رياض الزغل: أشكال العنف الاقتصادي المتعددة المسلطة على المرأة
إن العنف الاقتصادي هو قبل كل شيء تضييق مجال الإمكانيات ومصادرة الحريات الشخصية. يعتبر أمارتيا سان Amartya Sen الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد أن هناك نوعان من الحريات: الحريات الإيجابية التي تخول للفرد ممارسة قدراته والحريات السلبية التي تتمثل في رفع الحواجز التي تمنع الفرد من استغلال الفرص المتاحة والتي من الممكن أن تتاح له.
إن القانون الذي تم سنه مؤخرا للقضاء على العنف ضد المرأة يشتمل على أحكام تتعلق بالعنف الاقتصادي إذ هو موجود في عدة أشكال تصادر الحريات الإيجابية والسلبية على حد سواء. أولا هناك الاقصاءات: الاقصاء الكلي أو الجزئي من الميراث الذي يقصي بدوره من الاقتراض البنكي، وهناك الاقصاء الإحصائي حيث تغيب المساهمات النسائية في الاقتصاد من خلال انتاج وخدمات بدون أجر والتي لا تدون في الاحصائيات الرسمية باعتبارها واجبات عائلية لا غير. من نتائج هذا التغييب الإحصائي عدم الاعتراف أو احتقار مهن تتعاطاها النساء كالأشغال المنزلية والطبخ والصناعات التقليدية وغيرها، الشيء الذي يعزز عزوف الشباب عن تعاطيها ويحد من الاهتمام بالتكوين فيها ووضع برامج بحث وتطوير من شأنها تلقيح هذه المهن بشيء من العلوم والتكنولوجيا حتى يصبح تعاطيها أقل عناء وأكثر مردودية مما يساعد على الارتقاء بالقدرة على الانتاج من حيث الكمّ والجودة ويسمح بدخول أسواق أرحب من السوق المحلية والسوق الوطنية.
ولما يصادر مجتمع محافظ حرية المرأة في التنقل يقع عزلها عن السوق وتبقى أنشطتها منحصرة داخل الفضاء الأسري بدون أجر أو/وبمقابل مالي هزيل نظرا إلى أن الوسطاء أو بعض الأقارب من الرجال هم الذين يتحكمون في تسويق المنتوج بدلا عن المرأة المنتجة. وهكذا تبقى النساء منحصرات في الفضاء العائلي خاصة بالمناطق الريفية، مشتتات وغير قادرات على التجمّع والتنظّم في هياكل اقتصادية لها مقومات النمو والاسمرار. ورغم كل هذا فإن النساء يساهمن بقدر كبير في الناتج الداخلي الخام بفضل عملهن بدون أجر! لقد قدّر المعهد الوطني للإحصاء - مستعملا منهجية أثمان التعويض - مساهمة العمل المنزلي بدون أجر في الناتج الداخلي الخام ب 64% سنة 2006(1). وبينت دراسة قامت بها وزارة المرأة والأسرة سنتي 2005-2006 حول "ميزانية وقت المرأة والرجل" أن النساء يقضين 77,6% من الوقت يوميا في الأشغال المنزلية بدون أجر (العناية بالأطفال والمسنين، العناية بالبيت، الطبخ، التسوق/جلب الماء، الأعمال الفلاحية...) في المقابل لا تشغل الأعمال المنزلية إلا 9,4% من أوقات الرجال يوميا.
وهناك صنف آخر من العنف الاقتصادي المسلط على المرأة وهو يتعلق بالشغل. لقد أظهر المسح الوطني بعنوان "الشغل والسكان" للثلاثية الثالثة 2015 من سنة أن نسبة البطالة لدى النساء حاملات شهادات تعليم عالي تقارب ضعف النسبة لدى أمثالهن من الرجال 41,1 % مقابل 21,4 %، أما نسبة النساء النشيطات فبقيت بدون تغيير في مستوى 26% ما بين 2006 و2015(2).
