أخبار - 2017.04.30

يوميّـات مواطن عيـــّاش: الـنّــادي قــبل أولادي!

يوميّـات مواطن عيـــّاش: الـنّــادي قــبل أولادي!

صديقي العيـاش قــرّر أن يقضي هذه الحياة، بين أربع هوايات: تشييشة، وتقطيعة وترييشة، وتشبيع الكريشة، بما لــذّ وطاب، من الأكل والشــراب، وعلى رأس هذا الهرم، ناديه متاع كورة القدم. فالنادي قبيلته وعشيرته، وحزبه وجماعته، بعد أن اقتنع العياش بأن لا طائل من وراء الأحزاب، فهي لا تضمّ حسب رأيه إلا الوصولي والكذّاب، ولا تشعـــر فيها بتلــــك العــلاقة الحميمية، والصــداقة الرّجولية، التي يــوفّرها الانتماء إلى  جمعية رياضــية، حيث يرتقي حبّ المريول، إلى مستوى عصبيّة ابن خلدون، ويصبح النادي أقوى من رابطة الدم، بفضل رياضة اسمها كرة القدم.

ومن هذا المنطلق، فإن صديقي العياش مستعدّ لأن يفدي فريقه المفضل بالروح وبالدم، ويمرض بالفرش والمخدّة إذا انهزم، هذا إذا لم يكمل المشوار في «البار»، لينسى غبينة  الانكسار، علما بأن «البار» هو أيضا المحطة التي تلي الانتصار، بحيث «رابحين وإلا خاسرين كما يقول العياش ما ناش مروحين».

صديقي العياش ما يفهم شي مع فريقه المفضل، فهو بيته وأسرته وابنه المدلل، حتى أنه لا يتردّد في القول أحيانا : «النادي قبل أولادي»، مــع مـــا في ذلك من مبالغة محمومة، يـزايد بها على أولاد الحــومة، رغم تلك الرابطة الأســرية، التي تــربط بين أولاد الجمعية، وتعوّضهم في بعـــض الأحيـــان، عن نقص في الدفء والحنان، صلب أسرهم الحقيقية.

وإيــاك أن تتحـــدّث مـــع العياش عن الروح الرياضية، فالراجل ما يفهم شي في هذه القضية، وليس مستعدا لقبول الهزيمة بأريحية، ولايــرى نفسه ملزمــــا بإظهار الاحترام للاعبي الخصم وجمهوره وللحكام. فالكورة في ذهنه لا تختلف عن الحرب، يجوز فيها كل أنواع الضرب، والفريق المنافس يوم الأحد، هو عدوه الألد، والنصر عليه أحلى منامة، والهزيمة أمامه تخربيشة في الكرامة.

بهذه العقليــة شبــه العسكـرية، يذهب العياش يوم الأحد إلى الملعب ليشجّع الجمعية، فإذا بصديقي الهادي النادي، يتحوّل بفعل محبة النادي، إلى شخص آخر، هو أقرب الى الوحش الكاسر. فالكورة تمكنه دون وعي منه من فرصة التــنفيس عن غرائزه، والتعبير عن عدوانيته، بعد أسبوع من «الستراس»، وضغط الحياة والناس، فلا يتورّع في سياق هذا التعبير التلقائي، والتنفيس البدائي، عن إتحاف جماهير الخصم ولاعبيه برسائل غير ودّيّة، مستعملا من البذاءات أرقاها  جمالية، ومن الحركات اليدوية أكثرها تعبيرا عن مشاعره العــــدائيةوقد يلحق الطشّ حكم المباراة، فيأخذ نصيبه من جميل العبارات. ولا يسلم أحيانا من مثل هذه الهدية، مدرب فريق العياش ورئيس الجمعية، خاصة إذا تتالت النتائج السلبية. لكن العيّاش لم يكن يتجاوز الكلام إلى الأفعال، فالعنف عنده مرفوض بالتمام والكمال، وإن اشتهى في قرارة نفسه أحيانا أن يثأر لناديه من حكم ظالم «حيّال»، لكن ذلك لا يعــدو أن يكـــون والحمد لله محض خيال.

وذات أحد، دخل علينا العياش، و«على جبينو عصابة» فهمنا منها أنه عاد من الملعب بإصابة، حصلت له بفعل مقذوفات في دقة القنابل، أرسلها نحوهم الجمهور المقابل، فرحبنا به الترحيب الواجب للأبطال، العائــدين مــن جبهة القتال، لكنه أسكتنا بكل حزم، وأعلمنا بما أقرّ عليه العزم: «خوذوا عليّ عهدْ يا لولاد، ما عادش نحط ساقي في سطاد، ويذا الكورة ولات هكة، برّا يعطيها هلكة».

ومنذ ذلك اليوم والعياش راكش كل نهار أحد قدّام التلفزة، لكن ذلك لم يزده إلا انفعالا ونرفزة، فالفرجة على الميدان ليس لها مثيل، لتصريف الضغط ولا يوجد عنها بديل ... وما ربحت في الآفار كان «مادام» العياش، راجلها كل أحد بحذاها وكيف هالنّعمة ما ثماش.

عادل الأحمر

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.