أخبار - 2017.07.21

الفريق أوّل محمّد سعيد الكاتب في ذمّة الله: إلى اللقاء أيّها الجنرال السعيد

الفريق أوّل محمّد سعيد الكاتب في ذمّة الله إلى اللقاء أيّها الجنرال السعيد

غادرنا الجنرال محمد سعيد الكاتب يوم 20 جويلية 2017. أسأل الله أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته ويلهم أهله وذويه جميل الصبر والسلوان.

كان محمّدا وسعيدا وكاتبا.

محمّد في لغة العرب هو من كثرت خصاله المحمودة. عرفته سنة 1972 عندما كان مديرا للأكاديمية العسكرية بفندق الجديد لمدّة قصيرة تناهز ثلاثة أشهر قبل أن يغادر البلاد للقيام بتربص قيادي في ألمانيا. وما زلت أتذكر جيدا بعض لقاءاته عندما يغمرنا بحضوره المفاجئ ويسدي لنا أغلى النصائح المهنية. أتذكر لقاء المسيرة الميدانية الليلية. كانت الساعة تشير إلى منتصف الليل في مسلك ريفي في منطقة جبلية بخنقة الحجاج ( الطريق السريعة حاليا). كانت ليلة قارسة والمطر ينهمر بغزارة كأفواه القرب والظلام دامس. توقف رتل المسير وطلب آمر الفصيل منا الهدوء والاقتراب. تفاجأ الجميع بوجود آمر الأكاديمية المقدّم محمد سعيد الكاتب في ذلك المكان النائي وفي تلك الظروف المناخية الصعبة وفي ذلك الوقت المتأخر من الليل. جاء ليتفقد تدريب فصيل من التلامذة الضباط. توجّه لنا بكلمات وجيزة كعادته وقال "بماذا تشعرون الآن وأنتم في مثل هذه الظروف الصعبة،  في مثل هذه الليلة، ليلة نحس يصطلي القوس ربها؟ زملاؤكم المدنيون ينعمون الآن بالدفء وبالأحلام اللذيذة في فراش وثير. أنتم أفضل حظّا منهم لأنكم تتدربون على الشدّة وتلك هي أولى خصال الضابط المحمود". وتمنى لنا بقية مشوار مليء بالجهد حتى نصقل مؤهلاتنا القيادية على أحسن وجه.

كان الفقيد لايغيب عن حصص الرمي والفروسية والمسيرات الميدانية وهي المحاور التدريبية الأساسية لتكوين شخصية الضابط الشاب. وكان يستغلّ هذه الحصص التدريبية ليتأكد من حسن أداء المدربين والتلامذة على السواء عاملا بمقولة العلامة ابن خلدون في التلقين :" على قدر الأصل تحصل الملكة". كان راميا ماهرا وفارسا شاطرا ومغرما حتى أنّه فضّل في تقاعده أن يعتني بالرمي والفروسية ضمن الجامعة التونسية للرمي والفروسية.وكان يقول" أتمنى أن أموت في رباط الخيل". كان قدوة لكل ضابط ميداني.

كان سعيدا في حياته المهنية العسكرية لأنّه عمل بتفان وإخلاص وسعدت به وحدات جيش البرّ ومدرسة ضباط الصف والأكاديمية العسكرية التي قادها وأصلح برامجها وطوّر أساليب عملها ووجّه تكوين إطاراتها نحو التدريب الميداني والعملياتي. ولا أشكّ في أنّ المؤسسة العسكرية تبخل عليه برضاها التام لما قدّمه لها من أعمال جليلة. واليوم يغادرنا سعيد سعيدا ونفسه راضية مرضية.

كتب تاريخه بأحرف من ذهب. وسجّل أعمالا جليلة في مجالات عديدة سواء في الميدان العسكري أو غيره. لا يمكن لي أن أودعّه اليوم وداعا أخيرا بل أقول له إلى اللقاء أيّها الفارس المحمود والقائد السعيد والكاتب العزيز.

محمد النفطي

إقرأ المزيد

روّاد الإصلاح فــي المؤسّـسة العــسكريـة

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.