حنان زبيس: السعــوديـة وإيـران, الـحــرب الـمـعـلـــنة

السعــوديـة وإيـران الـحــرب الـمـعـلـــنة

فجّرت الأزمة اللبنانية الأخيرة الصراع المعلن بين العربية السعودية وايران، صراع بدت ملامحه تتشكل على عديد الجبهات منها العراقية والسورية واليمنية. ولا يبدو أن السعودية تعمل بمفردها في هذه الحرب المفتوحة على إيران وإنما تجد دعما لا محدودا من الولايات المتحدة التي ضاقت ذرعا بالتمدد الإيراني في المنطقة، خاصة خلال الحرب على داعش.

مع القضاء على التنظيم، والتغيير في موازين القوى على أرض الواقع، بات واضحا أن الصراعات غير المعلنة بين مختلف الأطراف المؤثرة في المنطقة ستطفو من جديد على السطح.

الأزمة اللبنانية وانفجار الصراع

شكّلت استقالة رئيس الحكومة اللبناني، سعد الحريري زلزالا على مستوى الساحة الشرق الأوسطية والعالمية، استقالة تم إعلانها من السعودية وتراجع عنها الحريري وقد تضمّنت اتهامات لحزب الله وايران، لتفجّر بداية حرب مفتوحة بين السعودية وإيران، حرب بالوكالة يخوضها البلَدان عبر ممثّليهم في المنطقة.

حاولت السعودية من خلال عملية احتجاز الحريري قبل أن يعود إلى بيروت الضّغط على حزب الله وتحريك الساحة السياسة الداخلية اللبنانية ضدّه لإجباره على الانسحاب من العراق وسوريا وكلّ المناطق التي يقاتل فيها خارج لبنان، لكن حزب الله فهم المناورة وتدخّل حسن نصر الله، قائد الحزب، في اليوم الموالي لإعلان الحريري استقالته، ليقلب اللعبة ويوجّهها ضدّ السعودية نفسها، مندّدا باحتجازها القسري لرئيس الحكومة اللبناني. مناورة السعودية أتت في وقت تشهد فيه المملكة تغيّرات داخلية كبيرة يقوم بها ولي العهد الجديد، محمد بن سلمان، أهمّها الحملة التي أطلقها ضدّ الفساد والتي أسفرت عن إلقاء القبض على أمراء ووزراء ومسؤولين رفيعين في المملكة.، حيث يحاول بن سلمان تركيز حكمه وإيجاد موارد مالية للسعودية التي استنزفتها الحرب على اليمن وفي نفس الوقت، يسعى إلى إثبات ذاته من خلال العمل على لعب دور جديد في المنطقة بالتصدي لإيران، متلقّيا في ذلك دعما من الرئيس الأمريكي ترامب ومن إسرائيل التي يعمل حاليا على التقارب معها. السعودية بدت وكأنّها انتبهت بعد انتهاء الحرب على داعش إلى النفوذ الإيراني المتمدّد في المنطقة، فأرادت أن توقفه وكانت الخطوة الأولى في لبنان ضدّ حزب الله، الذّراع الإيراني في البلاد.

حزب الله وإن أبدى استعداده للانسحاب من العراق وسوريا بعد انتهاء الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية، في خطوة لإحداث التهدئة على مستوى الساحة اللبنانية الداخلية، فإنّه عبّر عن عدم نيته التخلّي عن نفوذه في لبنان وعن تمثيل مصالح إيران فيه. وبذلك فإنّ مناورة السعودية قد فشلت في زعزعة مكانة الحزب في لبنان.

المواجهة في اليمن والسعي لتحديد البرنامج النووي الإيراني

المملكة فشلت أيضا في وضع حدّ للحرب في اليمن والقضاء على المتمرّدين الحوثيين الذين أصبحوا يتجاسرون على الرياض نفسها عبر إطلاق صواريخ بالستية نحوها، آخرها صاروخ اعترضته القوات السعودية فوق مطار الرياض وكان موجّها مباشرة إلى العاصمة. هذا الصاروخ الأخير أشعل غضب السعوديين الذين رأوا فيه تهديدا جديّا لأمنهم وسارعوا باتّهام إيران بدعم القدرات القتالية للحوثيين، حيث اعتبر التحالف العربي بقيادة السعودية في بيان له أنّ تزويد ايران للحوثيين بالصواريخ البالستية هو «عدوان عسكري سافر ومباشر من قبل النظام الإيراني، قد يرقى لاعتباره عملا من أعمال الحرب ضدّ المملكة».

ولم تكتف السعودية بذلك بل دعت إلى اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية أسفر عن بيان حادّ اللهجة ضدّ إيران تمّ اتّهامها فيه بتهديد العديد من العواصم العربية وبنشر مجموعات إرهابية فيها وتمّ فيه أيضا التعبير عن نيّة الدول العربية للتوجه إلى مجلس الأمن لوضع حدّ لتدخلات إيران فيها.

السعودية الغارقة في المستنقع اليمني لا تأمل في الخروج منه إلا باستهداف إيران مباشرة والسعي إلى الحدّ من منظومتها النووية وذلك عبر التقارب من إسرائيل من جهة ودفع المجتمع الدولي لفرض عقوبات إضافيّة من أجل الحدّ من البرنامج النووي الإيراني من جهة أخرى، وهو ما يفسّر تصريحات الرئيس الفرنسي  حول ضرورة إجراء مفاوضات جديدة مع إيران فيما يخصّ منظومة صواريخها البالستية. الشيء الذي دفع نائب القائد العام للحرس الثوري، حسين سلامي، إلى تحذير أوروبا مـــن عدم التدخل في البرنامج الصـاروخي الإيـــراني.

