إنّ هذا لشيء عجاب: وسائل الإعلام بين الملاحقة وبين المتابعة!..

لعلكم لاحظتم مثلما لاحظت أن وسائل إعلامنا، على كثرتها وتنوّعها،تركّز اهتمامها بشكل كلّي أو يكاد يكون كلّيا على ملاحقة أحداث الساعة...
ولأنّلكلّ يوم نصيبه من الأحداث، فإن صفحةَ أحداث الأمس سرعان ما تُطْوى لتُفْتَح صفحة أحداث اليوم، وصفحة أحداث اليوم سرعان ما تُطوى لتُفْتَحَ صفحة أحداث الغد، وهلم جرّا...
وتبعا لذلك، فإنّك لا تكاد تجد وسيلة من وسائل الاعلام،(سواء كانت قناة تلفزيةأو إذاعة أو صحيفة أو موقعا الكترونيا)،تخصّص حيّزا من وقتها أو من ورقها لمتابعة امتدادات هذه الأحداث...
وكم هي كثيرة القرارات التي يُعْلَن عنها ولا يتم تنفيذها، والوعود التي تُطْلَق ولا يتم الوفاء بها، والقضايا التي تٌثَار ولا يتم البتّ فيها، والملفّات التي تُفْتَح ولا يتم غلقها، ولجان الدرس أو التحقيق التي تُؤَلّف ولا تظهر نتائج درسها او تحقيقها، حتى ينساها الناس تحت ضغط تلاحق الأحداث باستمرار وبسرعة فائقة...

وفي رأيي، وبعد كل هذه السنوات الحبلى بالآمال المجهضة التي عشناها منذ جانفي 2011، أعتقد أنه بات من المهم ومن الضروري أن تتولّى وسائل إعلامنا أو على الأقل بعضها تخصيص شيء من اهتمامها لمتابعة صيرورات تلك القرارات والوعود والقضايا والملفّات واللجان، خطوة بخطوة ومرحلة بعد مرحلة...

إن تخصيص بعض البرامج التلفزية والإذاعية وبعض الأركان الصحفية للمتابعة من شأنه أن يمكّن الرأي العام من أجوبة على الأسئلة التي تراوده ولكنّه لا يعرف إلى من يتوجه بها، ولا يجد من يجيبه عليها، وهو إلى ذلك، وهذا الأهم، سيساعد على كبح جماح السياسيين والمسؤولين المهووسين بالظهور في وسائل الاعلام بموجب وبدون موجب،وسيردعهم عن إطلاق الوعود بلا حساب، خاصة وانهم يعلمون انهم لن يحاسبوا عليها لأنهم لن يعمّروا طويلا على راس مناصبهم بعد ان بات معدل عمر حكوماتنا المتعاقبة لا يتجاوز العشرة أشهر...
ولنأخُذْكمثال على ما أقول مؤتمر الاستثمار الدولي "تونس 20/20" الذي صدّعوا آذاننا بالحديث عن فعالياته الناجحة وعن نتائجه الباهرة، ولكنهم بعد ذلك التزموا الصمت المطبق،وكم كان سيكون مفيدا لو أن وسائل الإعلام تابعت امتدادات هذا المؤتمر حتى يكون الرأي العام على بينة منها وحتى لا يشعر كما بات يشعر اليوم وبعد مرور ما يقارب السنة على انعقاده،بأنه "سمع جعجعة ولم ير طحنا"...

وأنا إذ آمل أن يتمعّن أصحاب وسائل الإعلام في هذه الفكرة وأن يدرسوا إمكانية الأخذ بها، فإنني أعتقد أن أي وسيلة ستتبناها ستغنم منه الكثير، ففي زمن أصبحت فيه "الفرقعات" الإعلامية مقياساللنجاح الجماهيري والمادي، سيكون أي برنامج أو ركن من النوع المقترح قادرا على توليد ما يكفي من "الفرقعات" الإيجابية الكفيلة باستقطاب كل متعطش لجواب على أسئلته الحارقة الحائرة، وكم هو كبير عدد هؤلاء المتعطشين لا سيما في هذا الزمن الذي شح فيه ماء السماء والأرض معا./.

محمد إبراهيم الحصايري