عادل الأحمر: مـــريـــض بِـالعُــطعِـط

 عادل الأحمر: مـــريـــض بِـالعُــطعِـط

مررت اليوم على العيّاش، فقيل لي في إدارته إنّه ما جاش، إذ أرسل شهادة طبية، حصل بمقتضاها على إجازة  مرضية، فقلت في نفســـي: «لا بــدّ أن أقــوم بزيارته، لأطمئنّ على صحّته»، فهو في مثل هذه المناسبات صاحب واجب، يسأل عن كلّ صــديق مــريض أو تاعب.

ولمّا طرقت باب بيته خرجت لي زوجة العيّاش، والدّمع يبلّل عينيها والأرماش، فخلت أنّ صاحبي مشى فيها، أو ضرب مرضة بوالديها، فسارعت إلى مدام العيّاش بالسّؤال: «طمأنيني بالله عن الأحوال، ولا تخفي عنّي الحقيقة ولو كانت موجعة شويّة»، فأجابت ضاحكة: «صاحبك لا سو لا سوية، وأهوكة في القهوة كي عادتو، لامم بيه جماعتو»، فقلت: «لكن سامحني: لماذا إذن هذا البكاء، والعيّاش ما بيه حتى بلاء؟»، فأرسلت من توّها ضحكة غريبة، أدخلت في الشكّ والريبة، ثمّ أجابت وهي تمسح عينيها، وتكفكف الدمع عـن خدّيها: «مـاني كنـت في الكوجينة نقصّ في البصل، صاحبك يحبّ على مرمــز: هاذيكة الحكاية الكلّ !».

تركت زوجة العيّاش وضحكاتها في أذني تتابعني، حتّى وصلت إلى حيث صاحبــي، ودون سابق إنذار، أطلقت عليه النّار: «والله لا تحشمها ولا عندك ضمير، لا يزّي هارب م الخدمة تزيد تركّب لي بوصفير! وآخر لمخاير تضحك عليّ مرتك، وأنا كي البهلول مشى في بالي عزرائيل هزّك، وسيادتك مريض بالعطعط، الراس ع المخدة والقرجومة تزعط ، فرد عليّ بجواب نصفه هزل ونصفه جدّ: «والله يا صاحبي مريض بالمجَدْ»، فقلت له: «وماذا يفعل في المقهى مريض ؟»، فأجابني بعد تكشير عريض: «دعك يا صديقي مــن الغباء! فالقهوة جزء من الدواء».

وإزاء مـــا أبديته من استغــراب، شــرح لي العيّاش الأمـر باقتضاب: «يا سيدي كنت عند بسيكياتر مشهور، أعطاني راحة بثلاثة شهور، وقال لي: «تفرهد وارتاح، وما تفكّرش في الخدمــة لا ليــل لا صبـــاح». فقلــت له: «إيه، وكيف برولت الطبيب، ليمنحك هذا الكونجي العجيب ؟»، فأجابني بلغـــة الغــاضــب: «ردّ بالك آش تقول يا صاحب، هذا  طبيب أمورو قد قد، وكلمتو لا ترد، وإذا تحــبّ التفاصيل قلت لو عندي ستراس،  وما عادش نحــبّ نشوف الناس، وزيد مع الستراس اكتئاب، كرّهني حتــى في الأحباب». فقلت: «أمن أجل هذا بصراحة، ضــربك بتسعين يوم راحة؟»، فأجـاب: «ليس هذا فقط، ماو زدت قلتلو: عندي أفكار سوداء، نحبّ نقتل مديري والزملاء، وإيذا نزيد في الخدمة نهار، نولّي نخمّم في الانتحار».

ولما قلت للعيّاش: «هذا كذب وتحيّل وزور»، ردّ عليّ: «اخي إنت تعرف خير م الدكتور؟ راهو اختصاصي كبير في الأمور النفسية، وزيد زيادة أخــرى: توّه إنت صاحبي وما عندكش ثيقة فيّ؟». فقلت ساخرا: «لا هكّاكة ديما ماشي معاك بالنية، أمّا إذا عديتها ع الطبيب ما تعديها ش عليّ، فمسرحية أعمل روحك مهبول، وجيب رخصة من بسيكياتر على خاطر ما يعملوش عليه كونترول، مسرحية قديمة شوية، كلات قلب الإدارة والمؤسّسات العمومية».

وعندما سمع منّي العيّاش هذا الكلام، قام  متبرّما وقال دون ســــلام: «اقعد فيها إنت واصحابك، أنـا طبيبي قــال لي: «ماتوتّرش أعصابك!»، وراك أنت مسؤول إن تعكّرت حالتي الصحية، واضطررت إلى تمديد إجازتي المرضية».

عادل الأحمر

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.