الطيب اليوسفي : إيقاف النزيف قبل فوات الأوان

عام يرحل وآخر يأتي في تونس والوضع العام تكتنفه الضبابية والأفق يعتريه الغموض .وفي هذا الخضم يواجه الانتقال السياسي صعوبات جمة تلقي بظلالها على مساره ومآله.

فلئن توفقت تونس إلى تجاوز الأسوء عقب الفترة التي شهدت اغتيالات سياسية وانفلاتا أمنيا وبروز تنظيمات موازية للدولة واحتدام الصراعات السياسية فإن ذلك لا يعني بالضرورة انتفاء المخاطر والمطبات.

فالاستحقاقات الأساسية للثورة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي بالخصوص بقيت مجرد شعارات وهو ما ولّد خيبة أمل كبرى لدى عموم التونسيين.

كما تبّين عدم ملاءمة النظام السياسي الهجين المنبثق عن دستور 27 جانفي 2014 للواقع التونسي في بلاد عاشت على امتداد عقود في كنف نظام رئاسي وفي ظل الطابع المركزي للسلطة.

كما أنّ المزاج العام لم يستوعب خاصيات النظام البرلماني المعدل، ثم أنّ رئيس الجمهورية المنتخب مباشرة من قبل الشعب يعتبر أنّ ذلك يجعله أكبر من أن تنحصر صلاحياته في مسئوليات محدودة.

تنضاف إلى هذا المعطى معضلة الأحزاب السياسية في تونس فالواقع يبين أنّ أغلبها تشقها خلافات وصراعات وتتسم بطغيان الأنا وليس لها وجود فعلي على الأرض.

بالتوازي تتفاقم القطيعة بين الطبقة السياسية و الرأي العام ويزداد النفور من العمل السياسي ومن كل ما له علاقة بالشأن العام. ومما يزيد الطين بلة تردّي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وهو ما يبرز من خلال تفاقم المديونية العمومية بصفة غير مسبوقة وبلوغ عجز الميزان التجاري مستوى قياسيا وانهيار قيمة الدينار وارتفاع نسبة التضخم وتقلص احتياطي العملة الصعبة وتفاقم عجز المؤسسات العمومية والصناديق الاجتماعية وصندوق التعويض.

يقترن كل ذلك باستضعاف الدولة وتفشي الانفلات وتوخي سياسة التنازلات والخضوع للابتزاز و الضغوطات، أضف إلى ذلك ما يشوب الوضع الجيوسياسي الإقليمي من اضطراب تنعكس سلبا على الأوضاع الداخلية.

لكل ذلك لا مناص من الإقدام على مبادرات شجاعة وجريئة لتصحيح الأوضاع وإيقاف النزيف قبل فوات الأوان وإعادة الثقة إلى النفوس وتوضيح الرؤية.