أخبار - 2017.02.13

فلسطين: من حلّ الدولتين إلى حلّ الدولة الواحدة

فلسطين: من حلّ الدولتين إلى حلّ الدولة الواحدة

وصف رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو زيارته إلى الولايات المتحدة الامريكية في بداية الأسبوع بدعوة شخصية من الرئيس دونالد ترامب بأنها في غاية الأهمية بالنسبة إلى العلاقات الإسرائيلية الامريكية ولأمن اسرائيل ولمكانتها الدولية.

تأتي هذه الزيارة في أعقاب مصادقة البرلمان الإسرائيلي على مشروع قانون يتيح الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية خاصة بالضفة الغربية والقدس الشرقية وضمّها لدولة اسرائيل، ويضفي الشرعية على المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة . ويتمثّل الغرض من إقرار هذا القانون بحسب السيدة حنان عشراوي  عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في " تبييض المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية "، واعتبرت عشراوي أن إسرائيل تكون بهذه الخطة قد قضت نهائيا على أية إمكانية لقيام دولة فلسطينية على الأراضي التي احتلتها إسرائيل سنة 1967.

وجدير بالذكر في هذا الصدد أن القانون الدولي وخاصة معاهدة جنيف الرابعة - المادة 49 - يحظر على قوة الاحتلال نقل مجموعات من سكان الأراضي التي تحتلها، ويحجّر تشجيع سكان قوة الاحتلال على الإقامة والسكن في المناطق المحتلة أو تغيير الصفة الجغرافية والديموغرافية لهذه الأراضي.

وتعتبر قوى اليمين في إسرائيل أن مجيء دونالد ترامب إلى الحكم في الولايات المتحدة سيعزز موقفها ويطلق يدها في مجال توسع الاستيطان وضمّ الأراضي الفلسطينية العامة والخاصة والانتهاء إلى فرض حل الدولة الواحدة تحت الهيمنة الإسرائيلية. وما مصادقة الكنيست الإسرائيلي على قانون ضمّ الأراضي وتوسع الاستيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية إلا خطوة أولى في هذا الاتجاه، وتأكيدا واضحا ورسميا لمواقف اليمين الإسرائيلي القومي المعروف بمعاداته للعرب ومواقفه العنصرية تجاههم، والساعي إلى الذهاب أبعد فأبعد في فرض سياسة الأمر الواقع وتغيير الأوضاع على الأرض على أوسع نطاق تحقيقا لحلم "إسرائيل الكبرى". 

هل سيجد نتانياهو هذه المرة آذانا صاغية من الرئيس الامريكي الجديد ترامب الذي لم يبخل إبان حملته الانتخابية بإطلاق الوعود لمناصرة الطروحات اليمينية الإسرائيلية والذي تفاعل إيجابيا مع الدعاية الواسعة في اسرائيل  لفائدة المرشح الجمهوري للرئاسة الامريكية التي حملت شعار " ترامب يساوي المصلحة الإسرائيلية"؟

بادر ترامب غداة فوزه إلى تعيين أحد أشد المناصرين للاستيطان والمستوطنين، المحامي ديفيد فريدمان، سفيرا له في إسرائيل، وتعيين صهره جاويد كوشنر ضمن طاقم كبار مستشاريه في البيت الأبيض، وهو المعروف بقربه من رموز اليمين الإسرائيلي.
لكن الرئيس ترامب لم يخف تحفظه الواضح  تجاه قرار البرلمان الإسرائيلي بشأن التوسع الاستيطاني وشرعنته، وعبّر في مكالمة هاتفية مع نتنياهو عن مناهضته لهذا التوسع.

ترى! ماذا يعني هذا القرار على وجه التحديد؟ وما هي أبعاده في الحال وفِي الاستقبال؟ وما ستكون تبعاته وانعكاساته فلسطينيا وعربيا وعلى مستوى الرأي العام الدولي؟

الإسرائيليون في مجملهم كما الفلسطينيون في الغالب قيادة وشعبا يعلمون أن الإجراءات التي أعلن عنها في إسرائيل بشأن مستقبل الوجود الفلسطيني في الأراضي المحتلة سنة 1967 سوف تغير المشهد السياسي برمته في المنطقة ظهرا على عقب. لا يخفى على الفلسطنيين أن عدد المستوطنين قد تجاوز الضعف منذ تسعينات القرن الماضي، وأن الوجود الفلسطيني على الأراضي المحتلة قد تقلص إلى حد كبير، ما ضَيَّقَ على الفلسطينيين،  وأثر سلبا على حياتهم اليومية. هم يعيشون وسط بؤر استيطانية تناصبهم العداء وتطاردهم.

