خديجة توفيق معلَّى: كيف نقتلع داعش من عقول شبابنا وشيوخنا؟
"يحفظك حافظ القاضي، وينصرك ناصر حكيم، يا بُعد عين الحبيب بورقيبة"!
لم أكن أتصور في أجمل أحلامي أنّ قوة بورقيبة وزعامته وصلتا إلى مخيال الأمهات العراقيات اللآتي كنّ يتمنّين في دعواتهن لأبنائهنّ أن يكون الزعيم بورقيبة هو الذي يحميهم! لا أتصور أنّ أمهاتنا في الستينيات كان لهن مثل هذا الدعاء، وإن وجد، فأنا أتمنى معرفة محتواه.
أن تسمع أخبارا عن داعش أو تشاهد جرائمه في الإعلام شىء، لكن أن تقضي ثلاثة أسابيع في بغداد تستمع للعراقيين وخاصّة للعراقيات يروون ما حدث فذلك شىء آخر تماما وتجربة سوف تبقى في مخيلتي للأبد.
بقطع النظرعن من أنشأ داعش ومن حوَّلهُ من خيال مريض وفكر ظلامي مرعب إلى واقع مرير وكابوسمن أبشع ما يكون... وبقطع النظرعن كل نظريات المؤامرة التي يمكننا تخيلها، آن الأوان للاعتراف بوجود هذا الكيان بيننا والذي يحمل في خباياه فكرا أصوليا ظلاميا إلى أبعد الحدود، وجب التصدي له بكلّ الوسائل.
خلال وجودي هناك ، كنت أبذل قصارى جهدي للاستماع إلى القصص بكل ما أوتيت من امتلاك عالي الجودة لتقنيات المواجدة، لكن كأُمٍ تونسية، كنت أجد لاَوعيي يتحكم في وحدسي يريد أن يحذرني من الخطر الداهم على وطني ويجبرني على تذكر كل قصة أسمعها وكل واقعة وأن أستخلص العِبَرَ وأفكر في الحلول، لعل أوَّلُها أن أروي شيئاً مما سمعت.
قالت لي إحدى مناضلات المجتمع المدني: "من الأشياء التي طُلِبت من النساء في البداية هي عدم إرتداء شراب شفاف وإلاَّ يقع إطلاق الرصاص على أرجلهن"! عَجَبتُ لِعُهرِ هذا الفكر الذي تذهب به الدنائة إلى هذا المستوى من بشاعة هَوَسٍ مرضي، وإرادة التحكم في جسد المرأة وفرض تغطيته بأي ثمن.
وتذكرت ما حصل هذا الأسبوع، في قصر العدالة بتونس، حين أطردت قاضية تونسية سيدة أتت لحضور جلسة صلحية لأنها إعتبرت أن السنتمترين اللذين ظهرا من ركبتيها شيء غير لائق! وتساءلت لماذا نبحث عن داعش في الموصل أوالرقة في حين أنّ داعش موجود في محاكم التفتيش عندنا ومسؤوليتنا المشتركة أننا سمحنا له بترأس قضائنا. هؤلاء يبشرون بغد مظلم، ظلام نفس الفكر الذي يريد حرمان المرأة التونسية من أبسط حقوقها وهو اختيار لباسها حسب ذوقها وحسب تقديرها الشخصي لما يخدش الحياء.
وتذكرت أيضا أشباه الأيمة وأشباه الرجال الذين جالوا مقاهينا في شهر رمضان لتصوير أي مواطن، صدَّق نص دستورنا ومارس حقَّه المضمّن في فصله السادس الذي يضمن حرية المعتقد. كيف يمكن لأي حكومة تحترم نفسها أن تقبل هذا الفعل الداعشي بامتياز وتدّعي في الآن نفسه أنّّها تريد الحفاظ على هيبة الدولة؟ عن أي هيبة نتكلَّم إن لم نعتبر أن هذه الدولة داعشية بامتياز.
