الأستاذ رافع بن عاشور: الوضع القانونيّ الدّوليّ لمدينة القدس
إثر إعلان الرّئيس الامريكيّيوم 6 ديسمبر 2017 دونالد ترامب الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل وقراره نقل سفارة بلاده إليها(1)، لا بدّ من استجلاء الوضع القانونيّ الدّولي لهذه المدينة المقدّسة حتّى نتمكن من الوقوف على عواقب إعلان الرّئيس الأمريكيّ.
الوضع القانونيّ للقدس في ضوء قرار تقسيم فلسطين لسنة 1947: كيان منقصل/Corpus separatum
خصّ قرار تقسيم فلسطين(2) لسنة 1947 مدينة القدس المقدّسة بوضع قانونيّ متميّز اذ اعتبرها كيانا منفصلا (Corpus separatum)" خاضع لنظام دوليّ خاصّ، وتتولّى الأمم المتّحدة إدارتها، ويُعيّن مجلس وصاية ليقوم بأعمال السّلطة الإداريّة نيابة عن الأمم المتّحدة". ويهدف هذا الوضع القانونيّ الخاصّ، حسب القرار،إلى "حماية المصالح الرّوحيّة والدّينيّة الفريدة الواقعة ضمن مدينة العقائد التّوحيدية الكبيرة الثّلاث المنتشرة في مختلف أنحاء العالم -المسيحيّة واليهوديّة والإسلام- وصيانتها، والعمل لفائدة هذه الغاية بحيث يسود النّظام والسّلام -السّلام الدّينيّ خاصّة- مدينة القدس".
وقد اعتزم قرار التقسيم إرساء منطقة منزوعة من السّلاح في محيط القدس تقع تحت وصاية مجلس الوصاية التّابع للأمم المتّحدة. وكان المجلس مطالبا بإعداد دستور مفصّل للقدس وتعيين حاكم عليها. كما كان من المقرّر إنشاء مجلس تشريعيّ منتخب بالاقتراع العامّ السّرّيّ ينتخبه سكان مدينة القدس البالغين. وحدّدت مدة سريان الدّستور بعشر سنوات تقع بعدها إعادة النّظر في أحكامه من قبل مجلس الوصاية.وعندئذ، يكون للمقيمين في المدينة الحرّية في الإعلان، بطريق الاستفتاء، عن رغباتهم في التّعديلات الممكن إجراؤها على نظام المدينة.
إلاّأنّ رفض العرب قرار التّقسيم والحرب الّتي نشبت سنة 1948، حالتا دون تطبيق هذا القرار. وبعد إعلان قيام دولة إسرائيل، تمّ تجاهل هذا النّظام القانونيّ الخاصّ من قبل الدّولة الحديثة، وقسّمت القدس إلى قسمين: القدس الغربية الواقعة تحت الحكم الإسرائيليّ والقدس الشّرقيّة (تضم مدينة القدس القديمة) الواقعة تحت الحكم الأردنيّ.وتفصل بينهما منطقة مجرّدة (no man’s land). وتقع، حسب هذا التقسيم، أغلبيّة الأماكن المقدّسة تحت سيطرة الأردن.
نتائج احتلال القدس سنة 1967
وفي سنة 1967، وعلى إثر حرب الستّة أيّام، احتلّت إسرائيل مدينة القدس بأكملها. ومنذ ذلك الحين، وقع تشديد إجراءات دخول المصلّين إلى باحات المساجد.
وتبعا للغزو الإسرائيليّ، اعتمد مجلس الأمن، قراره الشّهير عدد 242 المؤرّخ في 22 نوفمبر1967(3) والّذي جاء فيه أنّالمجلس:
- "يؤكد عدم شرعيّة الاستيلاء على الأراضي عن طريق الحرب، والحاجة إلى سلام عادل ودائم تستطيع أن تعيش فيه كل دولة في المنطقة.
- ويؤكد أيضاً أنّ جميع الدّول الأعضاء عندما قبلت ميثاق الأمم المتّحدة، التزمت بالتصرّف، وفقاً للمادّة الثّانية منه.
1- يعلن أنّ تطبيق مبادئ الميثاق يتطلّب إقامة سلام عادل ودائم في الشّرق الأوسط. وهذا يقتضي تطبيق المبدأين التاليين:
أ- انسحاب القوّات الإسرائيليّة من الأراضي الّتي احتلّتها (في النّصّ الإنجليزيّ: "من أراضِ احتلتها") في النّزاع الأخير.
