المصالحة في المجال الإداري : قانون ثوري لرفع الظلم والقطع مع رواسب الماضي
صادق مجلس نوّاب الشعب المجتمع في دورة استثنائيّة يوم الأربعاء 13 سبتمبر 2017 على مشروع القانون الأساسي المتعلّق بالمصالحة في المجال الإداري، بموافقة 117 نائبا على كامل فصوله ورفض 9 نوّاب واحتفاظ نائب واحد بصوته، وذلك بعد نقاشات صاخبة طغى عليها التشنّج ، تبادل خلالها المدافعون عن المشروع ولا سيّما من الائتلاف الحاكم من جهة، ونوّاب المعارضة من جهة أخرى، التهم التي وصلت إلى حدّ القدح والسبّ أحيانا.
وبغضّ النظر عن هذه الأجواء المشحونة والتجاذبات الحادّة التي لم تعد غريبة عن المشهد البرلماني في تونس، فإنّ الرؤية المتبصّرة تحمل على اعتبار هذا القانون حدثا فارقا وعلى غاية الأهميّة في تونس اليوم ،إذ يسهم في القطع مع رواسب الماضي وإرساء جوّ جديد سمته الثقة وتصالح التونسيين بين بعضهم البعض بما يمكّن البلاد من السير على درب إعادة البناء ومغالبة التحديّات في ظرف اقتصادي واجتماعي صعب ودقيق.
ردّ الاعتبار لكفاءات وطنية ورفع الظلم عنها
وتكمن أهميّة هذا القانون بالخصوص في ردّ الاعتبار لكفاءات وطنية من مختلف المستويات والتخصّصات ورفع الظلم عنها بعد أن صدرت ضدّ عدد منها أحكام قاسية بالسجن وغرامات ماليّة باهضة ، فيما ظلّ شبح الأيقاف يتهدّد البعض الآخر في قضايا منشورة أمام القضاء بمقتضى الفصل 96 من المجلّة الجزائية، وذنب هؤلاء الوحيد أنّهم طبّقوا تحت الضغط تعليمات أسدتها جهات عليا دون أن يرتكبوا جريمة الاستيلاء على أموال عموميّة أو استغلال وظائفهم لتحقيق منفعة لأنفسهم. ولا شكّ أنّ هذا القانون سيمكِّن من وضع حدّ للشلل الذي أصاب الإدارة التونسية ويحرّر المبادرة لدى إطاراتها وأعوانها ويعيد إلى حضيرة العمل الوطني طاقات مقتدرة تحتاج إليها تونس في الوقت الراهن للخروج من أزمتها الخانعة.
صيغة أولى تلاقي الصدّ والرفض
الجدير بالذكر أنّ مشروع القانون الذي صودق عليه أمس شهد تعثّرا في إعداده في ضوء المبادرة التشريعية التي قدّمها رئيس الجمهورية سنة 2015 ، من منطلق إيمانه الراسخ بحتمية السعي إلى تحقيق المصالحة الوطنية . مشروع القانون الذي أشرف على إعداد صيغته الأولى رضا بلحاج مدير الديوان السابق وفريق من المستشارين ألّفه حوله كان لا يهمّ فقط الموظّفين العموميين وأشباههم، بل يهمّ كذلك رجال الأعمال وجرائم الصرف. ولم تكن طريقة تقديمه مناسبة ولا متماشية مع رؤية رئيس الجمهورية. وقد لقيت الصيغة الأولى صدّا كبيرا ورفضا مطلقا، نظرا لعدم التشاور مع الأطراف المعنية بشأنها.
طرح بأسلوب جديد وبمساندة أوسع
وبقدر ما أسف الرئيس الباجي قايد السبسي، حسب مصادر مقرّبة منه، لهذه الوضعيّة، فإنّه لم يفقد الأمل في إعادة طرح المبادرة بأسلوب جديد وبمساندة أوسع. وقد اضطلع الفريق الجديد المتكوّن من سياسيين ومستشارين قانونيين والذي نسّق أعماله سليم العزّابي مدير الديوان الرئاسي بدور هامّ في إعادة صياغة مشروع القانون بالتركيز في المقام الأوّل على الموظّفين العموميين وإشباههم وفكّ الارتباط بينهم وبين رجال الأعمال وجرائم الصرف . وتمّ إجراء مشاورات موسّعة ومعمّقة مع عديد الأطراف والاستماع إلى مختلف الآراء. وعند مناقشة المبادرة الرئاسية على مستوى لجنة التشريع العامّ في مجلس نوّاب الشعب، أبدى مدير الديوان الرئاسي موقفا واضحا وصريحا وهو حرص رئاسة الجمهورية على التفاعل الإيجابي مع ملاحظات النوّاب والانفتاح على كلّ اقتراحاتهم. ولعلّ هذا الفهم الجديد لرؤية الرئيس الباجي قايد السبسي والطرح الوارد في صيغة 2017 كانا من أسرار المصادقة على مشروع القانون، رغم ما أثاره من تجاذبات وردود فعل غاضبة، كانت متوقّعة تحت قبّة البرلمان.
بحكم هذا التصويت الأغلبي، فإنّ قواعد الديمقراطية تفترض الشروع في تنفيد القانون رفعا للمظالم وتحقيقا للمصالحة بين الإدارة وكفاءاتها.
تحميل نصّ القانون الأساسي المتعلّق بالمصالحة في المجال الإداري
- اكتب تعليق
- تعليق