رجل شجاع زمن غياب الشجاعة
الصواب / 31/05/2017 فجعت هذا الصباح بوفاة صديق لي كم كنت أحمل له من تقدير، هو محمد الفاضل خليل، ومن ذكرياتي معه، وكان وقتها في سنة 1991 واليا على صفاقس، كنت أيامها رئيس تحرير جريدة الصباح وفي نفس الوقت أمينا عاما مساعدا للهيئة المديرة للرابطة التونسية لحقوق الإنسان، في تلك الصائفة عقدنا مجلسا وطنيا للرابطة بصفاقس، ربطناه من أجل التمويل مع حلقة تكوينية للرابطيين حول الصحافة ومنظومة حقوق الانسان، لم أحضر شخصيا المجلس الوطني، فقد شدتني التزامات مهنية للعاصمة تونس، ولكن في اليوم الموالي أخذت طريقي إلى المدينة التي هي مسقط رأسي، وعند حلولي بمسكن والدي فوجئت بأن والدتي كانت جد حائرة لكثرة ما وصلها من تليفونات من طرف الوالي الذي لم يكن سوى محمد الفاضل خليل، أيامها لم يكن هناك موبايل، استرحت قليلا مطمئنا الوالدة وتغديت، ثم طلبت "السيد" الوالي، خاطبني بلهجة كلها لطف طالبا مني مقابلته في أقرب وقت ممكن، حددنا موعدا في الساعة الرابعة ظهرا، وكان الحال صيفا، استقبلت في الولاية وكانت أيامها في باب البحر قبل نقلها إلى صفاقس الجديدة، استقبالا لطيفا وأدخلت على الوالي الذي رحب بي بالعناق رغم أنه لم تكن لي به معرفة مباشرة سابقة، دخل مباشرة في الموضوع سائلا إن كنت وأنا عضو الهيئة المديرة قد اطلعت على البلاغ الصادر عن المجلس الوطني، ولم أكن قد اطلعت عليه، بعد قراءته، هل هذا معقول، حديث عن تعذيب في الايقاف، أجبته بأننا في الرابطة سجلنا الكثير من هذه التجاوزات وهي موثقة، تجاوز قائلا، بما إنك لم تكن حاضرا فيمكنك أن تعبر عن عدم تضامنك مع هذا البيان، أجبته مستحيل لأني بحكم تكليفي بالعلاقات مع وزارة الداخلية ضمن الهيئة المديرة بسبب صداقتي العميقة وقتها مع الوزير عبد الحميد بالشيخ كنت من أكثر من هم اطلاعا على تلك التجاوزات، ثم إنه ليس من عادتي التنكر لأي بيان صادر حتى في غيابي عن أي هيئة عملت فيها، مثل رئاسة جمعية الصحفيين، قفل الموضوع وترشفنا القهوة ثم استأذنت وودعني بنفس الهفاوة التي استقبلني بها وكأني استجبت لطلبه، في اليوم الموالي كنت في العاصمة تونس إذ دعاني مدير عام الشؤون السياسية وهو صديق وزميل سابق في جريدة الصباح أسيتطيع أن أقول إني كنت رئيسه، كرر نفس الدعوة للتعبير عن عدم التضامن ما دمت كنت غائبا، وعبرت له عن استحالة ذلك، وأنا متضامن مع البيان بسبب معرفتي بصحة ما فيه، وكذلك لأني لم أتعود على التعبير عن عدم التضامن مع موقف جماعي، هددني بأن الرابطة تعرض نفسها للحل بمثل هذه المواقف، أجبته جربوا حظكم وستجدون العالم في وجهكم، وقفت وأغلقت الباب بقوة وغادرت المكان، وفعلا وفي سنة 1992 بسبب قانون التصنيف وقع حل رابطة حقوق الانسان ولكن الحكومة عضت أصابعها واضطرت للتراجع عن ذلك الحل وتلك قصة أخرى، أردت أن أشير إلى خصال رجل كان في السلطة ولكنه لم يلجأ إلى قوة المنصب بل تعامل بهدوء.
وإذ هو اليوم بين يدي ربه فإن تلك الخصال تبقى في الذاكرة.
عبد اللطيف الفراتي
- اكتب تعليق
- تعليق