ب- أن تنهي كلّ دولة حالة الحرب، وأن تحترم وتقرّ الاستقلال والسّيادة الإقليميّة والاستقلال السّياسيّ لكلّ دولة في المنطقة، وحقّها في أن تعيش في سلام في نطاق حدود مأمونة ومعترف بها متحرّرة من أعمال القوّة أو التّهديد بها".
ويؤكّد المجلس من جديد في عديد القرارات الأخرى:
- "رفضه الاستيلاء على الأراضي بالغزو العسكري"(4).
- و"(يعتبر ) أنّ جميع الإجراءات الإداريّة والتّشريعيّة، وجميع الأعمال الّتي قامت بها إسرائيل، بما في ذلك مصادرة الأرضي والاملاك، الّتي من شـأنها أن تُؤدّي إلى تغيير في الوضع القانونيّ للقدس، هي إجراءات باطلة، ولا يمكن أن تغيّر في وضع القدس"(5).
- و" ]يقرر[ أنّ جميع التّدابير الّتي اتّخذتها إسرائيل لتغيير المعالم المادّية والتّركيبة السكّانية والهيكل المؤسّساتي في الأراضي الفلسطينيّة وغيرها من الأراضي العربيّة المحتلة منذ عام 1967، بما فيها القدس، أو أيّ جزء منها، ليس لها أيّ مستند قانونيّ"(6).
إلاّ أنّ جميع هذه القرارات لم تجد، رغم أنّأغلبها اتّخذ بالإجماع، أيّ صدى لدى المستعمر الإسرائيليّ.
ومن جهتها، أكّدت الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة موقف مجلس الأمن في قراراتها عدد 2255 المؤرّخ في 4 جويلية 1967 والقرار عدد 2254 المؤرّخ في 17 جويلية 1967(7).
إعلان القدس عاصمة إسرائيل لا يغيّر من وضعها القانوني كمدينة محتلّة
ومواصلة للسّياسة الإسرائيليّة في تحدّي الشّرعيّة الدّوليّة، تبنّى الكنيست الإسرائيليّ في 30 جويلية 1980 القانون الأساسيّ حول القدس. وتنصّ المادّة الأولى من هذا القانون على أنّ: "القدس الكاملة والموحّدة هي عاصمة إسرائيل"(8).
وقبل الصّدور الشّكليّ للقانون، ردّ مجلس الأمن الدّوليّ الفعل في 30 جوان 1980، فأصدر قراره عدد 476 خلال جلسته 2242 بـ: 14 صوتا مع القرار وامتناع الولايات المتّحدة الأمريكية عن التّصويت.
وينصّ هذا القرار على ما يلي:
"يؤكدمجلس الأمن الدّوليّ مجددا أنّه لا يجوز الاستيلاء على الأرض بالقوة.
ويضع في اعتباره الوضع الخاصّ بالقدس خصوصا ضرورة حماية البعدالرّوحيّالدّينيّ الفريد للأماكن المقدّسة في المدينة والحفاظ على هذا البعد.
كما يشجب استمرار إسرائيل في تغيير المعالم المادّية والإطار الجغرافيّ والهيكل المؤسّساتيّ ووضع مدينة القدس الشّريف.
ويساوره بالغ القلق إزاء التدابير التّشريعيّة التي اتخذها الكنيست الإسرائيليّ لتغيير طابع مدينة القدس الشّريف ووضعها.
1- ويؤكد، من جديد، الحاجة الملحّة إلى إنهاء الاحتلال المطوّل للأراضي العربيّة الّتي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967، بما فيها القدس؛
[…]
2- ويؤكد من جديد أيضا أن جميع التّدابير والأحكام التّشريعيّة والإداريّة الإسرائيليّة الرّامية إلى تغيير طابع مدينة القدس الشّريف ووضعها ليس لها أيّ شرعيّة في القانون وتشكّل انتهاكا صارخا لاتّفاقيات جنيف والمتعلقة بحماية المدنيّين في وقت الحرب، كما تعرقل بشكل خطير تحقيق سلام شامل وعادل ودائم في الشّرق الأوسط.
