"وعد بلفور: من اغتصاب فلسطين إلى تدمير دول الممانعة"...

"وعد بلفور:  من اغتصاب فلسطين إلى تدمير دول الممانعة"...

هذا النص هو مداخلة قدّمتها في الندوة التي عقدتها يوم الخميس 02 نوفمبر 2017 بمقر اتحاد الإذاعات العربية جمعية "المنتدى الدبلوماسي" بالتعاون مع "مركز جامعة الدول العربية بتونس"، تحت عنوان "القضية الفلسطينية، قرنا بعد صدور وعد بلفور".

وقد رأيت أنه قد يكون من المفيد نشرها على موقع "ليدرز العربية"،لتمكين متابعي الموقع من الاطلاع عليها.

وفيما يلي نص المداخلة كما تم تقديمها في الندوة:

"حضرات السيدات والسادة:

لِنَبْدَأ هذه المداخلة بإلقاء نظرة سريعة على ما يجري على الساحتين الفلسطينية والعربية الآن، واليوم، وبالتحديد في هذه الساعة التي نجتمع فيها بمناسبة مرور قرن كامل على إصدار وعد بلفور:

في الأراضي الفلسطينية المحتلّة: تواصل إسرائيل إنكار حقوق الشعب الفلسطيني الوطنية، وتستمر في ممارساتها القمعية والاستيطانية، وفي توظيف تفوقها العسكري في تحقيق المزيد من المكاسب السياسية، وفي توسيع رقعة الاحتلال وفرض المزيد من الوقائع على الأرض من أجل الحيلولة دون التوصل إلى تسوية سياسية متوازنة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس القرارات الدولية ذات الصلة.

وبالاعتماد على حركة الاستيطان المتواصلة على قدم وساق، يبدو أن إسرائيل نجحت أو هي في طريقها إلى النجاح في القضاء بشكل كلي على أي أمل في إقامة الدولة الفلسطينية. 

أما في غزّة وبالرغم من بوادر المصالحة بين الأطراف الفلسطينية، فما يزال الحصار الخانق متواصلا منذ أكثر من عشر سنوات، وما يزال سيف العدوان الإسرائيلي بأشكاله المختلفة مسلّطا على القطاع. 

في اليمن: ما تزال الحرب فيه وعليه مستعرة منذ أكثر من سنتين ونصف السنة، ومن لم تقتله الحمم والقذائف قتله وباء الكوليرا، والجوع والعطش والمرض...

في العراق: لم تكد القوات العراقية تخرج من الحرب على "الدولة الإسلامية" في الموصل وفي بقية معاقلها حتى دخلت في معركة جديدة ضد قوات البشمركة، بعد أن صوّت الاكراد لفائدة الاستقلال عن بغداد.

في سوريا: ما تزال الحرب متواصلة منذ أكثر من ست سنوات آتية على الأخضر واليابس ومهددة بتمزيق البلاد الى أشلاء متناثرة... فكل طرف إقليمي أو دولي له يد في هذه الحرب يريد لنفسه منطقة نفوذ في سوريا...

في ليبيا: ما تزال ضحية للصراعات التي هزّت كيانها منذ ست سنوات متتالية. وبالرغم من المحاولات الرامية إلى تحقيق المصالحة فإن ساعة الخلاص ما تزال تبدو بعيدة نتيجة لتضارب المصالح في الداخل والخارج وبينهما...

هذه حضرات السيدات والسادة في عجالة بعض الملامح القاتمة من المشهدين الفلسطيني والعربي الآن، وأعتقد أني لا أخطئ إذا زعمت أن ما يجري على الساحتين الفلسطينية والعربية هو في قسم منه من مفاعيل وامتدادات وعد بلفور الذي يجمع الملاحظون على أنه شكّل، منذ لحظة إصداره، منعرجا محوريا خطيرا في تطور تاريخ فلسطين والشرق الأوسط خاصة والمنطقة العربية ككل، عامة...

