عبد الحفيظ الهرقام: ملفّات حارقة في صيف قائظ
لا شكّ أنّ يوسف الشاهد ووزراءه وكبار المسؤولين في الدولة يدركون أنّه لا مجال لهم للراحة أو تخفيض نسق العمل في هذا الصيف القائظ، وبالذات في ظرف استثنائي كهذا الذي تمرّ به البلاد، بالنظر إلى ما يُبَاشَر من ملفّات حارقة تستوجب مثابرة وجهودا موصولة، إضافة إلى التخطيط والاستشراف وحسن التدبير. ومن بين هذه الملفّات ثلاثة على الأقلّ جديرة بأن نسلّط عليها أضواء كاشفة، لما لها من بالغ التأثير في المسيرة الوطنية، حاضرا ومستقبلا وهي:
معالجة الانخرام المتزايد لتوازنات الماليّة العمومية ودعم الانتعاشة الاقتصادية.
بالتوازي مع إعداد ميزانية 2018 التي يُتوقّع أن تكون هي الأخرى سنة صعبة، سينصرف اهتمام الحكومة طيلة هذه الفترة إلى البحث عن مصادر جديدة لاستكمال تمويل ميزانية الدولة لسنة 2017، إذ تقدّر الاحتياجات بحوالي 8,5 مليار دينار، وهو ما حدا بوزارة الماليّة إلى التوقيع مؤخّرا مع 13 بنكا محليّا على اتفاقية قرض مجمّع بالعملة الصعبة، قيمته 250 مليون يورو (حوالي 696 مليون دينار). وهذه الاتفاقية التي سيعقبها اللجوء مجدّدا إلى الاقتراض من السوق النقدية العالمية واستخدام رقاع الخزينة سابقة ينبغي التوقّف عندها، إذا علمنا أنّ الموارد المعبّأة ستخصّص لتمويل جانب من عجز ميزانية الدولة الناجم عن سوء التصرّف في المقدّرات الوطنيّة في السنوات الأخيرة، ممّا سيؤثّر في مساهمة البنوك في دفع محرّكات التنمية من استثمار وتصدير واستهلاك. ولعلّ في ذلك مؤشّرا لتقلّص الخيارات المتاحة أمام الحكومة في الوقت الذي يتعيّن فيه السعي إلى دعم الانتعاشة الاقتصادية التي تجلّت بوادرها في ارتفاع نسبة النموّ وزيادة قيمة الاستخلاص الجبائي والتطوّر النسبي للنشاط في قطاعي الفلاحة والسياحة خلال الأشهر الأخيرة.
في هذين القطاعين مسائل في حاجة إلى قدر كبير من العناية منها معالجة مشكل شحّ الموارد المائية الذي أثّر سلبا في مردود الفلاحة وتوفيرالظروف الآمنة للموسم السياحي مع الحرص على تحصيل الجانب الأوفر من عائدات السياحة بالعملة الصعبة التي تبتلع جزءا منها السوقُ السوداء، أهمّ منبع لتمويل التهريب والتجارة الموازية.
التعامل مع مطالب التنمية الجهوية بمنطق جديد
لا ريب أنّ الحكومة استخلصت عبرا ودروسا من أحداث تطاوين- الكامور وأدركت أنّ حقيقة الميدان أضحت اليوم مختلفة تماما عمّا تعتبره الدوائر الجهوية الرسمية والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني حقيقةً، وهي في الواقع مجرّد تصوّر للحقيقة. ألا يقول مثل أفريقي : «بين حقيقتي وحقيقتك تكمن الحقيقة»؟ قبلت الحكومة في نهاية المطاف التفاوض مع المحتجّين وقدّمت تنازلات وأمضى وزيرالتكوين المهني والتشغيل مع ممثّل عنهم على جملة من الالتزامات بعد وساطة من الأمين العام للاتّحاد العام التونسي للشغل. هل ستركن الحكومة إلى هذا الأسلوب المستحدث إذا ما اندلعت في قادم الأيّام احتجاجات شعبية في جهة أو جهات أخرى؟ ما تداعيات ذلك على سلطة الدولة وهيبتها في المستقبل؟
مهما يكن من أمر، فإنّ يوسف الشاهد يعلم جيّدا أنّه بات من الضروري اعتماد مقاربة مجدّدة للتنمية الجهوية تنطلق من سبر ميداني لشواغل وطموحات جهات عانت طويلا التهميش والحرمان وتأخذ في الاعتبار ما يعتمل فيها من طاقات كامنة.. مقاربة تقطع مع أساليب عفا عليها الزمن كالتمادي في التسويف والمماطلة والإعلان عن سيل من القرارات تعدّ في مكاتب مغلقة بعيدا عن حقيقة الميدان لتبقى في النهاية حبرا على ورق. فما من خيار اليوم أمام الحكومة سوى توخّي سبيل العمل الاستشرافي الممنهج والقرارات الشجاعة الحاسمة والإصلاحات الهيكلية الجذرية قصد صياغة نمط جديد للتنمية الجهوية من منظور وطني.
الارتقاء بمكافحة الفساد إلى سياسة دولة.
لئن آثر يوسف الشاهد وعدد من وزرائه التكتّم إلى حدّ الآن على الاستراتيجية المعتمدة في الحرب المعلنة على الفساد بالشروع منذ 23 ماي الماضي في الإطاحة بإمبراطورية فساد وإفساد امتدت إلى مختلف القطاعات والأوساط فإنّ ما خلصنا إليه بعد البحث والتقصّي في هذا الملفّ هو أنّ الأمر لا يتعلّق، في نظر الحكومة، بحملة ظرفيّة وإنّما بسياسة دولة تخضع لتمشّ منهجي يحدّد خطّة العمل ووسائل تنفيذها وكيفية بلوغ الأهداف مرحلة بعد مرحلة. ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه: هل بمقدور اللجنة المضيّقة التي يشرف عليها رئيس الحكومة باتصال دائم برئيس الجمهورية أن تواجه بمفردها ظاهرة الفساد بكلّ أشكاله وذلك بتفكيك شبكاته وتفرّعاته وتجفيف منابعه حتّى تتجلّى سياسة مكافحته في الممارسة اليومية وفي الحياة العامّة؟
من البديهي أنّ الحاجة ماسّة إلى هيكل مراقبة يعمل بقدر أوفر من النجاعة وضمن رؤية موحدّة لحماية المسار من كلّ المطبّات ومخاطر الارتداد والانتكاس.
هناك سؤال آخر ما فتئ يتردّد هذه الأيّام على الألسن : هل سيُفتح ملفّ الفساد السياسي في شتّى أوجهه، فضلا عن ملفّ التمويلات المشبوهة للأحزاب والجمعيات بكلّ ما قد يكشفان عنه من مفاجآت مذهلة؟
هل يصحّ في هذا الصدد قول طرفة بن العبد: «ستبدي لك الأيّام ما كنت جاهلا
ويأتيك بالأخبار ما لم تزوّد»؟
عبد الحفيظ الهرقام
- اكتب تعليق
- تعليق