المغرب: مظاهرات واحتجاجات شعبية للمطالبة بالتنمية وامتصاص البطالة
تشهد عدة مدن وبلْدات في المغرب منذ بداية رمضان موجة من الاحتجاجات والمظاهرات الشعبية للمطالبة بتحسين ظروف العيش والتنمية وامتصاص البطالة. وقد انطلقت آخر حلقات هذا "الحراك" الجماهيري يوم الجمعة 26 ماي الماضي في أول يوم من أيام رمضان في مدينة الحسيمة في قلب "الريف" شمال المغرب، قبل أن تشمل مدناً وبلدات شمال البلاد مثل الناظور وإمروزين... وتمتد حتى العاصمة الرباط والدار البيضاء. واندلعت شرارات الاحتجاجات الأخيرة بعد أن تهجَّم أحد الناشطين في أول يوم من أيام شهر الصيام على إمام مسجد في الحسيمة حينما كان بصدد إلقاء خطبة الجمعة، معبّرا بقوة عن استنكاره لما قال إنه افتراءات وأكاذيب جاءت على لسان الإمام واحتجاجا على ما يعانيه أغلبية السكان في الريف من فقر مدقع وخصاصة وبطالة وإهمال من قبل السلطات المركزية.
لكن بعض المصادر الرسمية والإعلامية توجّه أصابع الاتهام إلى المحرضين على التظاهر والاحتجاج في الحسيمة، مشيرة إلى أن المحققين قد واجهوا زعيم الحراك ناصر الزفزافي بالقرائن والأدلة التي تكشف تورطه في الأحداث الأخيرة عبر رسائل وأشرطة تحريضية إلى المحتجين وتواطئ مع "مخططين لزعزعة الاستقرار يوجدون في أوروبا"، وهو ما ضاعف حماستهم وأشعل الحقد في نفوسهم ودفعهم إلى ارتكاب جرائم إضرام النار والاعتداء العمدي على موظفين عموميين والقيام بأعمال التخريب.
"كلنا الزفزافي"
وقد لقيت دعوات ناصر الزفرافي متزعم هذا "الحراك" إلى الخروج في تظاهرات وتجمعات حاشدة في الشوارع استجابةً على نطاق واسع من قِبَلِ أهالي مدينة الحسيمة الذين احتشدوا في الشوارع رافعين صورته، وهتفوا "كلنا الزفزافي"، و"وكفى عسكرة" و"دولة فاسدة" و"كرامة" الخ. وقد تصدّت قوات الأمن وقوات مكافحة الشغب للمتظاهرين في محاولة لاستدراجهم إلى وضع حد للاحتجاجات والتجمعات، وألقت القبض على الزفزافي في اليوم الموالي، كما أوقفت منذ غرّة رمضان عشرات المتظاهرين ونقلتهم الى أماكن مجهولة. وزاد حراك المحتجين وسخطهم حدّة لما أقدم زعماء أحزاب موالية للحكومة على اتهام نشطاء الحراك الشعبي في الريف بمحاولة انفصال الريف عن باقي الأقاليم المغربية وبتلقي أموال من جهات خارجية، ورفضوا الاجتماع بوفد من الوزراء والنواب والمسؤولين على المستويين المركزي والجهوي قالوا إنّهم لا يحظون بثقة الأهالي المستائين من تفشّي الفساد وتبديد الثروات الوطنية، بينما يعاني الريفيون ظروفا صعبة جراء البطالة والفقر والإقصاء والتهميش.
وكان ردُّ الحراك سريعا وباغِتًا حيث خرج الآلاف من المحتجين في مسيرة جماهيرية في مدينة الحسيمة مندّدين بـ"أكاذيب الحكومة" وتحامل المسؤولين على السكان الذين رفعوا جملة من المطالب الاجتماعية والاقتصادية. وما كان من تنسيقية الحراك إلا الدعوة الى إضراب عام في إطار السلمية الكاملة تتوج بنسبة نجاح فاقت 90% بحسب بعض الإحصائيات المحلية.
تظاهر حاشد إثر مقتل بائع سمك
وجاءت هذه التحركات الشعبية العارمة في غمرة موجة من الغضب الشعبي اندلعت قبل حوالي ستة أشهر في الحسيمة بالذات، سرعان ما اتخذت شكل تمرّد احتجاجا على مقتل بائع سمك سحْقًا في شاحنة لجمْع النفايات بعد أن اعترضت الشرطة سيارة في داخلها كميّة من السمك قيل إنّه من النوع الممنوع ترويجه في البلد ورفض سائقها التوقف عند نقطة تفتيش. ونفى وزير الداخلية المغربي عندها كل مسؤولية للدولة بشكل مباشر عن مقتل بائع السمك، وقال إنّ "على الدولة مسؤولية تحديد الأخطاء ومعاقبة المرتكبين".
تهميش وإقصاء
وجاءت هذه التحركات والتظاهرات الشعبية في المغرب وفِي جهة الريف شمالا على وجه التحديد لتعيد إلى الأذهان في الأوساط الشعبية وعلى مستوى أطراف في منظمات المجتمع المدني ما يقولون إنه" حال من التهميش والإقصاء عاشت في ظلّه جهة الريف التي لطالما قاست الأمَرَّيْن من غياب التنمية وتقادم البنية التحتية وخاصة على مستوى شبكات الطرقات وشبكات المياه والتيار الكهربائي وهشاشة منظومات التعليم والصحة العامة والرعاية الاجتماعية واستفحال ظاهرة الفقر وتفشّي البطالة التي بلغت ضعف المعدل العام في المغرب"، وهو ما أثار غضب الريفيين وحملهم على رفع راية العصيان والتمرّد في مناسبات عديدة حصل بعضها بشكل متكرّر خلال السنوات الاخيرة على غِرار ما جَدَّ في ماي سنة 2008 حينما طالبت جموع المحتجين في مدينة الناظور بالحكم الذاتي للريف، أو عندما حدثت في سنة 2010 انتفاضة بلدة بوكيدان ضدّ عمليات انجَرَّ عنها شدّ وجذب بين قوات مكافحة الشغب وجموع المتظاهرين، أوْ بعد تسلل أيادي خفية نفّذت عمليّة في مدينة الحسيمة راح ضحيتها خمسة شبان حُرِقوا أحياء.
الريف في مرمى المخزن؟
ويفتخر أهل الريف بوقوفهم في وجه السلطة، إذ تعدّ مدينة الحسيمة مركز الاحتجاجات التي تعرف "بانتفاضة الخبز" عام 1984. وكانت المدينة الوحيدة التي وقع فيها قتلى في احتجاجات حصلت في سنة 2011. ويقول بعض المتابعين لتطور الأوضاع في جهة الريف إنّ" هذه التحركات تعتبر امتدادا لنوع من العداء السافر عبر فترات مختلفة من تاريخ المملكة المغربية يعود بعضها إلى نهاية القرن التاسع عشر، بين السلطات المخزنية ووجهاء القبائل ذات الأصول الأمازيغية في جهة الريف والتي أعلنت في أكثر من مرة العصيان والتمرّد على السياسة المخزنية".
- اكتب تعليق
- تعليق