مقارنة استفتاءي كردستان العراق وكاتالونيا: التداعيات المحلية والعالمية
بفارق أسبوع واحد انتظم استفتاء استقلال إقليم كردستان العراق واستفتاء استقلال إقليم كاتالونيا في إسبانيا ليتحول حلم الدولة المستقلة فيهما إلى كابوس بعواقب وخيمة على شعوب هذين الإقليمين.
ورغم الاختلاف الثقافي بين الإقليمين إلا أن ما يجمعهما هو الرغبة في الانفصال عن الدولة المركزية لتحقيق دولة تكرّس خصوصيتهما الثقافية والإثنية.
فما هي نقاط التشابه والاختلاف ما بين هذين الإقليمين؟ ولماذا الاصرار على الانفصال رغم عدم الاعتراف الدولي؟ وماهو التأثير الإقليمي والعالمي لمغامرتهما الانفصالية؟
نقاط التشابه
25 سبتمير 2017 نظم اقليم كردستان العراق استفتاء حول إعلان الدولة الكردية المستقلة. أسفرت نتيجة الاستفتاء عن 92،73% من الاجابة بنعم، بنسبة مشاركة بلغت 72%.
1 اكتوبر 2017 نظّم اقليم كاتالونيا استفتاء الانفصال ليسفر عن نتيجة 90% من المجيبين بنعم، مع نسبة مشاركة بـ 43%.
لو نظرنا في نقاط التقارب بين الاقليمين لوجدنا أن كلاهما يتمتع بحكم ذاتي يقوم على وجود حكومة وبرلمان وهناك استقلالية إلى حدّ كبير في اتخاذ القرارات الداخلية عن الحكومة المركزية. كما أن كلا الإقليمين غنيّ اقتصاديا فإقليم كاتالونيا يساهم بنسبة 20 % من إجمالي الناتج الخام لإسبانيا في حين أنّه لا يمثّل سوى 6% من مساحة البلاد وهو من المناطق الأكثر حيوية اقتصادية في شبه الجزيرة الإيبيرية. إقليم كردستان كذلك معروف بثرواته النفطية، خاصّة في منطقة كركوك وتقدّر صادرات نفط الإقليم حاليا بحوالي 600 ألف برميل يوميا أي ما يوفّر 11 مليار دولار سنويا. لا يخفى أيضا أنّ الشعب في كلا الإقليمين لديه إحساس قوي بالانتماء إلى قومية وإثنية مختلفة عن الأغلبية ولديه لغة وهويّة خاصة به. كما أنّه قام بمحاولات عديدة للاستقلال، فبالنّسبة لإقليم كاتالونيا، يجدر التذكير بأنّ هذه المنطقة كانت تتمتّع بحكم ذاتي في زمن الحرب الأهلية في اسبانيا في 1931 ثمّ، ومع هزيمة الجمهوريين، وقعت تحت دكتاتورية الجنرال فرانكو الذي مسح كلّ معالم هويّتها المستقلة.. ولم تستعد كاتالونيا وضعيتها كإقليم يتمتّع بالحكم الذّاتي إلاّ بعد وفاة فرانكو.
كردستان العراق أيضا تمتّع بالحكم الذّاتي منذ فصله عن باقي العراق منذ حرب الخليج الأولى تدعم هذا الحكم بعد سقوط صدام حسين. ولكن قبل ذلك، وتاريخيا، ثار الأكراد عديد المرّات على السّلطة الحاكمة، سواء في العهد العثماني أو في عهد الدّولة القومية الحديثة.من نقاط التشابه أيضا أن منطلق الخلاف مع الحكومة المركزية والتّفكير في الانفصال هو أساسا اقتصادي. ففي حالة كاتالونيا، أدّى تراجع الاقتصاد الإسباني وإثقال كاهل الإقليم بالضرائب إلى اعتبار الكثير من الكاتالونيين أنّ هناك إجحافا في حقّهم لأنّ الضريبة المفروضة عليهم هي الأعلى في البلاد (حوالي 2 مليون يورو سنويا). رغم ذلك، فإنّهم لم يروا تحسنا واضحا على مستوى نمط عيشهم أو على مستوى جودة الخدمات أو البنية التحتية.