3- ويؤكد من جديد أنّ جميع التّدابير الّتي غيّرت الطّابع الجغرافيّالدّيمغرافي التّاريخي لمدينة القدس الشّريف ومركزها باطلة ولاغية ويجب الإبلاغ عنها وفقا لقرارات مجلس الأمن ذات الصّلة؛
4- يحث إسرائيل، السّلطة القائمة بالاحتلال، على التقيّد بهذا القرار وقرارات مجلس الأمن السّابقة، وأن تكفّ فورا عن مواصلة تنفيذ السّياسات والتّدابير الّتي تؤثر في طابع مركز مدينة القدس الشريف ووضعها".
وأمام التّجاهل التّامّلهذا القرار، لم تعلّق إسرائيل تبنّي الكنيست القانون الأساسيّ حول القدس. ومجدّدا، كان ردّ مجلس الأمن حازما إذ اتّخذ نفس عبارات القرار عدد 476 (1980) في نصّ قراره عدد 478 المؤرخ في 20 أوت 1980 خلال جلسته 2245 (14 صوتا مع، 0 معارض وامتناع وحيد من قبل الولايات المتّحدة الأمريكية).
وبموجب هذا القرار، فإنّ مجلس الأمن:
1- يندّد بأشدّ العبارات بتبنّي إسرائيل" القانون الأساسيّ" بشأن القدس ورفضها الامتثال لقرارات مجلس الأمن ذات الصّلة؛
2- يؤكد أنّ اعتماد "القانون الأساسيّ" بشأن القدس يشكّل انتهاكا للقانون الدّوليّ ولا يؤثر على مواصلة تطبيق اتفاقية جنيف المتعلقة بحماية المدنيّين وقت الحرب المؤرّخة في 12 آب / أغسطس 1949،على الأراضي الفلسطينية والأراضي العربية الأخرى المحتلّة منذ عام 1967، بما فيها القدس؛
[…]
3- يقرّر عدم الاعتراف بـ ''القانون الأساسيّ'' وغيره من أعمال إسرائيل الّتي تسعى بموجب هذا القانون إلى تغيير طابع القدس ووضعها ويطالب:
أ- جميع الدّول الأعضاء بقبول هذا القرار،
ب- الدّول الّتي أنشأت بعثات دبلوماسيّة في القدس بسحب هذه البعثات من المدينة المقدّسة".
وعلى غرار القرار عدد 476 (1980)، لم يقع تطبيق القرار عدد 478 لسنة 1980 من قبل إسرائيل إلاّأنّ الدّول الأعضاء بمنظمة الأمم المتّحدة، ورغم القانون الأساس حول القدس، امتنعت عن نقل مقرّات بعثاتها الدّبلوماسيّة من تل ابيب إلى القدس.
ويُستنتج من القرارين السّابقين لمجلس الأمن أنّ مدينة القدس، رغم مكانتها التّاريخيّة ورمزيتها الدّينيّة، هي من وجهة نظر قانونيّة بحتة،مدينة محتلّة والنّظام القانونيّ الّذي لا بدّأن تخضع له هو اتّفاقية جنيف الرّابعة(9) بشأن حماية الأشخاص المدنيّين في وقت الحرب المؤرّخة في 12 أوت/اب/أغسطس 1949(10).
وفي حين واصل المجتمع الدّوليّ، ولا سيّما مجلس الأمن، بقلق التطوّرات المتعلّقة بقضيّة فلسطين، اتّخذ المجلس خطوة هامّة في اعتماده في 12 تشرين الأوّل / أكتوبر 1990 القرار عدد 672، في أعقاب أعمال العنف الّتي ارتكبتها قوات الأمن الإسرائيليّة في المسجد الأقصى. وبعد أن أدان المجلس بشكل خاصّ أعمال العنف الّتي ارتكبتها قوات الأمن الإسرائيليّة، والّتي نتج عنها قتلى وجرحى، حثّ إسرائيل على:
"أن تفي بدقّة بالالتزامات والمسؤوليات القانونيّة المنوطة بها بموجب اتّفاقية جنيف الرّابعة المتعلّقة بحماية السكّان المدنيّين في وقت الحرب، المؤرّخة في 12 آب / أغسطس 1949، التي تنطبق على جميع الأراضي الّتي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967".
