أخبار - 2017.08.18

اجتمـاع »المَنَـامَة« وتكريــس »الأزمـة المُستـدامَـــة«..

اجتمـاع »المَنَـامَة« وتكريــس »الأزمـة المُستـدامَـــة«..

مرّة أخرى، لا أجد مهرَبًا من الكتابة عن الأزمة الناشبة بين الرّباعي الخليجي المصري وبين دولة قطر... فبعد أن كان من المؤمّل أن تتدرّج هذه الأزمة نحو شيء من الانفراج وربّما بداية تسوية ما، لا سيّما في ظل تواصل الوساطة الكويتية، وكثافة التحرّكات التي قامت بها العديد من الأطراف الإقليمية والدولية، جاء اجتماع وزراء خارجية الدول الأربع في العاصمة البحرينية «المنامة» يوم الأحد 30 جويلية 2017 ليعيدها إلى النقطة الصفر... بل إنه، بالبيان الصادر عنه وبالتصريحات التي أدلى بها الوزراء في نهاية أعماله، قد زاد الطين بلّة...

بالرغم مـــن أنّ الولايــات المتحدة الأمريكية حرصت على التأكيد بكلّ وضوح، قُبَيْلَ الاجتماع، على لســـان المتحـدّثة باسم وزارة خارجيتها «أنّ على المملكـة العربية السعودية أن تدرك أنها لا يمكن أن تفوز في عدائها لقطر»، فإنّ الوزراء المجتمعين، بعد أيام قليلة من إصدار قائمة ثانية ضمّت أسماء تسعة إرهابيين وتسع مؤسسات ذات علاقة بقطر تدعم التنظيمات الإرهابية في عدد من الدول العربية، لم يَتَوَانَوْا عن التأكيد على أنه لا مجال للتحاور أو التفاوض مع الدوحة إلا إذا استجابت للمطالب الثلاثة عشر التي كانت دولهم وجهتها إليها بُعَيْدَ إعلان القطيعة والحصار، وإلا إذا تقيّدت بالمبادئ الستّة التي تمخّض عنها اجتماع القاهرة يوم  الأربعاء 5 جويلية 2017.

ويُستخلَصُ ممّا تقدّم أنّ الرباعي الخليجي المصري مُصِرٌّ إصرارًا على التمسّك بموقفه، وعدم التزحزح عنه قيد أنملة، بل إنه يتّجه نحو التمادي في تصعيده حيث أنه شدّد، في إطار الردّ على الانتقادات الموجَّهة إليه حتى من بعض أصدقائه وحلفائه، على أنّ جميع الإجراءات التي قام باتخاذها ضدّ قطر هي «من أعمال السيادة وهي تتوافق مع القانون الدولي»، وعلى أنّ الدوحة هي المسؤولة الوحيدة عن فرضها عليها، وعن الأضرار التي لحقت بالشعب القطري من جرائها وذلك بسبب «السياسات العدوانية التي تمارسها فيما يتعلق بدعم الإرهاب وتمويله»...

ومن دلائل هذا التصعيد أيضا، أنّ البيان الصّادر عن الاجتماع لم يَكْتَفِ بالتأكيد على التُّهم التي كانت الدول الأربع وجّهتها إلى قطر، وهي دعم الإرهاب وتمويله، وتهيئة الملاذ الآمن للمطلوبين قضائيا لدى دولهم، وللمتورّطين في الإرهاب وتمويله، ونشر خطاب الكراهية والتحريض والتدخّل في شؤون دُوَل المنطقة... بل زاد عليها تهمة أخرى هي «تسييس» الحجّ بسبب الشكوى التي تقدّمت بها اللجنة الوطنية القطريّة لحقوق الانسان إلى مُقَرِّرِ الأمم المتحدة الخاصّ المعني بحرية الدين والعقيدة حول ما سمّته العراقيل والصعوبات التي وضعتها السلطات السعودية أمام قيام المواطنين القطريين بأداء مناسكهم... 

ثم إنّ هذا التصعيد يظهر فيما لمّح إليه وزير خارجية الإمارات العربية المتحدة الذي قال «إنّ الدول الأربع يمكن أن تتّخذ مجموعة من الخطوات الجديدة ضد الدّوحة»، ولئن لم يوضّح ماهية هذه الخطوات ولا توقيت اتّخاذها، فإنّ نظيره المصري ذكر أنّ تنفيذ مطالب الرباعي الخليجي المصري «يقتضي وضع آليات ينبغي أن تكون كاملة وأن تشارك في وضعها ومراقبة تنفيذها الدول الأربع، وربما دول أخرى فاعلة، حتى نضمن أن يكون تنفيذ كل ما يحقق مصالح دول المنطقة والعالم أجمع تنفيذا كاملا وشفّافا».

وواضح من هذه التصريحات، أنّ «دول القطيعة والحصار» بصدد إعداد العدّة فيما بينها، ومع بعض الأطراف الإقليمية والدولية لاتخاذ الخطوات الجديدة الموعودة، وربّما تكون أرادت، بمُخْرَجَات اجتماع «المنامة»، تهيئة الرأي العام في المنطقة والعالم لتقبّل هذه الخطوات وحتى الانخراط معها في تطبيقها... وهذا ما يُسْتَشَفُّ من الأدبيات التي حاول الاجتماع الترويج لها حين شدّد على أنّ مقاطعة الدول الأربع لقطر ليست من مصلحتها وحدها، وإنّما هي من مصلحة كافة دول المنطقة، وسائر دول العالم بأسره...

