الصحبي الوهايبي: نقطة وعُدْ إلى السّطر

الصحبي الوهايبي: نقطة وعُدْ إلى السّطر

الدرع هــو أقــدم ســلاح دفاعيّ عرفه الإنسان ثلاثة آلاف سنــة قبل الميلاد، وكان يُصنع من الجلد أو الخشـــب أو زَرَد الحديد والنّحاس إلى أن صار يُصنع على أيّامنا هذه من البلاستيك. ولقد ظلّ في صدارة الأسلحة الدّفاعيّة إلى أن درجت الأسلحة النّاريّة أواسط القرن السّابع عشر، فتراجع ذكره وكاد يطويه النّسيان حتّى قيّض له الله في بدايات القرن العشرين، شرطةَ مكافحة الشّغب؛ وظلّت الصّفوف الأولى فقط تحمل دروعا أو تروسا، أمّا البقيّة فيحتمون بظهور زملائهم شأنهم شأن خلق كثير وشأن السّلاحف تلبس دروعها على ظهورها، كما يفعل ناس كثيرون تحسّبا لطعنة غدر تأتي من خلف. غير أنّ وظيفة الدّرع في مكافحة الشّغب تبدو حقيرة، وضيعة، مقارنةً بما كان عليه في ساحات الوغى ونبل الغايات أحيانا، حتّى منّ الله عليه مرّة أخرى فرفع من شأنه وأعزّه بعد ذلّ، فصار عربونَ ذكرى وتكريمٍ وولاءٍ، يُهدى لأعيان القوم في المحافل السّياسيّة والرّياضيّة والثّقافيّة. فهذه درع الجامعة الفلانيّة وتلك درع الرّابطة الفلتانيّة. ومن حسنات الدّرع في اللّغة العربيّة أنّها تُذكّر وتُؤنّث وربّما تُخنّث، بمعنى يلبسها كلّ من هبّ ودبّ، وقبل أن أشرد وأسهى، فإنّي أُوصي المشرفين على طباعة مجلّتنا هذه أن يأخذوا حذرهم كي لا تسقط النّقطة عن حرف الغين في لفظة شغب فنصبح متّهمين بإثارة الشّعب، وكما ترون فإنّ نقطة واحدة، مجرّد نقطة، لا غير، قد تودي بنا في داهية... والنّقطة في الهندسة الرّياضيّة عبارة عن كائن عديم الأبعاد، عديم المساحة، عديم الحجم؛ وهي تتميّز بكونها تملك مكانا في الفراغ، ومهمّتها تحديد الموقع، لا أكثر ولا أقلّ، أي أنّ النّقطة كائن صفر، ومع ذلك فَلَها اعتبار ومركز وشأن وأيّ شأن، فبدونها لا نستطيع أن نحدّد مكانا أو موضعا ولا نعرف أين نحن ولا أين هم.

فسبحان الذي يذلّ من يشاء ويرفع من يشاء. وفي الرّياضيات والطّوبولوجيا خاصّة، وهي علم يعنى بدراسة المجموعات المتغيّرة التي لا تتغيّر طبيعة محتوياتها، يُعتبر الفضاء مجموعة ضخمة من النّقاط؛ كما لو أنّ صفرا مع صفر مع صفر مع أصفار كثيرة يساوي شيئا كبيرا ملموسا ومحسوسا. للوهلة الأولى، يصعب تصديق الحكاية ولكن لو أمعنتم النّظر قليلا من حولكم لرأيتم أصفارا كثيرة لا تحصى ولا تعدّ، تكوّن كتلة ضخمة عظيمة الحجم، يُحسب لها حساب وأيّ حساب. وللأمانة العلميّة وجب أن نشير وننوّه أنّ النّقطة نقاط، فهناك نقطة التعجّب ونقطة الاستفهام، ولو أنّنا نقتــرح أن تُمحى هاتان النّقطتان من طابور النّقاط، فَلِكثرة ما رأينا في هذه البلاد من عجيب وغريب، لم يعد ثمّة شيء  يثير تعجّبنا أو استفهامنا. وهناك نقطة التّحوّل، كأنْ يتحوّل الصّلب إلى سائل والسّائل إلى غاز والغاز إلى سائل والسّائل إلى صلب.

أي أنّنا ندور في حلقة مغلقة مفرغة، نخرج ونعود من حيث خرجنا. وهناك نقطة الضّعف ونقطة القوّة، ولن نخوض في هــاتين النّقطتين حتّى لا يتفطّن العدوّ أو المنافس لخططنا ونترك المسألة ليوم المقابلة أو المنازلة، كما يقــول أهــل الكرة، وهناك نقطة المراقبة ونقطة العبور، وهناك نقطة البيع ونقطة التّفتيش، وهناك النّقطة البيضاء والنّقطة السّوداء، والميزة فيهمـا أنّك لا تدرك النّقطة السّوداء على صفحة سوداء ولا البيضاء على بيضاء. وهناك نقطةٌ وَعُدْ إلى السّطر أو نقطةٌ وأقفلْ الموضوع كحوار السّلطة مع المعارضة.وهناك ثلاث نقاط للتّتابع ومعناها بالعربي ألخ ألخ أو وهلمّ جرّا أو دار لقمان على حالها. وهناك نقطة الانطلاق ونقطة الوصول، ومازلت حائرا لا أفهم الجدوى من سباق في مضمار دائريّ، فلماذا كلّ هذا الجهد وهذا التعب مادامت نقطة البداية هي ذاتها نقطة الوصول؟.

الصحبي الوهايبي

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.