وقد أعاد مجلس الأمن التّأكيد على انطباق اتّفاقية جنيف الرّابعة على القدس في قراره المؤرّخ 20 كانون الأوّل / ديسمبر 1990، الّذي يعرب فيه عن بالغ قلقه إزاء تدهور الحالة "في جميع الأراضي الفلسطينيّة الّتي تحتلّها إسرائيل منذ عام 1967" بما فيها القدس "، ويطلب من إسرائيل الامتثال لها".
وظلّت الدّورة الاستثنائيّة الطّارئة العاشرة للجمعيّة العامّة(11)، الّتي افتتحت في عام 1997، مفتوحة. وفي استئناف شباط / فبراير 1999، أكّدت الجمعيّة العامّة تأييدها عمليّة السّلام في الشّرق الأوسط على أساس قرارات مجلس الأمن ذات الصّلة ومبدإ "الأرض مقابل السّلام". وفي تذكير وإشارة إلى قراراتها بشأن هذه المسألة، بما في ذلك قرارها 181(II) وقرارات مجلس الأمن، أكّدت الجمعيّة العامّة من جديد أنّ للمجتمع الدّولي مصلحة مشروعة، من خلال الأمم المتّحدة، في الانشغال بمسألة مدينة القدس وحماية الطّابع الرّوحيّالدّينيّ الفريد لهذه المدينة.وأكّدت من جديد أيضا أنّ جميع التّدابير الّتي اتخذتها إسرائيل، السّلطة القائمة بالاحتلال، والّتي غيّرت أو كانت ترمي إلى تغيير طابع القدس ومركزها القانونيّ وتكوينها الدّيمغرافي، لاغية وباطلة.
ومن جانبها، أقرت محكمة العدل الدّوليّة، في رأيها الاستشاري المؤرّخ في 9 تموز / يوليه 2004، الآثار القانونيّة النّاشئة عن تشييد جدار في الأرض الفلسطينيّة المحتلّة، بوضوح ما يلي:
"وفقا للقانون الدّوليّ العرفيّ [...]، فإنّ الإقليم يعتبر محتلاّ عندما يتمّ وضعه فعلا تحت سلطة جيش العدوّ [...].
و "وفقا للقانون الدّوليّ العرفيّ، احتلّت إسرائيل الأراضي المحتلّة بين الخطّ الأخضر [...] والحدود الشّرقية السّابقة لفلسطين المحتلّة في عام 1967 أثناء النّزاع المسلّح بين إسرائيل والأردن. ووفقا للقانون الدّوليّ العرفيّ، فإنّ هذه الأراضي المحتلّة هي التي تحتل فيها إسرائيل مركز السّلطة المحتلّة. إنّ الأحداث الّتي وقعت منذ ذلك الوقت في هذه الأراضي لم تغيّر شيئا في هذه الحالة. كل هذه الأراضي [...] (بما فيها القدس الشّرقية) تظلّ أراض محتلّة وتحتفظ إسرائيل بمركز السّلطة المحتلّة ".(12)
وبالإضافة إلى القرارات العديدة الّتي اتّخذها مجلس الأمن والجمعيّة العامّة، المذكورة أعلاه، تجدر الإشارة إلى أنّ الصّكوك القانونيّة (معاهدات) الّتي تلزم إسرائيل والأردن(13) أو إسرائيل ومنظّمة التّحرير الفلسطينيّة تعترف بنفس مركز المدينة المقدسة. وينطبق نفس الشّيء على معاهدة السّلام بين اسرائيل والأردن المؤرّخة في 26 تشرين الأوّل / اكتوبر 1994. وتحدّد هذه المعاهدة الحدود بين الدّولتين "بالرّجوع إلى الحدود بموجب الولاية [...] على النّحو المبيّن في المرفق "1-(أ)" ...، دون الإخلال بوضع أيّ إقليم خاضع لسيطرة من الحكم العسكريّ الإسرائيلي في عام 1967 (الفقرتان 1 و 2 من المادّة 3). وفيما يتعلّق بالملحق "1"، فإنّه يُوفّر الخرائط المقابلة ويضيف أنّه فيما يتعلّق ب "الأراضي الّتي تمّت إزالتها تحت سيطرة الحكومة العسكريّة الإسرائيليّة في عام 1967"، فإنّ الخطّ الّذي رسم على هذا النّحو هو "الحدود الإداريّة" مع الأردن.
