قمّة مجلس التّعاون الثّامنة والثّلاثون: هل دخل مجلس التّعاون مرحلة الموت السّريري؟
انعقدت القمّة الخليجية الثّامنة والثّلاثون في الكويت في موعدها السّنوي، لكنّها لم تحقّق الاّ هدفا واحدا راهنت عليه دولة الكويت في المقام الأوّل وهو عقد قمّة رغم الخلافات غير المسبوقة التي تعصف بالبيت الخليجي، وبذلك حرصت الدول الست بدرجة حماس متفاوتة على منع انهيار هذه المنظمة الإقليمية أو تأجيله إلى حين.
انعقدت القمّة ولم يحضرها قادة السعودية والبحرين والإمارات فيما حرص أمير دولة قطر على ترؤس وفد بلاده، لكنّ البيان الختامي لم يتعرّض للخلاف بين قطر وثلاثة من دول مجلس التّعاون ما يدلّ على رغبة هذه الدول في أنّ تظلّ الأزمة خارج أجندات المجلس، في المقابل حضرت إيران في هذا البيان بشكل مكثف يعكس الموقع الذي تحتلّه في هواجس قادة دول الخليج، سواء أكان ذلك في علاقة بما يحدث على ساحة الخلاف الخليجي أو بما تمثّله من تهديد مباشر للأمن القومي في المنطقة أو دورها المؤثر في اليمن لا سيما في ظلّ التطورات الدراماتيكية التي شهدتها الحرب هناك قبيل انعقاد القمّة.
بعد ساعات قليلـة مـن إعلان السعودية والإمــارات والبحرين ومصـر (وعــدة دول أخـرى ضعيفة التأثير) مقــاطعة قطر وغلق الحدود البرية والبحرية والجوية معها في الخامس من جوان 2017، سارع البرلمان التركي إلى المصادقة على قرار إرسال قوّات عسكرية إلى قطر تفعيلا لاتفاقية تعاون دفاعي موقعة بين البلدين منذ 2001، لكن رغم تحسّبها ميدانيا من أي تحرّك عسكري متوقّع بغاية قلب النظام، ما انفكّت الدّوحة تدعو إلى الجلوس إلى طاولة الحوار لإيجاد مخرج لهذه الأزمة، والحوار من وجهة النّظر القطرية يستوجب توفّر جملة من الشّروط أهمها التكافؤ وعدم فرض شروط مسبّقة ناهيك عن عدم التّدخل في سياستها الداخلية، الأمر الذي ترفضه الدول الأخرى، إذ يرتكز تصوّرها للحلّ على ضرورة أن تستجيب الدوحة إلى المطالب الثلاثة عشر التي قُدّمت لها في شهر جوان، والتي تتضمّن تخفيض التّمثيل الديبلوماسي مع إيران ووقف التّعاون العسكري مع تركيا وغلق قناة الجزيرة. قطر اعتبرت أنّ هذه المطالب تمثّل تدخّلا خارجيا في سياستها الداخلية ودعت في المقابل إلى الحوار معتبرة أنّ مجلس التّعاون يمثّل أفضل إطار لذلك، وجاءت مشاركة أمير قطر على رأس وفد بلاده في قمّة الكويت تجسيدا عمليا لهذا الاستعداد، لا سيّما وأنّ قطر ما فتئت تثمّن جهود الوساطة الديبلوماسية التي يقودها أمير الكويت منذ اندلاع الأزمة دون أن تسفر عن نتائج ملموسة أو تحقّق تقدّما يذكر، وتأتي مشاركة السعودية والبحرين والإمارات بتمثيل سياسي ضعيف لتؤكّد عدم رغبة هذه الدول في تكرار مآلات الأزمة الأولى التي انتهت باتّفاق الرياض للعام 2013 والاتّفاق التكميلي وآلياته التنفيذية للعام 2014 في إطار مجلس التّعاون الخليجي. تستند هذه الدول في رفضها تكرار هذا السيناريو إلى اتهام قطر بعدم تنفيذ بنود اتّفاق الرياض والاتّفاق التكميلي والذي محوره الأساس «وقف دعم الإخوان المسلمين أو المنظمات والأفراد الذين يهدّدون أمن واستقرار دول مجلس التّعاون عن طريق العمل الأمني المباشر أو عن طريق محاولة التأثير السياسي». من جهتها تحرص قطر على العودة إلى هذا السيناريو وقبول الحوار في إطار البيت الخليجي لتأكيدها على أنّ ما تضمّنته وثيقة الرياض لا تمثل تعهّدات قطرية بقدر ما تمثّل التزاما جماعيا ينبغي أن تخضع له كلّ الدّول الموقّعة عليه. وانتهت القمّة القصيرة زمنيا دون وضع الأزمة القائمة بين دول الخليج على طاولة الحوار لانعدام شروطه الموضوعية الدنيا ومن أبرزها تكافؤ التمثيل السياسي، وبذلك تظل الأزمة تراوح مكانها وهو ما تسعى إليه الدول التي تفرض حصارا على قطر والتي لا تخفي رغبتها في إطالة أمد الأزمة واستغلال عامل الوقت لإحراج قطر أكثر باعتبار التداعيات الاقتصادية والاستحقاقات التي تتأهّب لها الدوحة.