أما في إقليم كردستان، فقد تمرّد الأكراد منذ 2014 على الاتّفاق المعمول به مع بغداد وهو تصدير نفطهم للحكومة المركزية مقابل الحصول منها على 17 % من الميزانية ليقرّروا بيع نفطهم بأنفسهم عبر تركيا، اعتقادا منهم أن في هذا الاتفاق إجحافا، لذلك رغبوا في التمتع بثرواتهم. هناك أيضا نقطة تشابه أخرى بين الإقليمين وهي أنّ زعيميهما أعلنا إجراء الاستفتاء دون أخذ موافقة الحكومة المركزية ودون الحصول على دعم دولي، أي بقرار يمكن اعتباره «أرعنا» ليُدخلا شعبيهما في مغامرة سياسية لا تُحمد عقباها، وذلك في محاولة لكسب شعبيّة جماهيريّة.
نقاط الاختلاف
رغم نقاط التشابه بين الإقليمين، فإنّ هناك نقاط اختلاف عديدة بينهما، أهمّها أن إقليم كردستان يمتلك جيشا وهو البشمركة وإن كان رسميا يُمثّل جزءا من وحدات الدفاع العراقية ولكن فعليا هو يأتمر بأوامر الحكومة والبرلمان الكرديين. في حين لا يمتلك إقليم كاتالونيا أيّ قوّة عسكرية. من جهة أخرى، فإنّ هناك اعترافا دستوريا بالشّعب الكردي، فالدّستور العراقي لسنة 1959 يعتبره «شـريكا في الوطن» ودستور 2005 يعتبــره جــزءا مـــن الفيـدرالية، في حين لا يعترف الدستور الإسباني بالكاتالونيين كأمة. كذلك، فإنّ إقليم كردستان له تمثيليات دبلوماسية خارج العراق وله أيضا لوبيات سياسية تخدم مصالحه الخارجية وهو ما لا يتمتع به إقليم كاتالونيا.
إلى جانب ذلك، يجب التذكير بأنّ الاستفتاء في كردستان حصل في ظروف طيّبة نسبيّا رغم كل التحذيرات والتهديدات قبيل تنظيمه، سواء من قبل الحكومة المركزية أو من قبل إيران وتركيا. في حين تمّ استفتاء كاتالونيا في ظروف عصيبة تميّزت بالعنف من قبل شرطة الحكومة المركزية التي تعرّضت للمستفتين وهاجمتهم محاولة منعهم من المشاركة في الاستفتاء، بالإضافة إلى مهاجمة مقرّات التصويت. كذلك فإن إقليم كردستان عرض تجميد نتائج الاستفتاء واستئناف الحوار مع بغداد، في حين رفض إقليم كاتالونيا ذلك وأعلن الاستقلال من طرف واحد.
الإصرار على الانفصال وتبعات ذلك داخليا ودوليا
أيّا كانت نقاط التّشابه والاختلاف بين الإقليمين، فإنّ عواقب الاستفتاءين كانت وخيمة ومازالت تداعيات ذلك متواصلة إلى حدّ الساعة. ففي إقليم كردستان، قامت الحكومة العراقية بالتّنسيق مع دول الجوار، تركيا وإيران، لفرض حصار جوي وعسكري عليه عبر غلق المنافذ الحدودية ومنع الطيران الدولي. كذلك قامت الحكومة العراقية بهجوم عسكري على كركوك لاستعادتها من يد البشمركة، بالإضافة إلى مناطق أخرى من تلك المتنازع عليها بين حكومة أربيل وبغداد. وتسبّب هذا الهجوم في ضحايا وقتلى، بالإضافة إلى تهجير 150 ألف شخص من كركوك. وهو ما اضطرّ حكومة إقليم كردستان إلى اقتراح تجميد نتائج الاستفتاء ودعوة بغداد إلى التفاوض، إلى جانب اتخلّي مسعود بارازاني، رئيس الإقليم عن صلاحياته كرئيس وتوزيعها بين الحكومة والبرلمان. من جهة إقليم كاتالونيا، فإن الوضع تعقّد أكثر مع إعلان الإقليم استقلاله أحاديا، مما دفع بالحكومة المركزية في إسبانيا إلى اتّخاذ جملة من الإجراءات العقابية، أهمّها تفعيل المادّة 155 من الدستور الإسباني والتي تقضي بتعليق الحكم الذاتي في كاتالونيا وإقالة الحكومة الكاتالونية الانفصالية ووضع برلمانها و شرطتها ووسائل إعلامها الرسمية تحت سلطة مدريد في انتظار إجراء انتخابات حدّد لها ماريانو راخوي، رئيس الحكومة الإسبانية، موعد 21 ديسمبر 2017. كما وجّه المدعي العام الإسباني تهما بالتمرد والتّحريض ضد الدولة لبعض المسؤولين الحكوميين الكاتالونيين وعلى رأسهم رئيس إقليم كاتالونيا، كارلس بوجديمون الذي قد يواجه عقوبة بالسجن مقدّرة بـ 30 سنة لو تمت إدانته من قبل المحكم، وهو ما دفعه إلى الخروج من إسبانيا واللجوء إلى بروكسيل.