وبالإضافة إلى ذلك، أبرمت منذ عام 1993 عدّة اتفاقيات(14) بين إسرائيل ومنظمة التّحرير الفلسطينيّة تضع التزامات مختلفة على عاتق كلّ طرف. وبموجب هذه الاتّفاقات، كان من المقرّر أن تنقل إسرائيل للسّلطات الفلسطينيّة سلطات ومسؤوليات معيّنة تمارسها سلطاتها العسكريّة وإدارتها المدنيّة في الأرض الفلسطينية المحتلة. وقد حدثت هذه التحويلات، ولكن نتيجة للأحداث اللاّحقة، فإنّها ظلت جزئيّة ومحدودة ومنتهكة بشكل كبير من قبل إسرائيل.
وعلى ضوء كلّ هذه الصّكوك الدّوليّة والقانون الدّوليّ العامّ (العرفيّ)، من الواضح جدّا أنّ مدينة القدس المقدّسة تعتبر أرضا محتلّة حتّى يومنا هذا، وأنّ إسرائيل ليس لها سوى ولاية قانونيّة تستمدّها من صفتها كسلطة احتلال. إنّ إعلان القدس عاصمة للدّولة لا يعتدّ به أمام المجتمع الدّوليّ ككلّ،إذ أعلن صراحة وبشكل مستمرّ أنّها لا تتّفق مع القانون الدّوليّ وتعتبر باطلة ولاغية.وهذا فعل غير شرعيّ دوليّا. إنّ وجود المؤسّسات السّياسيّة الإسرائيليّة في هذه المدينة لا يغيّر هذه المؤهّلات القانونيّة والوضع القانونيّ للاحتلال الّذي تحقّق بعد غزو مسلّح وصف "بغير المقبول". وبالتاّلي، فإنّ الإطار القانونيّ الدّوليّالوحيد المنطبق على المدينة المقدّسة هو اتّفاقيّة جنيف الرّابعة.
إعلان ترامب: فعل غير مشروع دوليّا
إنّ القرار الّذي أعلنه رئيس الولايات المتّحدة في 6 كانون الأوّل/ ديسمبر 2017 بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة الولايات المتّحدة هو من النّاحية القانونيّة مجرّد واقعة لا تترتّب عنها آثار قانونيّة دوليّة فيما يتعلّق بالوضع القانونيّ للقدس. لقد أعلن ترامب أنّ "الوقت قد حان للاعتراف رسميّا بالقدس عاصمة لإسرائيل". ويعتبر هذا الإعلان، بالنّسبة إليه، مجرّد اعتراف بــ "الواقع" البسيط وذلك بعد "ما يزيد عن عقدين من الاستثناءات" للقانون الأمريكيّ لسنة 1995 الّذي يفرض نقل السّفارة الأمريكيّة من تل أبيب إلى القدس.
ويعدّ "الواقع" الّذي يتكلّم عنه رئيس الولايات المتّحدة من الوجهة القانونيّة مجرّد أمر واقع لا تنشأ عنه حقوق قابلة للتّنفيذ أو وضعيات قانونيّة. أمّا بالنّسبة إلى قانون الولايات المتّحدة لعام 1995، فإنّه لا يعتبر حقا قانونيّا صالحاذلك أنّ القانون المحلّيوفق القانون الدّوليّ هو مجرّد "واقعة" بسيطة.
وفي هذا السّياق، وفي قرار شهير لمحكمة العدل الدّوليّة الدّائمة (سلف محكمة العدل الدّولية)، أكّدت المحكمة على ما يلي: "في ضوء القانون الدّوليّ والمحكمة الّتي هي جهازه، إنّ القوانين الوطنية هي مجرّد وقائع، تعبّر عن إرادة الدّول ونشاطها، شأنها شأن القرارات القضائيّة أو التّدابير الإداريّة"(15).
وقد أكّدت هذا المبدأ موادّ لجنة القانون الدّوليّ التّابعة للأمم المتّحدة لعام 2001 بشأن مسؤوليّة الدّول عن الأفعال غير المشروعة دوليّا، ولا سيّما المادّة 4 بعنوان "تصرّفات أجهزة الدّولة"، والّتي تنصّ على:
- يعدّ تصرّف أيّ جهاز من أجهزة الدّولة فعلا صادرا عن هذه الدّولة بمقتضى القانون الدّوليّ،سواء أكان الجهاز يمارس وظائف تشريعيّة أم تنفيذيّة أم قضائيّة أم أيّة وظائف أخرى، وأيّا كان المركز الّذي يشغله في تنظيم الدّولة، وسواء كان جهازا من أجهزة الحكومة المركزيّة أم جهازا من أجهزة وحدة إقليميّة من وحدات الدّولة.