القمّة وطاحونة الشّيء المعتاد
البيان الصّادر في أعقاب القمّة تضمّن تأكيدا على أهمية دور مجلس التّعاون وتماسكه ووحدة الصف بين أعضائه، لما يربط بينها من «علاقات خاصّة وسمات مشتركة وأنظمة متشابهة أساسها العقيدة الإسلامية، والمصير المشترك ووحدة الهدف التي تجمع بين شعوبها، ورغبتها في تحقيق المزيد من التنسيق والتكامل والترابط بينها في جميع الميادين»، لكن هذه الإشارة تبدو أكثر من أيّ وقت مضى ضرورة بروتوكولية لا غير، حيث ظلّت بقية بنود البيان تدور حول المسائل الاستراتيجية التي تمثّل جوهر الأزمة العالقة: إيران والأمن القومي ومكافحة الإرهاب. ليس في ذلك أيّ تناقض أو مفارقة، فدول الخليج الست متّفقة جميعها في هذه النقاط كلّها من حيث المبدأ، لكنّها تختلف اختلافا جذريا في آليات المعالجة، وتجذّر هذا الاختلاف حدّ التصادم إثر انعقاد القمّة الخليجية الأمريكية في الرياض في ماي 2017، حيث بدا أن تغيّر السياسة الأمريكية كفيل بفضح هشاشة التوافقات الخليجية ووضعها في مهبّ الرياح.
لقد شكّل وضْع إيران الجديد على الساحة الدولية بعد الاتّفاق النّووي متغيّرا أساسيا في علاقاتها مع دول الخليج التي أضحت تعتبرها أكثر من ذي قبل مصدر تهديد للأمن القومي الخليجي، وبيان القمّة في بنده العشرين يدين «السياسات الإيرانية تجاه المنطقة بأبعادها النووية، وتوسيع برنامج صواريخها الباليستية، في انتهاك واضح لقراري مجلس الأمن 1929 و2231، وتدخلها في تقويض الأمن والاستقرار»، يأتي ذلك في سياق الرّبط بين التصدي للسياسة الإيرانية ومكافحة الإرهاب ومخاطبة إيران بلهجة شديدة في ظلّ تقارب مصلحي مع البيت الأبيض. وتحت هذا الغطاء كذلك تناول بيان القمة الوضع في اليمن معتبرا عملية تصفية الرّئيس اليمني السّابق علي عبد الله صالح في صنعاء «جزءا من عملية ترويع ممنهجة للشعب اليمني» بما يدخل الجمهورية اليمنية في منعطف حاسم وخطير يتطّلب الالتفاف والتكاتف للتخلص من المليشيات الحوثية التابعة والمدعومة من إيران والحفاظ على اليمن ضمن محيطه الطبيعي العربي». القمّة أكّدت على أنّ حلّ الأزمة في اليمن لا يمكن أن يتمّ الا بالعودة إلى قرار مجلس الأمن رقم 2216 والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية.
هي بلا شكّ القمة الخليجية الأقصر في تاريخ منظّمة مجلس التّعاون لدول الخليج العربية لكنّها أيضا الأكثر رمزية، حيث اكتفى كلّ مشارك فيها بتوجيه رسالة إلى الطّرف الآخر. قطر من خلال مشاركة أميرها تؤكّد حرصها على الحوار، فيما توجّه السعودية والبحرين والإمارات بغياب قادتها رسالة أولى مفادها أن حلّ الخلاف مع قطر لن يكون على الأقلّ في الأمد المنظور في إطار خليجي، وأن لا جديد يستدعي الإسراع في فضّ هذه الأزمة. ولئن كان الخلاف الخليجي قد وضع منذ بدايته منظّمة مجلس التّعاون أمام الامتحان الأصعب في تاريخها إطلاقا فإنّ هذه القمّة لم تقدّم إجابات حاسمة حول مصير هذا الهيكل السياسي الإقليمي الهام رغم التطرق مجدّدا إلى المساعي السعودية الرّامية إلى تحويل المجلس إلى اتّحاد، يعني هذا ضمنيا أنّ المجلس سيدخل الآن مرحلة السّبات في انتظار القمّة المقبلة، وهو ما يمكن أن يكون هذه المرّة دخولا حقيقيا في مرحلة موت سريري غير معلن.
عامر بوعزّة
- اكتب تعليق
- تعليق