ووجدت نفسي أسأل السائق الذي قَدِم لاستقبالي في مطار بغداد عن أول داعشي قابله في الموصل؟ فقال لي كان لدي محل أنترنات، و كنا عشرة نمتلك محلات مماثلة حين أُخبرنا، بعد دخول داعش وتأسيسها لدويلة أن وزيرالإتصالات يرغب في مقابلتنا، فذهبنا. وبعد نهاية الحوار لم يتمالك سائقي من طرح السؤال على هذا الوزيرالذي كان يتكلَّم بلهجة معينة : إلى أيّ دولة تنتمي؟ فأجاب الوزير الداعشي أنه تونسي/فرنسي، درس في فرنسا وتحصل على الدكتوراه في الإعلامية! وبعد تدريب في إحدى المناطق الصحراوية تحت راية داعش، أُوتِي به إلى الموصل كي يشغل منصب وزير.
ثمّ نظرإليَّ السائق وقال لي: في السبعينيات، بعثت تونس بالعديد من الفلاحين لتعليمنا الزراعة، أريد أن أفهم، لماذا في 2014، بعثتم لنا بشبابكم كي يقتلنا تحت راية داعش؟ لم يكن في نبرة صوته أي حقد أو كراهية ولا حتى عتاب، فقط حزن عميق ودفين اخترق كل كياني بمثابة الخنجر وأحسست بنزيف في قلبي ودموع منعها كبريائي من السقوط، فبقيت في داخلي ونزلت قطرة...قطرة وأحرقت كل شراييني!
ووضعت نفسي مكان سفيرنا الذي تسلّم هذا الأسبوع أوراق إعتماده، وتساءلت عمَ عساه أن يفعل كي يمحي في ذاكرة العراقيين صورة شباب أجرم في حق شعب شقيق أعزل وحتّى يتمكَّن من أن يرسم من جديد في أذهانهم الصورة المشرقة لفلاحينا حين أتوا لنشر الخضرة في ربوع بلادهم. المراعي. ما أَبعد الأمس عن اليوم وكيف يمكن أن نختصر المسافات؟
وها هو الحاضر يصفعني اليوم مرة أخرى حين اختار عدد أعضاء جاليتنا بألمانيا شخص ظهر وهو يحمل راية داعش على مرآى ومسمع الجميع! ولسخرية القدر أن يتزامن هذا الحدث مع ما حصل في برلين السنة الماضية في احتفاليات رأس السنة وتساءلتُ بأي وجه ومنطق سوف يمثّل هذا النائب، جاليتنا التونسية في ألمانيا ويدافع أمام أنجلا ماركال عن حقوق جاليتنا وهو من مدافعي جزاري داعش، الذين لم يحترموا أبسط حقوق بعض الألمان ألا وهو حقهم في الحياة! وكيف سوف يتقبل الألمان هذا الخيارالإنتخابي، دون الخوف من أي تونسي سوف يقابلونهم في المستقبل؟
أنا مقتنعة أكثر من أي وقت مضى أنّ الصمت خيانة، وأليس خيانة وقبول الأمرالواقع خيانة! تونس تحتاج إلى وحدة الوطنيين كي يغيّٰروا المسار ويقلبوا موازين القوى! فالثورات مسارات تأتي عبرخطوات متتالية...لذا وجب استكمال ما بدأ حتى تتحقق الكرامة الإنسانية والعدالة الإجتماعية وتضمن الحقوق والحريات للجميع بدون استثناء.
ومثلما قال شي غيفارا: "علَّمني وطني أنّ دماء الشهداء هي التي ترسم حدود الوطن"! وحدود وطني رُسمت بدم شهداءنا من حشاد إلى بلعيد وسوف نواصل على نفس الطريق كي نبني للأجيال القادمة وطنا يحلم كل مشروع رضيع أن يولد فيه!
خديجة توفيق معلَّى
- اكتب تعليق
- تعليق