ودون الإغراق في قراءة "استرجاعية" rétrospective للتاريخ، فإنني أودّ، للتذكير ومن أجل محاولة فهم الواقع الراهن وربما استشراف مآلاته المحتملة، أن أتطرّق إلى أهم خصائص وعد بلفور، فهذا الوعد هو عبارة عن:

1- نص وجيز مركّز غاية التركيز، فهو لا يحتوي إلا على 67 كلمة فقط، غير أن كل كلمة تمّت دراستها قبل إدخالها فيه. وقد استغرق إعداده سنتين كاملتين، حيث تم تبادل مُسَوَّدَات عديدة منه بين بريطانيا وبين الولايات المتحدة الأمريكية، حيث شارك أكثر من اثني عشر مستشارا في تنقيحها. 

2- من الثابت الآن أن إعدادالوعد تم بالتنسيق بين لندن وواشنطن، و"أن كل فكرة ولدت في لندن تم تحليلها في المنظمة الصهيونية في أمريكا وكل اقتراح صدر من أمريكا حصل على اهتمام بالغ في لندن".

3- رغم أن وثيقة وعد بلفور قدمت على أنها منتج بريطاني منفرد فإنها في الحقيقة منتج صهيوني بريطاني مشترك بل إن البعض يذهبون إلى أن هذا الوعد كتبه اليهود أنفسهم.

4- أن أهم عبارة وردت في النص هي عبارة "تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين"، فهذه العبارة هي التي تأسست عليها إسرائيل، وهي التي ما فتئت ترتكز عليها في تحديد سياساتها وتنفيذها حتى اليوم.

ومثلما تلاحظون، فإن الوعد استخدم كلمة "وطن" لا كلمة "دولة" وهو ما أفسح ويفسح المجال لإسرائيل للتمدد والتوسع على حساب الفلسطينيين وعلى حساب جيرانها.

وقد قرن الوعد كلمة وطن بكلمة قومي وهو ما تبني عليه اليوم إسرائيل فكرة "يهودية الدولة الإسرائيلية" التي تعني أن تصبح إسرائيل دولة خالصة لليهود دون غيرهم، وهو ما يعني فيما يعني التخلص من الفلسطينيين المقيمين خلف الخط الأخضر. 

وعلى العموم فان نص وعد بلفور اتسم بالغموض والإبهام المقصودين حتى يتسنى تفسيره وتأويله وفقا لأهداف واضعيه ومصدريه الآنية والبعيدة وهو ما يحدث فعلا حتى الآن...

5- من أخطر العبارات التي تضمنها الوعد وأكثرها خداعًا عبارة "الطوائف غير اليهودية"، التي تشير إلى الفلسطينيين وكأنهم أقلّية في حين أنهم كانوا يشكلون تسعين في المائة من سكان فلسطين بينما لم يكن اليهود يشكلون الا تسعة في المائة منهم، وقد كان الهدف من ذلك إخفاء الحقيقة الديموغرافية منذ البداية.

وإلى جانب ذلك تكتسي الجملة التالية بدورها أهمية بالغة: "على أن يفهم جليًّا أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها (الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين) ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى"، فهذه الجملة أسقطت عمدا كلمة الحقوق "السياسية" للعرب الفلسطينيين، واكتفت بالحقوق "المدنية والدينية"، بينما أشارت فيما يتعلق باليهود إلى حقوقهم ووضعهم السياسي ليس فقط في الوطن القومي المستقبلي بل أيضا في البلدان الأخرى.

وهذه النقطة الأخيرة المتعلقة بغياب الحقوق السياسية للفلسطينيين هي التي أسست لنظام الفصل العنصري الذي تنتهجه حتى اليوم إسرائيل في كل الأراضي الفلسطينية (سواء تعلق الأمر بما خلف الخط الأخضر أو في الضفة والقطاع).

حضرات السيدات والسادة:

من جملة هذه العناصر تأتي خطورة وعد بلفور على مصير الشعب الفلسطيني وعلى مصير البلدان العربية المجاورة خاصة والبلدان العربية عامة، حيث أن تداعياته ما فتئت تتلاحق على امتداد المائة سنة الماضية.