وفي هذا الصدد ينبغي التوقّف عند حديث العاهل البحريني خلال استقبالـــه لوزراء الخارجية حيث أكّد على ضرورة التضامن بين جميع الدول لمواجهة الإرهاب، وطالب بتجفيف منابع تمويله، وشدّد على ضرورة مواصلة الجهود والتنسيق على المستويين الإقليمي والعالمي لدحره واجتثاثه...

وممّا جاء على لسانه خاصة، أنّ بلاده «تقف صفاً واحداً مع شقيقاتها في كل ما تتّخذه من مواقف مشتركة وإجراءات لمواجهة التحديات والمخاطر» و«أنّ بقـاء الــدول العربية قوية ومتماسكة مرهون بتضامنها وتكاتفها وتآزرها في مواجهة كافة التحدّيات، فالعمل العربي المشترك هو القاعدة التي نستند عليها، والخيار الحتمي في هذه المرحلة الدقيقة التي نمرّ بها، والتي تتطلب تفعيل التعاون فيما بيننا وتوحيد ورصّ صفوفنا لحماية مصالحنا العليا ودرء كافة مخططات تفريق وحدتنا وتشتيت شملنا وتقويض أمننا القومي».

وبعيدا عن أي إحساس بالتناقض بين ما تقوله الدول الأربع وما تفعله، وفي تجاهل تامّ لرحى الحرب  التي ما تزال تطحن الشعب اليمني منذ أكثر من سنتين، يضيف البيان الصادر عن الاجتماع أنّ هذه الدول حريصة على دعم الأمن والسلم في المنطقة ومعالجة كافة مشكلاتها وحمايتها من سياسات دعم وتمويل الجماعات المتطرفة وإيواء الإرهابيين التي تسبّبت في أزمات إنسانية خطيرة، حيث تمّ تهجير مئات الآلاف من أبناء شعوبها من بيوتهم ليواجهوا ظروفا صعبة ومحنا قاسية في مختلف أنحاء العالم، ويجب العمل على إعادتهم إلى ديارهم آمنين وتوفير الاستقرار لهم. أمّا على الصعيد الدولي فقد شدّد البيان على أنّ الوقت قد حان ليتحمّل المجتمع الدولي مسؤوليته لوضع نهاية لدعم التطرّف والإرهاب وأنه لم يعد مكان لأي كيان أو جهة متورّطة في ممارسة أو دعم أو تمويل التطرف والإرهاب في المجتمع الدولي أو كشريك في جهود التسوية السلمية للأزمات السياسية في المنطقة.

وانطلاقا من كل ما تقدم فإنّ الخلاصة هي أنّ الدول الأربع تريد أن تستديم الأزمة أي أن تجعلها «أزمة مستدامة» خدمة، فيما أرى، لهدفين اثنين هما: أولا تسخيرها لتحقيق أهداف «الأجندة الخفية» التي جعلتها تفتعلها وتباغت بها المنطقة والعالم في هذا التوقيت بالذات، وثانيًا الاستفادة منها في مواجهة الاستحقاقات العسيرة التي ستداهمها حتما إن عاجلا أو آجلا، والتي بدأ بعضها يطلّ برأسه من الأفق الغائم البعيد...

وفي رأيي، فإنه ليس من المستبعد أن تكون محاولة الدول الأربع إلصاق تهمة الإرهاب بدولة قطر وحدها، هي في ذات الوقت محاولة لنفي هذه التهمة عن نفسها... بل هي أكثر من ذلك محاولة لتقمّص دور البطولة في مكافحة هذه الآفة، لا دفاعا عن أمنها فحسب، وإنّما دفاعا عن أمن المنطقة والعالم أجمع...

وحين نلاحظ أنّ تفعيل قانون «جاستا» الأمريكي ضدّ المملكة العربية السعودية يجري على قدم وساق رغم ما بذلته الرياض خلال القمة الأمريكية العربية الإسلامية من جهد ومال لإرضاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فإنّنا نفهم مدى حاجتها للظهور بهذا المظهر...

على أنّ المؤسف حقّا في هذا الموقف المتصلّب المُشْبَع بالكثير من العناد والمكابرة أنّ أصحابه يغفلون أو يتغافلون عن أنّ الأزمة كلّما طالت كلّما شهدت المزيــد مــن التشعّب والتعقّد خاصة وأنّ كلا الطرفين سيواصلان، على نحــو ما نراه الآن، التفنّن في فضح بعضهما البعض أمام المجتمع الدولي، وسيعمل كل منهما على إلصاق تهمة الإرهاب بالآخر، وهو ما سيشكّل حجّة على كليهما يمكن أن تستخدم في معاقبتهما ومحاسبتهما عندما تأتي ساعة العقاب والحساب، وهي آتية لا ريب فيهـــا... وفي الأثناء سيظل الطرفان، كما هو شأنهما الآن، عرضة للمزيد من الابتزاز وسرقة المقدّرات... وليست صفقات السلاح التي يتنافسان على إبرامها بمليارات الدولارات مع الدول الكبرى والفاعلة إلاّ دليلا على حالة غريبة من غيبوبة الوعي التي لا ندري كيف ولا متى سَيَسْتَفِيقَان منها.

محمد ابراهيم الحصايري

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.