أخبار - 2017.05.29

إيران في دوّامة النزاعات الإقليمية في الشرق الأوسط

إيران في دوّامة النزاعات الإقليمية في الشرق الأوسط

وصف المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي خلال جلسة رمضانية في طهران المسؤولين السعوديين بعدم الكفاءة، وبأنهم "مثلُ البقرة الحلوب للأمريكيين"، وقال إنّ " الثروات الأسطورية هي ثروات الناس جميعا في المملكة السعودية، لكنها تقدَّم لأعداء الشعب، طمعا في كسب وِدِّ أعداء الإسلام... "، وذلك في إشارة واضحة إلى الصفقات التي أبرمتها السعودية مع الولايات المتحدة الأمريكية خلال زيارة الرئيس دونالد ترامب للرياض يوم 21 ماي الماضي بقيمة 380 مليار دولار.

وكانت صدرت عن مسؤولين سعوديين بارزين كوزير الدفاع محمد بن سلمان تصريحات معادية للنظام في إيران مفادها أن هدف السعودية هو "نقل المعركة إلى داخل إيران "وأن المملكة "تقف بحزم في وجه نزعة إيران التوسعية"، متوعدا بأن "المعركة ستكون في إيران..."

ومعلوم أن إيران والسعودية يقعان على طرفي نقيض من النزاعات المسلحة في المنطقة بما فيها سوريا واليمن. وتقود السعودية حملة قوية ومتواصلة ضد النظام الإيراني متهمة إياه بزعزعة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط من خلال إثارة الشيعة في السعودية والبحرين والكويت، والتدخل العسكري في كل من سوريا واليمن والعراق، وهو ما تنفيه إيران بقوة.

فما هي طبيعة هذا التدخل الإيراني؟ وما هي أسبابه ودواعيه وأهدافه؟ وما حقيقة الدور الذي تلعبه إيران في النزاعات الإقليمية؟

حضور عسكري قوي خارج القواعد

إيران حاضرة عسكريا وسياسيا وبقوة في العراق وفِي سوريا وكذلك في اليمن وإن بدرجة أقل. وقد كان جيش حراس الثورة الاسلامية الإيراني على رأس القوى العسكرية التي حررت حلب ثاني أكبر المدن السورية في موفى ديسمبر الماضي من قبضة المعارضة السورية المسلحة، وقامت بدور مماثل في العراق عندما تدخلت قبل ثلاث سنوات في تكريت شمال بغداد إلى جانب الجيش العراقي والحشد الشعبي، لتخليص المدينة من هيمنة الدولة الإسلامية. وتقف إيران اليوم جنبا إلى جنب وبشكل مكثف ولافت مع روسيا دفاعا عن نظام بشار الأسد. وتشير كثير من الدوائر المطلعة والمهتمة بالشأن الإيراني إلى أنّ قادة إيران ينتابهم شعور قوي بأن البلد مُحاصَر من قوى معادية، وأنّ درء الاخطار التي تتهدده منذ اندلاع الثورة الاسلامية بقيادة روح الله الخميني في سنة 1979 تقتضي حتما التجند الكامل من أجل حماية حدود الجمهورية الإسلامية وصدِّ الغزاة والأعداء الذين قد يتخذون الأزمات المستفحلة في سوريا وفي العراق، حيث الصراعات على أشدها بين السلطة القائمة والقوى الجهادية السنية المناهضة والمعارضة المسلحة بشتى أطيافها، مطيّة للتسرب داخل الأراضي الإيرانية في محاولة لزعزعة النظام وتقويض أركانه والحيلولة دون ارتقاء إيران إلى مصاف القوى الإقليمية الكبرى والحد من قدراتها العسكرية والتكنولوجية. لذلك لا اختيار آخر غير الدفاع عن مصالح إيران القومية داخل الحدود وخارجها مهما كانت التضحيات والتكاليف.