وفي رأيي فإننا اليوم مدعوون إلى قراءة هذه الوعد قراءة "استشرافية" prospective أي قراءة تتوجّه نحو المستقبل وتحاول توقّع ما يمكن أن يحدث مستقبلا من أجل التنبيه إليه والتحذير منه، بغية العمل على تلافيه وتجنب الوقوع فيه...

وعلى هذا الأساس فان ما يمكن استنتاجه من تعاقب الاحداث هو أن الحركة الصهيونية التي عقدت عام 1897 مؤِتمرها الأول في بازل، ثم إسرائيل ومن ورائهما القوى الغربية دائما، عرفتا كيف تتحينان الفرص وربما كيف تخلقانها لتحقيق أهدافهما، هدفا بعد هدف، ولو جزئيا وبالتدريج.

ولا بد من الإقرار هنا بأن تطوّر الأحداث لا سيما منذ أن قسّمت اتفاقية سايكس بيكو منطقة الشرق الأوسط سنة 1916، أخذ مسارا تصاعديا لفائدة إسرائيل التي عرفت كيف "تثبت وتثابر" على تجسيم مشروعها، وذلك على عكس الفلسطينيين والعرب الذين اتسمت سياساتهم ومواقفهم وخياراتهم بالتقلب والتذبذب المستمرين حتى اليوم.

فما هي أهم أهداف إسرائيل في المرحلة الراهنة؟

إنها في رأيي تتمثل فيما يلي:

1- إقامة الدولة اليهودية الخالصة وهو ما تعلنه إسرائيل وتؤيده الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة.

2- العمل على إجهاض حل الدولتين ومنع قيام الدولة الفلسطينية، إذ ما زالت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تتنافس على توسيع نطاق الاستيطان، في الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1967 حتى أصبح قيام الدولة الفلسطينية عليها أمرا شبه مستحيل.

3- الرفض القطعي لتطبيق حق العودة وإنهاء مشكلة اللاجئين الفلسطينيين التي تعتبرها إسرائيل قنبلة بشرية موقوتة، وعامل تهديد لديموغرافية المجتمع الاسرائيلي. وقد شكّلت هذه القضية، بأبعادها السياسية والانسانية واحدة من أهم مفاصل النزاع الفلسطيني العربي مع إسرائيل، نتيجة الأضرار البالغة التي لحقت سواء بالإنسان او بالأرض الفلسطينية، وخاصة على امتداد نصف القرن الماضي بعد احتلال إسرائيل لبقية الأراضي الفلسطينية عام 1967.

وقد دَلَّ مسارُ تطوّرات هذه القضية على رغبة إسرائيل الأكيدة في إفراغها من مضمونها، وفي طيّ ملفها خاصة من خلال العمل على توطين اللاجئين الذين كان عددهم لا يتجاوز بضع مئات من الالاف سنة 1948 وأصبح اليوم أكثر من اربعة ملايين، في الدول المجاورة كالعراق ودول الخليج، بالإضافة إلى الاردن وسوريا ولبنان.

والمؤسف في هذا النطاق أن موقف الدول الغربية يتوافق مع الموقف الإسرائيلي ويدعمه.

ولاحظوا مثلا أن الرئيس الاميركي ريتشارد نيكسون بعث الى رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير، في جويلية 1970، أي ثلاث سنوات بعد نكسة سنة 1967، برسالة جاء فيها ما يلي: "إن بلادي لن تضغط لحمل اسرائيل على قبول حل لمشكلة اللاجئين". 

4- إبقاء العرب في حالة إنهاك دائم حتى يتسنى الضغط عليهم وارغامهم على القبول بالأمر الواقع، وفي هذا الإطار تندرج دوامة الحروب التي شنتها إسرائيل منفردة أو مع حلفائها الغربيين على الدول العربية المجاورة والاعتداءات التي قامت بها على العديد من الدول الأخرى مثل تونس والعراق والسودان والامارات وليبيا، كما تندرج فيه الصراعات والنزاعات الدموية التي عملت على خلقها في العديد من البلدان العربية أو بينها...

