مفهوم "اللوبينغ" وأصنافه ومخاطره
يمكن أن يتَّخذ اللوبينغ أشكالا عديدة. هناك ما يسمى بـ"One to One" ومعناه أنّ من يقوم بعملية اللوبينغ يتدخل شخصيا لفائدة شخص آخر بمواصفات معينة؛ وهناك "اللوبينغ" donnant-donnant حيث يسمح للشخص باستباق المعلومة بغرض توجيه القرار على نحْوٍ ما؛ وهناك "مجموعة لوبيات" وهي نوع من اللوبينغ الذي يسمح بالتعامل مع أكثر من قطاع. وفي كل الحالات يبقى اللوبينغ عملا لا يتعاطاه إلا أصحاب الاختصاص لحساب جهات مموِّلة معلومة ولا يأتي اللوبينغ أبدا من فراغ.
وكثيرا ما يحدث خلط بين كلمة "لوبينغ" وعبارة " شؤون عامة" على سبيل التلطيف. ومهما يكن من أمر، فإن من يشتغل في مجموعة تأثير مؤهل تماما لممارسة أعماله، ويحظى بكل التقدير في المجتمعات الديمقراطية الراقية.
لأي غرض؟
لتفسير عرض استخدام الوبينغ، ننطلق من عملية تقييم القرار العام في إطار "منتدى استشاري" بمشاركة العديد من الفاعلين وذلك لتقدير الظروف النفسية والاتصالية وحتى النِّزاعية أحيانا وتَبنِّي منطقها. فاللوبيات أصناف كما يبدو ذلك جليّا من خلال الٲهمية البالغة التي تكتسيها مجموعات ومكاتب اللوبينغ في عاصمة أوروبا من حيث العدد والكثافة. فبروكسل هي قطب الرحى على مستوى المؤسسات الأوروبية والاتحاد الأوروبي ككلّ.
لقد تمّت الدعوة سابقا وبإلحاح إلى فتح تمثيليّة مخصّصة (ad-hoc) لتونس لدى الاتحاد الأوروبي في بروكسل، لكن بدون جدوى. ولو حصل ذلك لتوفرت لبلادنا نواة يعتدّ بها من اللوبينغ المهني.
وفي ما يتعلق بالإنترنت فقد ساهمت في تغيير عملية البحث عن المعلومة بشكل عميق وأدخلت تغييرات جذرية على عديد الٲساليب التي عفا عليها الزمن. فقد انتقلنا الآن إلى مرحلة تلميع الصورة وفق معايير مستحدثة في شكل "مجموعات إخبارية" بإرساليات "تويت" على الْوابْ. ويمضي اللوبينغ في مسايرة هذه التغيرات حتى تكون له دائما الكلمة الأخيرة. لقد اخترْتُ شخصيا اعتماد لوبينغ الشبكات فلا أتعمَّد إنشاء لوبيات حالة بحالة، إنما أتعامل مع كل اللوبيات القطاعية الموجودة والمُهيَّأة للعمل، وهو ما يسمى بـ "méthode du coucou" أو "أسلوب العندليب الطائر" الذي ينفذ إلى كل الأوكار. وتوفر لي هذه الطريقة ربح الوقت ومرونة التدخل وإمكانية اعتماد آليات متعددة. ويعتبر قطاع الدبلوماسية الاقتصادية في تونس من أكثر القطاعات حاجة إلى اعتماد اللوبينغ المهني، لكنه يعاني من نقائص شتى.
ما هي المخاطر؟
كثيرا ما يقع خلط بين ما هو لوبينغ، وما هو تسويق سياسي وما هو سياسة اتصالية. كل واحد من هذه العناصر مقترن بأعمال بعينها، رغم وجود تكامل بينها جميعا. يتجه اللوبينغ إلى دوائر المصالح، ويقع في محورها لأنه ينشئ مجموعات تأثير صُلْبَها. ويبقى اللوبينغ إذًا عملا موكولا لأصحاب الخبرة والاختصاص دون سواهم، ويتوخّى منهجية بعينها وله متطلباته الخاصة.
أما التسويق السياسي (marketing politique) فهو يحدّد كيفية الاقتراب من أصحاب القرار وطريقة نقل الصورة أو علامة جودة (label) وتحديد الأهداف المراد بلوغها وانتقاؤها ضمن المشهد السياسي أو الاقتصادي أو الاتصالي الذي يقع الاختيار عليه.
ويبقى الاتصال هو السبيل إلى اختيار المحامل (supports) ونشرها وتداولها بحسب ما تتطلبه الحاجة إلى رصد الهدف المنشود إما مباشرة أو بشكل غير مباشر. وهنا تكْمَن المخاطرة. من كان يتحكم زمن النظام السابق في قطاع الاتصال في البلد كان يحسب أنه يقوم بعملية لوبينغ، خاصة عن طريق الوكالة التونسية للاتصال الخارجي. ما يذكِّرنا بقصة السيد جوردان لموليير الذي كان يخيّل إليه أنه يصوغ نثرا دون أن يعلم. الواقع أنه لم يكن للوبينغ بالمفهوم المهني الصحيح وجُودٌ يذكر في تونس في ذلك الوقت، وأن الأمر كان لا يتعدى مجرد اتصال، وفي بعض الحالات مجرّد تسويق سياسي لا أكثر...
غازي المبروك
قراءة المزيد:
"اللوبينغ" والشؤون العامّة في تونس منذ الاستقلال إلى ما بعد الثورة
النص الٲصلي بالفرنسية: La guerre du lobbying: Comment s’en prémunir et en faire un levier utile?
- اكتب تعليق
- تعليق