- يشمل الجهاز أيّ شخص أو كيان له ذلك المركز وفقا للقانون الدّاخليّ للدّولة(16).
ومن الواضح ممّا سبق بسطهأنّ إعلان ترامب يجب أن يقوم على حجّة قانونيّة جادّة وواسعة النّطاق. كما أنّ ردود الفعل العاطفيّة، رغم تفهّمها، لا تؤدّي إلى أيّ مكان. ويُؤكّد هذا ما دعا إليه الرّئيس بورقيبة في خطابه الشّهير بأريحا في 3 مارس 1965أمام اللاّجئين الفلسطينيّين لعام 1948،أي قبل عامين من احتلال القدس إذ قال فيه:"على الفلسطينيّين أوّلا، ثمّ على العرب التمسّك بالشّرعية الدّوليّة لإرساء أساس متين لنضالهم السّياسيّ ".
ملحق: من الفيتو الأمريكيّ بمجلس الأمن إلى القرارA/ES-10L.22
رغم التّصويت الإيجابيّ لـ 14 عضوا، وجدمجلس الأمن نفسه مكبّلا بالفيتو الأمريكيّ يوم 18 ديسمبر 2017 ضدّ المشروع المقدّم من قبل مصر حول الوضع القانونيّ للقدس. ويُعدّ هذا الفيتو رقم 43 الّذي استعملته الولايات المتّحدة الأمريكيّة ضدّ المشروع الخاصّ بالوضع في الشّرق الأوسط بصفة عامّة وبفلسطين بصفة خاصّة.
وبعد مرور ثلاثة أيّام على الفيتو الأمريكيّ حول قرار مجلس الأمن المتعلّق بالوضع القانونيّ للقدس، تمّت دعوة الجمعيّة العامّة تأسيسا على قرار377 (V) المؤرّخ في 3 نوفمبر 1950 " الاتّحاد من أجل السّلام والمعروف بقرار أشيسون. وقد جاءت هذه الدّورة بطلب مقدّم من مجموعة الدّول العربيّة ومنظّمة التّعاون الإسلاميّ وفق قرار جامعة الدّول العربيّة عدد 8221 المعتمد خلال الدّورة غير العاديّة بتاريخ 9 ديسمبر بالقاهرة وقرار منظّمة التّعاون الإسلاميّ المعتمد بتاريخ 13 ديسمبر بمناسبة انعقاد القمّة غير العاديّة باستانبول. كما انعقدت هذه الدّورة بطلب من حركة دول عدم الانحياز.
وإذ تعهّدت الجمعيّة العامّة بمشروع مقدّم من قبل تركيا واليمن، فإنّها اعتمدت القرار A/ES-10/L.22 بـ 128 صوتا لفائدة المشروع و9 ضدّه بما فيها الولايات المتّحدة الأمريكيّة وإسرائيل و35 تحفّظا(17).
د- رافع ابن عاشور
(1) أنظر :https://www.whitehouse.gov/briefings-statements/statement-president-trump-jerusalem
(2) قرار الجمعيّة العامّة التاّبعة لهيئة الأمم المتّحدة رقم 181 والّذي أُصدر بتاريخ 29 نوفمبر 1947 تحت عنوان "حكومة فلسطين المستقبليّة". يتبنّى القرار تقسيم فلسطين إلى دولتين (عربية ويهودية) مع تحديد منطقة دوليّة حول القدس. وكانت نتيجة التّصويت كالآتي (33 مع، 13 ضد، 10 ممتنع). والدّول الّتي صوّتت مع هي: الولايات المتحدة الامريكية، أستراليا، بلجيكا، بوليفيا، البرازيل، كندا، كوستاريكا، الدّنمارك، جمهورية الدّومنيكان، جمهورية بيلاروس السّوفيتية الاشتراكية، الإكوادور، فرنسا، غواتيمالا، هايتي، إيسلندا، ليبيريا، لوكسمبورغ، هولندا، نيوزيلندا، نيكاراغوا، النّرويج، بنما، باراغواي، بيرو،الفيليبين، جمهورية بولونيا الشعبية، السّويد، تشيكوسلوفاكيا، جمهورية أوكرانيا السّوفيتية الاشتراكيّة، اتّحاد جنوب أفريقيا، اتّحاد الجمهوريات السّوفيتية الاشتراكيّة، أوروغواي وفنزويلا.