وبالنظر إلى صمود بعض الدول العربية واستمرارها في الممانعة وفي التمسك بحق مقاومة الاحتلال الإسرائيلي جاء العمل المُمَنْهَج على تدمير هذه الدول، وهو ما يظهر بكل وضوح في اللوحة القاتمة التي بدأنا بها هذه المداخلة والتي تتمثل في تدمير العراق والسعي الى تفكيكه، وتدمير سوريا والعمل المستمر على تقسيمها، وكذلك تدمير ليبيا واليمن وتقسيم السودان، وقد يكون القادم أعظم...

ولعله من المفيد أن نشير هنا الى أن وزير خارجية فرنسا في الخمسينات كريستيان بينو الذي هندس للعدوان الثلاثي على مصر سنة 1956 سأل الرئيس الأمريكي دوايت ديفيد ايزنهاور Dwight David Eisenhower عن أسباب رفضه لسيناريوهات وكالة الاستخبارات الامريكية لاغتيال الرئيس جمال عبد الناصر، فكان جوابه "أن اغتياله سوف يزيد من زعامته، لكن العمل الناجع الحقيقي إزاء العرب هو أن نتركهم ضعفاء وتابعين لعدة أجيال".

حضرات السيدات والسادة:

في الخطاب الذي ألقاه الرئيس الفلسطيني محمود عباس يوم الأربعاء 20 سبتمبر 2017 أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة في دورتها الثانية والسبعين، قال ما يلي:

"في خطابي أمام جمعيتكم في العام الماضي، طالبت الحكومة البريطانية بتصحيح خطإ فادح ارتكبته بحق الشعب الفلسطيني عندما أصدرت وعد بلفور عام 1917، الذي يمنح اليهود وطنا قوميا لهم في فلسطين… لكن الحكومة البريطانية لم تحرك حتى الآن ساكنا إزاء مطالبتنا لها بتصحيح خطئها التاريخي بحق شعبنا بالاعتذار للشعب الفلسطيني وتعويضه، وبالاعتراف بدولة فلسطين. والأسوأ من ذلك أنهم يريدون في نوفمبر أن يحتفلوا لمناسبة مائة سنة على جريمتهم هذه بحقنا".

وبالفعل فإن بريطانيا التي تتحمل دون أي ريب مسؤولية قانونية وسياسية وأخلاقية وإنسانية عن المأساة الفلسطينية قابلت الطلب الفلسطيني بالرفض، وأكدت رئيسة وزرائها تيريزا ماي أنها ستحتفل، باعتزاز، مع نظيرها الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بمناسبة مرور مائة عام على إصدار الوعد، وقالت إننا "نفتخر بدورنا في إقامة دولة إسرائيل... وأمامنا المزيد مما نفعله لهم!".

وفي نظري فإن موقف بريطانيا الذي لم يعبأ بتلويح الجانب الفلسطيني برفع قضايا قانونية عليها، في حال أصرت على الاحتفال بالمئوية، يمكن أن يفسر بثلاثة عوامل:

1- أن بريطانيا عندما خططت لإيجاد كيان سياسي يهودي وزرعه في فلسطين كانت تعتبر أن هذا الكيان سيكون مَشْغَلَةً للعرب ينهك قواهم ويعرقل كل محاولة للوحدة فيما بينهم ويسهل السيطرة عليهم واستغلالهم والاستحواذ على ثرواتهم. 

وقد نجحت بريطانيا في تحقيق جانب هام من هذه الغاية التي آل أمر استكمال تحقيقها فيما بعد الى الولايات المتحدة الامريكية وعامة القوى الغربية... 

2- من هذا المنطلق يمكن القول إن وعد بلفور في نظر بريطانيا والغرب "منجز تاريخي عظيم" ينبغي الاحتفال به لا الاعتذار عنه، خاصة وأن ميزان القوى في المنطقة ما فتئ يختل لفائدة إسرائيل وعلى حساب الجانبين الفلسطيني والعربي.