السعودية، العدو الأبرز؟

ويراود قادة طهران شعور قوي بأن المملكة العربية السعودية هي الطرف الأبرز الذي يقف وراء هذه القوى المعادية في سعي إلى الإبقاء على دورها كقوة متزعمة للعالم الاسلامي السني، وأنه ينبغي بالتالي الاستعداد لمواجهة الخطر الداهم بقوة، لا من منظور إمبريالي توسعي، بل بوازع  قومي قوي قائم على حفظ مصالح الشعب الإيراني راهنا وآجلا.

ويشير مفكرون وساسة إيرانيون في هذا الصدد إلى تجذر الشعور القومي في إيران، هذا البلد الذي قاسى الأمرَّيْن عبر تاريخه الطويل من محاولات الهيمنة والتوسع، وعلى وجه التحديد منذ انقراض الخمينيين أو الأخمينيديين (بالفارسية: هخامنشیان)، وهم أسرة ملكية فارسية كونت لها إمبراطورية في فارس عام 559 ق.م. وأشهر ملوكها دارا (داريوس). وكانت هزائم إيران عبر تاريخها أكثر من أن تحصى ؛ هزمها الإسكندر الأكبر المقدوني عام 331 ق.م.  وهزمها العرب المسلمون في معركة القادسية بالخصوص (336 م) والأتراك والموغول تحت حكم جنكيز خان (1219-1221م)... ولم يحدث إطلاقا ومنذ القرن السادس عشر أن احتلَّتْ إيران أراضي خارج حدودها، بل العكس هو الذي حصل في فترات تاريخية مختلفة...

كسب ود الجماعات الشيعية خارج إيران

وقد رأت إيران في نزعة الجماعات الشيعية العربية هنا وهناك، المغلوبة على أمرها اجتماعيا وسياسيا، إلى التحرر ولمِّ الشمل والبروز كقوة فاعلة، مَعْبٓرًا ومنْفٓذًا لتقوية حضورها وإشعاعها في المنطقة وإقامة تحالفات تسندها وتعزز جانبها في مناطق مجاورة  في السعودية وفِي العراق وفِي لبنان، لكنها ذهبت في كل ذلك إلى أبعد ما كانت تتوقع، وزُجَّ بها في مستنقع نزاعات وصراعات وحروب مستعرة لا تنتهي بين أقلية  شيعية وأغلبية سنية، وبين سلطة قائمة ومعارضة مسلحة وميليشيات وكيانات متعددة المشارب في ظل تدخلات من قوى إمبريالية تحاول بقوة تغيير الأوضاع في المنطقة بما يخدم مصالحها وأهدافها الجيوستراتيجية.

المصالح الوطنية تعلو ولا يُعْلا عليها

وبرزت في ظل كل ذلك داخل إيران قوى ناشئةٌ تدعو الإيرانيين إلى النأي بالنفس عن كل النزاعات المذهبية والطائفية التي تعصف بالمنطقة، والالتفاف بقوة حول المصالح الوطنية العليا، وصرف مزيد من الجهد لمعالجة المشاكل الداخلية والنهوض بالمجتمع الإيراني، والعمل من أجل انفتاح إيران أكثر فأكثر وبناء جسور مع الخارج، وتعزيز الحقوق الفردية والسياسية، وإنهاء القمع ضد المرأة، والسيطرة على جميع مؤسسات الدولة التي تقع خارج السيطرة ولا تخضع للمساءلة، وعدم التقوقع داخل خطاب ديني وطائفي لا يجدي نفعا.

ولا شك أن فوز الرئيس حسن روحاني بعهدة رئاسية ثانية يعتبر هزيمة للمتشددين ونصرا لخياراته وهو الذي مانفك يدعو إلى نبذ الطائفية ومواصلة التعاون بين دول الجوار في المنطقة في كنف الاستقرار والهدوء ووضع الحلول السياسية في سلّم أولويات إيران.

يوسف قدية

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.