أخبار - 2017.03.31

الأستاذ عبد السلام القلاّل: عمالقــة وأقـــزام

عبد السلام القلاّل

إنّه من نكد الدنيا، ومن المفارقات العجيبة والغريبة في هذا الزمن الرديء، أن يتجرأ البعض على محاسبة عمالقة تاريخ تونس الحديث هذا الصنف الظاهر منه والخفيّ والمتنكّر للحقيقة التاريخيّة، كنّا نخاله من مناضلي الحريّة والديموقراطيّة، فوجدناه الصوت النشاز، الذي يحمل حقدا دفينا وكراهيّة، يتطاول على محرّر تونس العصريّة وبانيها، محاولا تشويه مسيرته النضاليّة والتشكيك في صدقه، وتضحياته، هو وصحبه من المناضلين الأوائل قبل الاستقلال وبعده، في مسعى محموم لطمس إرثنا النضالي وتحريف تاريخنا المجيد.

المؤرّخون هم وحدهم المؤهّلون لكتابة التّاريخ، فالأساتذة المختصّون بالجامعة التونسيّة، ومن خارجها من الأجانب، وكذلك مؤسّسة التميمي للبحث العلمي والمؤسّسات، والمركز الوطني للتّاريخ المعاصر، كتبوا كلّهم عشرات المؤلّفات التاريخيّة معتمدين على الوثائق المكتوبة والشّهادات الحيّة بالصوت والصّورة، تناولوا فيها باستقلاليّة وموضوعيّة تاريخ الحركة الوطنيّة، فهل قرأ هذا الصّنف المُشاغب التّاريخ حتّى يتوجّه إلى المؤرّخين ويدعوهم عبر التلفزة ليعيدوا كتابة تاريخ تونس على ضوء ما انتقاه هو من أحداث وشهادات موجّهة ومنقوصة، إذا لم نقل خارجة عن سياق الحقيقة التاريخيّة، تبيّن بالكاشف أن الهدف منها الإساءة للحركة الوطنيّة ورموزها.

من المؤسف أن ذاكرة المواطن التونسي قصيرة، بالنّسبة لمن ضحّى من أجله، ليعيش حرّا كريما وسيّدا في بلده، فكلّ شعوب الدنيا تكرّم زعماءها وتحفظ صورهم وتحيي ذكراهم من باب الاعتراف بالجميل لما قدّموه من تضحيات وما أنجزوه لفائدة بلدانهم وشعوبهم، رغم أخطائهم وعدم التوفيق في البعض من اختياراتهم.

إنّ "موتسيتونغ"، زعيم الشعب الصّيني، يُعدّ قبره من أهمّ المعالم التّي تُزار من طرف الصينيين والأجانب، وبقيت صورته معلّقة في كلّ مكان، في المكاتب والمحلاّت التجاريّة والساحات العامّة، وكذلك "لينين" زعيم "الثورة البولشفيّة" بقي رمزا للشّعب الروسي، الذّي رفض بعد التحوّل السّياسي الذي عرفته روسيا في مطلع التسعينات، أن يُزال قبره من قلب "السّاحة الحمراء" بموسكو، ومازال إلى اليوم محطّة الزوّار الرّوس والسوّاح، وكذلك "مصطفى كمال أتاتورك" "أب تركيا الحديثة" وصانعها، لم يجرؤ حزب العدالة والتنمية الاسلامي على المسّ من رمزيّته، وكذلك الشأن بالنّسبة للعديد من الزّعماء، أمثال غاندي، نلسن مانديلا، سنقور، تشرشل، ديغول، هوشيمنه، والقائمة تطول.

الزّعيم الحبيب بورقيبة من زمرة هؤلاء الرّجال الذين صنعوا الأحداث واثروا في مجرى التاريخ، وهم الزّعماء الذين قادوا شعوبهم في مرحلة من تاريخ بلادهم نحو الانتصارات والبناء والتشييد، فهم أقليّة الأقليّة في تاريخ الشعوب، ممّا يفرض احترامهم والحفاظ على رمزيّتهم، وهذا ما كان على الشعب التونسي أن يعيه.

فبعد هذا يطرح السؤال هل من حق الأقـزام تقييم العمالقــة؟

الأستاذ عبد السلام القلاّل

محـــام

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.