محاولة إعادة العراق إلى الحاضنة العربية

عدا السّاحتين اللبنانية واليمنية، تتواجه القوّتان الإقليميتان، السعودية والإيرانية في ساحات أخرى وهي أساسا العراق وسوريا. فعلى الساحة العراقية، سجّلت السعودية عودتها إلى هذا البلد الذي سلمته الولايات المتحدة الأمريكية بيد إيران منذ سقوط صدام حسين، حيث تمّت إعادة فتح منفذ عرر الحدودي بين البلدين في أوت الماضي واستئناف الرحلات الجويّة التجارية التي كانت مقطوعة منذ 1990، بالإضافة إلى  تأسيس «مجلس تنسيقي مشترك» وإعادة فتح سفارة السعودية في العراق . كما أنّ السعودية أبدت استعدادها للمشاركة في مجهود إعمار العراق ما بعد الحرب على داعش. وقد تتالت خلال هذه السنة الزيارات بين البلدين لمسؤولين حكوميين، فقد زار رئيس الحكومة العراقية، حيدر العبادي السعودية في جوان الماضي كما زار وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، العراق أيضا.

يأتي هذ التقارب بمباركة أمريكية، إذ تسعى الولايات المتحدة إلى محاولة إعادة العراق إلى الحاضنة العربية في محاولة لإبعاده شيئا فشيئا عن النفوذ الإيراني.

في المقابل، لا يبدو أنّ هذا التقارب السعودي-العراقي يقلق إيران التي شدّدت أكثر قبضتها على العراق بعد النّجاحات التي حقّقتها في الحرب على داعش في هذا البلد والمساهمة في تحريره عبر ميليشيات الحشد الشعبي.  فانتهاء هذه الحرب خلّف واقعا جديدا يصبّ كلّه في مصلحة ايران التي خرجت كالمنتصر الوحيد في هذه الحرب، حيث تمكّنت من ربط الحدود العراقية والحدود السورية وتحقيق حلمها بفتح طريق لطهران نحو المتوسّط يمرّ من العراق وسوريا ولبنان.

التسوية السورية والتّقارب مع إسرائيل

على السّاحة السورية، يتواجه البلدان حاليا حول التسوية السلمية للحرب في سوريا بعد أن تواجها خلال الصّراع الدموي بمساندة طرفي الحرب، النظام السوري والمعارضة.حاولت السعودية في مؤتمر الرياض2 تجميع المعارضة السورية وإخراج قيادة جديدة أكثر مرونة وأكثر استعدادا لتقديم تنازلات للوصوال إلى تسوية سلمية للنزاع. في نفس الوقت، اجتمعت روسيا وإيران وتركيا في مؤتمر سوتشي للاتّفاق على الخطوات التي يجب اتخاذها لإطلاق الحوار الوطني داخل سوريا ووضع الدستور الجديد، مع التأكيد على ضرورة قيام كلّ الأطراف في النزاع «بتنازلات» بما فيها النّظام السوري. وقد اعتبر العديد من الملاحظين أنّ سعي السعودية إلى عادة ترتيب المعارضة هو محاولة منها للتقرب للطرف الرّوسي المنتصر الكبير في الأزمة السورية.

طرف جديد تحاول السعودية التقرب منه وهو الطرف الإسرائيلي التي أصبحت تعتبره حليفا قويّا في مواجهة إيران، حيث يخشى البلدان من التمدّد الإيراني في المنطقة بما يهدّد نفوذهما وكذلك من المنظومة النووية الإيرانية. هذا التقارب لا تجد اسرائيل حرجا في الإعلان عنه على خلاف السعودية، حيث صرّح مؤخّرا رئيس أركان الجيش الاسرائيلي بأنّ «هناك مصالح مشتركة بين البلدين وأنّهما في توافق تامّ فيما يتعلّق بالمحور الإيراني».ويذكر أنّ هذا التقارب يأتي في الوقت الذي لا تنفكّ اسرائيل ترسل تهديدات لحزب الله في لبنان وتتوعّده بعمليات عسكرية قريبة ضدّه.

على مختلف الجبهات تسعى السعودية إلى الحدّ من النّفوذ الإيراني مختارة سياسة المواجهة المفتوحة والصّريحة ومستغلّة في ذلك كلّ التحالفات الممكنة، فالصّراع السني- الشيعي الذي يمثّل أرضية الخلاف بين البلدين أصبح اليوم صراع نفوذ وهيمنة على الشرق الأوسط. وإن يتحاشى الجانبان الدّخول في مواجهة عسكرية مباشرة، فإنّه من المتوقّع أن تتواصل الحروب بالوكالة التي أطلقاها في عديد البلدان بالمنطقة مشعلة فيها المزيد من الصّراعات والانقسامات.

حنان زبيس

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
1 تعليق
التعليقات
علي ياسين - 04-05-2018 06:37

قراءة موضوعية للصراع السعودي الايراني، وهو صراع نفوذ سياسي لا طائفي، فالسعودية تتقبل أية كتلة شيعية في المنطقة بشرط عدم تعارض ذلك مع مصالحها وسياساتها وسلطتها الحاكمة، وكذا الحال بالنسبة لإيران التي نجحت خلال الشهور القليلة الماضية باستقطاب سنة العراق واستدراجهم، وكأنها ترد على المساعي السعودية المماثلة، جوهر الصراع بين الطرفين يقوم على الموقف من اسرائيل والموقف من الوجود الغربي(الامريكي) بالمنطقة الذي ترفضه ايران الهادفة إلى استقلال المنطقة الذاتي، وتؤيده السعودية وتحتمي به حالها حال اسرائيل..... شكرا لك ست حنان (علي ياسين- العراق)

X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.