وفي كل الأحوال، فإن المغامرة الانفصالية الكاتالونية لن تستمرّ، خاصة وأنّ الاتحاد الأوروبي لم يعترف بهذا الكيان الجديد داخله، وكذلك سارعت الولايات المتحدة إلى إعلان عدم اعترافها به وتأييدها لوحدة إسبانيا. نفس الموقف واجهه إقليم كردستان الذي قوبل استفتاؤه بالرّفض من قبل جيرانه المباشرين (إيران و تركيا) و كذلك من قبل الأمريكان.
هنا قد يُطرح التساؤل: إذا لماذا كان كلّ هذا الإصرار من قبل حكومتي كردستان العراق وكاتالونيا على الذهاب إلى النهاية في قرار كانت نتائجه الوخيمة متوقّعة منذ البداية؟
في حالة إقليم كردستان، كان الإقليم والعراق بصفة عامة يعيشان متغيّرات كبيرة ما بعد الحرب على داعش غيّرت المعطيات على الأرض، فنجاحات البشمركة في طرد التنظيم في عديد المناطق ومشاركته الهامّة في تحرير الموصل، إلى جانب ما حقّقه الأكراد في سوريا من انتصارات على داعش، أحيت الحلم الكردي القديم بدولة مستقلّة. ينضاف إلى ذلك، الوضع الداخلي المتأزّم سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، ممّا دفع بمسعود بارازاني، رئيس الإقليم، إلى محاولة تحسين شعبيته واللعب على المشاعر القومية.
في حـــالة إقليم كاتـالونيا، فإنّ الحزبين الرئيسيين في حكومة كاتالونيا والذين صعدا إلى السلطة منذ 2012 بنيا خطابهما الانتخابي والسياسي على تحقيق الاستقلال للإقليم فلم يكن أمامها إلا الوفاء بوعودهما أمام النّاخبين. كما أنّ تفاقم الأزمة الاقتصادية في إسبانيا وإثقال كاهل مواطني الإقليم بالضّرائب أجّج النّزعة الانفصالية، حيث فرضــت الحكــومة الإسبانية ضريبة على كاتالونيا تصل إلى 10% من النّاتج المحلي الخام.
تأجيج النزاعات الانفصالية في العالم
من الواضح أن المغامرتين الكردية والكاتالونية أحيتا لدى العديد من الشعوب النوايا الانفصالية، ففي 22 أكتوبر 2017 أجرى إقليما لومبارديا والفينيتو بإيطاليا استفتاء من أجل الانفصال، مطالبين بمزيد من السلطات وبدرجة أعلى من الحكم الذاتي.
وتخشى أوروبا من تفاقم النوايا الانفصالية داخلها، سواء من قبل الكورسيكيين في فرنسا أو إقليم الباسك في اسبانيا أو البافاريين في ألمانيا، لذلك تُشجع على وحدة الدول. موقف غريب إذا ما رأينا دعم بعض دول الاتحاد الأوروبي لاستفتاء انفصال إقليم كردستان مثل فرنسا وألمانيا. فهل هي سياسة المكيالين؟
من جهة أخرى، فإنّ استفتاء انفصال إقليم كردستان أثار النّزعة الاستقلالية عند أكراد سوريا وباتت قوّات حماية الشعب الكردي التي تشكّل العمود الفقري لقوّات سوريا الديمقراطية تُطالب حلفاءها من الأمريكان والروس بالوفاء بتعهّداتهم بمنح الأكراد حكما ذاتيا في سوريا الجديدة، بعد نجاحهم في طرد تنظيم داعش. ولكن الحليفين لا يبدوان متحمسين لتنفيذ وعودهما، هذا إضافة إلى ضغط تركيا وإيران لعدم تحقيق ذلك.
تبدو المرحلة القادمة مليئة بالتّغيّرات على الصعيد الجيوستراتيجي وإعادة تشكيل خارطة العالم، ومن المستبعد أن تنتهي تداعيات استفتائي كردستان وإقليم كاتالونيا في وقت قريب..
حنان زبيس
- اكتب تعليق
- تعليق