغرافيا يهتمّ أساسا بالتغيّرات الطويلة المدى التي تبرز إمّا قطيعة مع الماضي وإمّا ترسيخا لاتّجاه وقع إثباته من قبل. ومع ذلك فإنّه من المفيد أن نقف هنا عند بعض المعطيات الكميّة التي تخصّ تطوّر عدد الزيجات بين 2011 و2015 دون أن نستنتج منها خلاصة نهائية وذات مغزى.
بلغ متوسّط عدد الزّيجات بين 2011 و 2015 ما يقارب 105212 زيجة سنويا، وبلغ هذا العدد أقصاه في سنة 2014 (108845) ليتقهقر نسبيا إلى 108456 في سنة 2015 و98072 في سنة 2016. وعند المقارنة بتركيبة الفئات العمرية التي هي في سنّ الزّواج حسب القانون يتّضح أنّ نقص عدد الزّيجات في 2016 بالنسبة إلى سنة 2014 ولمعدّل الزيجات في الفترة 2011 / 2015 ظاهرة لا يمكن أن تُفسَّر ديمغرافيا بالرّجوع فقط إلى حجم الفئات العمرية لأنّ شرح الأسباب والمسبّبات في هذه الحالة يتطلّب تحليلا شاملا متعدّد الوجوه يدخل ضمن مشمولات علم الاجتماع. وفي كلّ الأحوال فإنّ العزوف عن الزّواج ظاهرة شبه عامّة في العالم العربي بخلاف ما يقال وينشر هنا وهناك حول تونس وذلك لأسباب اقتصادية واجتماعية وثقافية عديدة منها البطالة والظّروف السكنية والمعيشية ومنها طول مدّة التعلّم ومنها أيضا تغيّر العقليات ولم تسلم من ذلك إن صح القول حتى البلدان التي تحكمها الشريعة كإيران والمملكة السعودية والكويت والإمارات.
على أنّ التدقيق في المعلومات المتوفّرة لحدّ الساعة والمتعلّقة بتطوّر عدد الزيجات حسب الجنس والفئات العمرية في الفترة المذكورة يبرز الخصائص التالية:
أوّلا: بلغ عدد النساء اللواتي لم يبلغن سنّ العشرين واللواتي تزوّجن في الفترة 2011 / 2015 ما يقارب 7288 سنويا (6.9 بالمائة من الزّيجات كمعدل) مقابل 439 في صنف الرّجال سنويا فقط (0.4 بالمائة من الزّيجات كمعدّل) سنّهم دون العشرين أيضا في الفترة نفسها وهذا يؤكد استمرارية ظاهرة قديمة حيث نلاحظ أنّ النساء يتزوّجن مبكّرا قبل الرّجال بفارق عمري لا يقلّ عن خمس سنوات كمعـدل. وتدلّ الإحصائيات المتعلّقة بالفترة المشــار إليهــا أنّ ذروة الزّواج عند النّساء بلغت 34.6 بالمائة كمعدّل بالنسبة إلى الفئة العمرية 25 / 29 سنة في حين بلغت نسبة الزواج عند الرّجال ذروتها 33.3 بالمائة كمعدّل بالنسبة إلى الفئة العمرية 30 / 34 سنة.
ثانيا: بلغ عدد النساء اللواتي لم يتجاوز عمرهن العشرين سنة واللواتي تزوّجن في سنة 2011 ما يقارب 6504 ليقفز إلى 7702 في 2012 و 7592 في 2013 لينخفض بعد ذلك إلى 6873. أمّا عدد الرّجال الذين لم يبلغوا سنّ العشرين والذين تزوّجوا في نفس الفترة فإنّه تطوّر من 228 في سنة 2011 إلى 672 في 2013 و694 في 2014 لينخفض إلى 272 في 2015. ومعنى ذلك أنّ التطورات السياسية والعقائدية التي حصلت في تونس بعد 14 جانفي 2011 لم تفض إلى قلب المعطيات الديمغرافية المتعلّقة بالزّواج وسنّه ولو أنّها شجّعت لحدّ ما على الزّواج المبكرّ بالنسبة إلى الرجال في فترة قصيرة نسبيا حسب ما يظهر والدّليل على ذلك أنّ سير الأمور رجع إلى ما كان عليه في السّابق طبق ما أشرنا إليه.
ثالثا: إذا اعتبرنا الفئات العمرية الواقعة بين 50 سنة فما فوق نلاحظ أنّ نسبة الزيجات في الفترة 2011 / 2015 بلغت 5.5 بالمائة عند الرّجال و1.6 بالمائة فقـط عند النّســاء ممّا يدلّ على صعــوبة الزّواج بعد سنّ الخمسين عندهنّ مقارنة بالرّجال، وهـذه أيضـا خاصيّة اجتماعية وديمغرافية لم تتغيّر بفاعل مـا إبّان الفترة المذكورة.
لقد أكّدت عدّة مرّات أنّ منحــى أغلب المعطيــــات الديمغرافية لا يتغيّر أساسا إلاّ في الأمد الطويل (عشر سنين فما فوق) وأنّ بعض التغيّرات التي تحصل في الأمد القصير والمتوسّط تكون إمّا عارضة لا تبشّر بتغيّر انحائي كزيادة الزّيجات عند الرّجال الذين سنّهم لم تتجاوز عشرين سنة في الفترة 2012 / 2014 وإمّا بنيوية ناتجة عن تركيبة الهرم السكاني أو تأخّر أو تقدّم في روزنامة الخصوبة كزيادة الولادات بين 2011 و2014 مثلا. وبالتالي فإنّه يجب الوقوف أمام المعطيات الديمغرافية التي تهمّ الأمد القصير والمتوسّط وقفة المتأمّل الحذر الذي يرفض استخلاص أيّ نتيجـة منها في انتظـار ما تفضي إليه هذه المعطيات في الأمد الطّويل.
الحبيب التّهامي
- اكتب تعليق
- تعليق