ولا يقتصر التمييز ضد المرأة على فرص التشغيل إنما يمتد إلى الأجر والارتقاء المهني والوصول إلى مواقع القرار. لقد قدر صندوق النقد الدولي الفرق بين معدل اجور النساء ومعدل أجور الرجال ما بين 2000 و 2011 في تونس ب 45 %. أما المعهد الوطني للإحصاء فقد قام بأربع مسوح وطنية ما بين 1997 و2012 بمعدل مسح كل خمس سنوات وذلك في القطاع غير المهيكل الذي يعرفه بالمؤسسات التي تشغل أقل من 10 أعوان(3)، أظهرت هذه المسوح أن معدل الأجور التي تتقاضاها النساء هي دوما أقل من الأجر الأدنى المضمون بينما يفوق معدل أجور الرجال مستوى الأجر الأدنى المضمون، كما أن الفارق بين المعدلين تطور من 24,5% سنة 1997 إلى 35,5% سنة 2012 بمعنى أن معدل أجور النساء كان أقل بحوالي الربع من معدل أجور الرجال سنة 1997 وأصبح أقل بأكثر من الثلث في 2012 بعد الثورة!
وحسب دراسة قام بها معهد البحوث والدراسات الاجتماعية ما بين 2011 و2012 فإن الصورة ليست ألمع في القطاع المنظم حيث يرتفع الفارق بين معدل أجور النساء ومعدل أجور الرجال إلى 25,4 (%458,5 د مقابل 614,8 د)(4).
أما إذا كانت المرأة تطمح إلى صعود السلم المهني والوصول إلى مراكز القرار فهي تصطدم بسقف من البلور مخفي لكنه يمنع التقدم نحو الهدف. ومن الملفت غياب احصائيات موثوق بها حول نسبة تواجد النساء في مراكز القرار سواء في القطاع العمومي أو القطاع الخاص(5).
ختاما لا بد من التذكير بأن النساء يمتلكن رأس مال فكري من المعارف والمهارات يتطلب التثمين من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية محليا وجهويا ووطنيا أو كما قال صحفي بجريدة الفيقارو "يحتمل أن يكون قارب النجاة بالنسبة للدول الصاعدة هو شغل النساء".
اليوم وقد أصبحت القوة المحركة للاقتصاد العالمي هي المعرفة وبالتالي رأس المال البشري صار من الحتمي بالنسبة لبلدنا الذي يطمح إلى الانضمام إلى الدول الصاعدة أن يكفّ عن إهدار رأس المال هذا لأسباب واهية تتعلق بالنوع. إن الإصلاحات المؤسساتية مرحب بها ولكنها غير كافية ولا بد من معالجة العنف الاقتصادي المسلط على المرأة بمثل هذه المبادرات:
- تنقية الإطار القانوني من كل التراتيب التي تحتوي على تمييز ضد المرأة.
- الاعتراف بمهارات واختصاصات النساء حتى وإن كن أميات فما القراءة والكتابة إلا كفاءات من بين الكفاءات.
- مقاومة التسرب المدرسي المبكر الذي يؤدي إلى العود إلى الأمية خاصة في المناطق الريفية والأحياء الشعبية بالمدن الكبرى.
- تثمين المهن التي تتعاطاها النساء كالفلاحة والصيد البحري والصناعات التقليدية من خلال التكوين والتمكّن من سلسلة الإنتاج وتحسيس مؤسسات البحث والتطوير من أجل وضع برامج خاصة بهذه المهن. إن البحث والتطوير هو الطريق نحو تنمية طاقة الانتاج وتحسين جودة المنتوج والحد من مشقة العمل وحمل صاحبات هذه المهن المشتتات في المدن والأرياف وفي القطاع غير المهيكل على التجمع والاندماج في القطاع المهيكل.
- التحفيز على بعث مؤسسات بتكييف الآليات حسب الباعثات فهناك من يبحثن عن تثمين معارفهن وتجاربهن وهناك من يرغبن في البعث لكن ضيق ذات اليد يكبل مبادراتهن(6)
(1) INS, Rapport National Genre 2015, p.34
(2) idem
(3) INS op. cit. p. 38
(4),CRES, BIT (2012) Structure des salaires dans le secteur privé en Tunisie, p.24
(5) تتخطى الإحصائيات المنشورة بالتقريرالوطني لسنة 2015 الخاص بالنوع الاجتماعي سنة 2007
Autonomisation économique des femmes, emploi et entrepreneuriat, (2014) publications du CREDIF étude dirigée par Riadh Zghal (6)l
رياض الزغل
- اكتب تعليق
- تعليق