على أن الأهم من ذلك هو ان القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية تعتبر ان وعد بلفور لم يحقق بعد كل أهدافه، فإسرائيل كدولة يهودية خالصة لم تقم بعد، وما زالت بعض الدول العربية تمانع في الصلح معها، وهذا ما دفع بالولايات المتحدة التي جعلت من حماية إسرائيل ورعايتها تعهّدا استراتيجيا إلى وضع مشروع ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد الذي يجري العمل على إعادة تشكيل دوله بالاعتماد على أسس عرقية ودينية ومذهبية وطائفية، مما سيجعل أمر الدولة اليهودية الخالصة أمرا طبيعيا في محيط وقع تفتيته على تلك الأسس...

3- أما العامل الثالث وهو في نظري الأخطر فهو حالة الانقسام والتناحر التي آل اليها حال العرب اليوم، ففي ظل هذه الحالة لم تعد القضية الفلسطينية كما كانت في مرحلة ما محل حد أدنى من الاجماع العربي، على الأقل في الظاهر وعلى مستوى الخطاب، كما أخذت القواسم المشتركة بين العرب في التلاشي والاضمحلال لا سيما بعد أن جنحت بعض الدول العربية الى الصلح المنفرد مع إسرائيل، وآثر البعض الاخر التطبيع معها سواء في العلن او في السر، بل إن بعض العرب وصل الى حد التحالف أو التعبير عن استعداده للتحالف مع إسرائيل ضد ما يعتبرونه عدوا مشتركا لهم ولها.

حضرات السيدات والسادة:

إن وعد بلفور اليوم وبعد مرور مائة عام على إصداره ما يزال فاعلا ومُفَعَّلاً، لأن ما سمّي بالوطن القومي للشعب اليهودي في هذا الوعد لم يكتمل تكوينه بعد، والدليل على ذلك أنه ما يزال يتمدد ويقضم كل يوم المزيد من أراضي الوطن الذي كان ذات يوم للفلسطينيين.

وبالرغم من التَّبَدّلات العميقة الإقليمية والدولية التي عرفتها المائة سنة الأخيرة فان الثابتين الوحيدين في الصراع الفلسطيني العربي الإسرائيلي هو استمرار مأساة الشعب الفلسطيني وتعقّد الأوضاع العربية، في مقابل التمكين لإسرائيل على جميع المستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية.

وما يُخشى الآن هو أن يستمر الفلسطينيون والعرب على نفس الحال وهو ما سيسمح لإسرائيل بدعم من حلفائها بالمضي قدما في تنفيذ مخططاتها الرامية إلى:

1- استبعاد حل الدولتين نهائيا، وفي هذا الإطار نذكّر بما جاء في خطاب الرئيس محمود عباس أمام الأمم المتحدة حيث قال: لم يعد هناك مكان لدولة فلسطين وهذا غير مقبول لنا ولكم.

2- تكريس النزوع ولو مرحليا نحو دولة واحدة بنظامين وهو ما تحدث عنه أيضا أبو مازن في نفس الخطاب عندما قال: "ولكن إذا تم تدمير خيار الدولتين، وتعميق وترسيخ مبدإ الدولة الواحدة بنظامين (أبرتهايد) من خلال فرض الأمر الواقع الاحتلالي، وهو ما يرفضه شعبنا والمجتمع الدولي، وسيكون مصيره الفشل، فلن يكون أمامكم وأمامنا إلا النضال والمطالبة بحقوق كاملة لجميع سكان فلسطين التاريخية".

3- استعجال تنفيذ التعهّد بنقل سفارة الولايات المتحدة الى القدس، وقد عاد الرئيس دونالد ترامب خلال الأيام القليلة الماضية إلى الحديث عن هذا الموضوع فأكد اعتزامه "اتخاذ قرار بهذا الشأن في مستقبل غير بعيد".

4- مواصلة البحث عن حل بديل للدولة الفلسطينية خارج فلسطين وربما في مصر، وبالتحديد في سيناء.

وقد راج مؤخرا الحديث عن مبادرة لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بما سمي بـ"صفقة القرن"، التي أشاعت بعض الأطراف عن قصد أو عن غير قصد أن "صفقة القرن" تعني إعطاء جزء من سيناء للفلسطينيين لتشكيل دولتهم، وأن المصالحة الجارية بين فتح وحماس ليست سوى تمهيد لها.