المصوّتون ضدّ: أفغانستان، المملكة العربية السّعوديّة، كوبا، مصر، اليونان، العراق، لبنان، باكستان، سوريا، تركيا و اليمن. وقد امتنع عن التّصويت: الأرجنتين، الشيلى، كولومبيا، سلفادور، هندوراس، المكسيك، يوغوسلافيا، المملكة المتّحدة، الإمبراطورية الأثيوبية.
(3) وقع اعتماده بالإجماع خلال الدورة 1382.
(4) القرار عدد 252 المؤرّخ في 21 ماي 1969 وقع اعتماده خلال الدّورة 1126 وقد دعمته 13 دولة و 0 معارضة و2 امتناع (كندا والولايات المتّحدة الأمريكيّة).
- اتّخذ القرار عدد 267 المؤرّخ في 15 سبتمبر 1969خلال الدّورة 1485 بالإجماع.
- اتّخذ القرار عدد 271 المؤرخ في 15 سبتمبر 1969 خلال الدّورة 1512 ب: 11 صوتا مع، 0 ضدّ و4 امتناع (كولمبيا، الولايات المتّحدة الأمريكيّة، فنلندا والباراغواي).
- اتّخذ القرار عدد 465 المؤرخ في غرة مارس 1980 خلال الورة 2203 بالإجماع.
(5) القرار عدد 252 سابق الذّكر.
(6) القرار عدد 465 (1980) سابق الذّكر.
(7) بعنوان "التّدابير المتّخذة من قبل إسرائيل لتغيير وضعيّة القدس".
(8) النصّ القانون الأساسيّ حول القدس.
(9) على إثر المؤتمر الدّوليّ الّذي عقد في15 جويلية 1999، تبّنت الدّول الأطراف في الاتّفاقية الرّابعة إعلانا جاء فيه: "إنّ اتّفاقية جنيف الرّابعة تنطبق على الأراضي الفلسطينيّة بما فيها القدس الشّرقيّة". وفي 5 ديسمبر 2001، فيما يخص البند الأوّل من اتّفاقية جنيف الرّابعة لسنة 1949، أكّدت الأطراف السّامية المتعاقدة على "انطباق المعاهدة على الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة بما فيها القدس".
(10) المصادق عليها من قبل إسرائيل في 6 جويلية 1951.
(11) تحت عنوان "التّدابير الغير شرعيّة الّتي اتّخذتها السّلطات الإسرائيليّة في القدس الشّرقيّة وفي بقية الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة".
(12) الفقرة، 78.
(13) الاتّفاقية الإسرائيليّة الأردنيّة المؤرّخة في 26 أكتوبر 1994.
(14) بما في ذلك اتّفاقية أوسلو المؤرّخة في 13 سبتمبر 1997.
(15) قرار 25 ماي 1926، في بعض المصالح الألمانية في سليسيا العليا البولندية.
(16) تقرير لجنة القانون الدّوليّ عن أعمال دورتها الثّالثة والخمسين "مسؤوليّة الدّول عن الأفعال غير المشروعة دوليّا" المؤرّخ في26 نوفمبر 2001، A/56/589 ، ص8.
(17) اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار في 21 كانون الأول / ديسمبر 2017 بأغلبية 128 صوتا مقابل 9 أصوات (غواتيمالا، هندوراس، إسرائيل، جزر مارشال، ميكرونيزيا، ناورو، بالاو، توغو، الولايات المتحدة) الممتنعون عن التصويت (الممتنعون عن التصويت، الاتحاد الروسي، الأرجنتين، استراليا، إكوادور، ألمانيا، أندورا، أوروغواي، أوغندا، أنتيغوا وبربودا، أوروغواي، وملاوي، والمكسيك، وبنما، وباراغواي، والفلبين، وبولندا، ورومانيا، ورواندا، وجزر سليمان، وجنوب السودان، وترينيداد وتوباغو، وتوفالو، وأوغندا، وفانواتو).
- اكتب تعليق
- تعليق