وقد نفى وزير الخارجية المصري سامح شكري هذه الاشاعة وقال إن "صفقة القرن" لا تعني التنازل عن أي أراض مصرية.

5- إرغام دول الممانعة على التسليم بالأمر الواقع الإسرائيلي من خلال شن المزيد من الحروب عليها إما بشكل مباشر أو عن طريق الحلفاء.

وفي هذا الإطار وبالنظر إلى فشل رهاناتها على تفكيك سوريا واسقاط نظام الرئيس بشار الأسد الذي جعلت منه أحد أهدافها الاستراتيجية لا يستبعد الملاحظون أن تتوجه إسرائيل نحو شن حرب جديدة مزدوجة على الجبهة اللبنانية للقضاء على حزب الله وتدمير لبنان ككل، وعلى الجبهة السورية لتحقيق ما لم تحققه حرب السنوات الست في سوريا.

6- الإمعان، بدعم "سخي" من الولايات المتحدة والرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالذات، في دفع الدول العربية السنية الى مزيد التعاون والتنسيق معها على قاعدة العداء المشترك لإيران الشيعية. 

وفي هذا السياق أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في السادس من سبتمبر الماضي، أن هناك تعاونا على مختلف المستويات مع دول عربية لا توجد بينها وبين إسرائيل اتفاقات سلام، وأوضح أن هذه الاتصالات تجري بصورة غير معلنة، وهي أوسع نطاقا من تلك التي جرت في أي حقبة سابقة من تاريخ إسرائيل.

7- الدفع باتجاه ضرب إيران إما من قبل الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها في حلف شمال الأطلسي مثلما فعلت بالعراق وجزئيا بسوريا واما من قبل دول الخليج، وذلك لوضع حد لدور ايران العسكري المتنامي في العراق وسوريا ولبنان وأماكن أخرى في المنطقة.

حضرات السيدات والسادة،

إن نجاح إسرائيل في تحقيق هذه المآرب كليا أو جزئيا سيعني أننا سندخل في قرن جديد من عمر وعد بلفور ونحن على صفيح ساخن من النزاعات والصراعات والحروب التي بقدرما ستفاقم من أوضاع الفلسطينيين والعرب بقدرما ستكرس هيمنة إسرائيل وستمنحها دورا قياديا في المنطقة وستمكنها من توسيع رقعتها من خلال تأبيد الاحتلال وفرض الاستيطان كأمر واقع... 

وبعد حضرات السيدات والسادة فان المفكر السوري الدكتور جورج جبور الذي كرس السنوات العشر الماضية للدعوة الى اعتذار بريطانيا عن اصدار وعد بلفور يقول في كراس وجهه في مارس 2017 إلى قمة عمان تحت عنوان "مئوية وعد بلفور ومستقبل الامن والتعاون في الأوسط والمتوسط" إن "امتشاق سلاح المئويات مفيد في ربط الماضي بالحاضر، في اعادة قراءة الماضي على ضوء الحاضر، بل في إعادة تقييم الماضي على ضوء الحاضر"، فهل سيربط الفلسطينيون والعرب في هذا اليوم ماضيهم بحاضرهم وهل سيعيدون قراءة ماضيهم على ضوء حاضرهم بل هل سيعيدون تقييم ماضيهم على ضوء حاضرهم؟..

إننا نأمل ذلك حتى لا ندخل القرن الجديد من عمر وعد بلفور ونحن لم نستخلص العبر التي ينبغي استخلاصها من نكبات ونكسات القرن الأول من عمره، وحتى لا يكرر التاريخ نفسه ولا نكرر ما ارتكبناه من أخطاء وخطايا في حق أنفسنا فلسطينيين وعربا...

وان الظرف اليوم لمناسب، بالنظر الى ما يشهده العالم من انحسار للقطبية الأحادية، ومن إعادة توزيع جوهرية لأدوار القوى الدولية الكبرى الفاعلة والمؤثرة على المسرح العالمي"...

محمد إبراهيم الحصايري

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.