" قانون السراق" هذا كما تصفه بعض الجهات اليسارية في إسرائيل جاء إذًا ليكرس هذا الواقع المرير، وليقول للفلسطينيين أصحاب الأرض أن عليهم الرحيل وإخلاء المكان لليهود "أصحاب الأرض الأصليين " . كل الفاعلين في الشأن الفلسطيني الاسرائيلي أصبحوا اليوم على بينة تامة من البعد الاستراتيجي الذي يطرحه " قانون السراق " هذا.

الإسرائيليون والفلسطينيون بمن فيهم القيادات بمختلف توجهاتها على حد سواء أصبحوا منذ وقت ليس بالقصير على إدراك بأن مسألة حل الدولتين لم تعد مطروحة بجد، وأن الأمور تتطور حقيقة نحو حل الدولة الواحدة دون أن يعرف أحد ماذا ستكون حقيقة هذه الدولة الواحدة. لقد تعالت أصوات فلسطينية كثيرة هنا وهناك لتقول بأن ساعة تغيير الواقع الحالي على الأرض بات الآن أمرا مطلوبا، ولا بد من إعداد العدة لمعركة جديدة من أجل انتزاع الحقوق الوطنية والسياسية للشعب الفلسطيني داخل دولة فلسطينية ذات سيادة، ومناهضة سياسة التمييز العنصري التي تنتهجها إسرائيل ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة وداخل الكيان الإسرائيلي.

يشعر الفلسطينيون في مجملهم، مناضلون ومواطنون عاديون، بأنّ الوضع قد تغير تماما خاصة في ظل يمين إسرائيلي متطرف لا يتوانى في استغلال تهميش القضية الفلسطينية بسبب استفحال الأزمات السياسية والاجتماعية في الدول العربية وخاصة في سوريا والعراق للدفع إلى تحقيق تغييرات جوهرية على الأرض لصالح إسرائيل. كما أصبح الفلسطينيون يتطلعون اليوم إلى معرفة المنحى الذي سينحوه الرأي العام الدولي بعد هذه الرجة القوية التي أحدثها قرار الكنست الإسرائيلي. هنا تطرح نقاط استفهام عديدة وهامة. فماذا سيكون رد فعله بعد هذا الذي حصل، وهو الذي ظل باستمرار مساندا للقضية الفلسطينية، مؤيدا لقيم دولة فلسطين، مناهضا لسياسة التمدد الاسرائيلي والتوسع الاستيطاني؟

لا يخفي كثير من المحللين والمهتمين بشؤون الشرق الأوسط أن قرار البرلمان الاسرائيلي جاء عنيفا جدا ومجحفا إلى أبعد الحدود من وجهة نظر القانون الإسرائلي ذاته والقانون الدولي بحيث لم يعد للرأي العام العالمي من بُدًٍّ إلا التحرك القوي هذه المرة، ورد الفعل بإصرار والقطع نهائيا مع المواقف السابقة التي ظلت إلى حد الان مقتصرة على الإدانة الشفوية،  والإعراب عن الاستياء تجاه التعنت الصهيوني ومحاولاته الرامية إلى طمس حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة.

لكن لا يبدو أن الدبلوماسية الدولية على إدراك كاف بما تنطوي عليه سياسة اسرائيل التوسعية من مخاطر، وما قد تحدثه من أزمات على مستوى السلم في العالم. جون كري، وزير خارجية أمريكا السابق اقتصر في آخر خطاب له بترديد نغمة " حل الدولتين " و اجترار أفكار قديمة في هذا الصدد جاءت على لسان الرئيس كلينتون سنة 2000 ، ونفس النغمة سمعناها في أعقاب ندوة باريس الدولية  المنعقدة في منتصف شهر جانفي الماضي، وإعلان الوفود السبعين عن مواقف قديمة مهترئة . لكن ما يحدث اليوم على الأرض وما يُدَبّرُ في العلن وفِي الخفاء شيء مختلف تماما، كما أنّ هناك تباينا كاملا وعميقا في النظرة إلى مسالة "حل الدولة الواحدة" بين اليمين القومي الإسرائيلي والطرف الفلسطيني. نفتالي بينيت، رئيس حزب البيت اليهودي في إسرائيل، لا يخفي اختلافه العميق مع نتنياهو رئيس الحكومة في موضوع إنشاء الدولة الفلسطينية ويذهب إلى حد تهديده بالدفع به بعيدا عن المشهد السياسي في اسرائيل في حال عدم تراجعه عن تأييده لإقامة دولة فلسطينية، و تردده في إقناع الرئيس الامريكي ترامب بذلك. وفِي المقابل، تتوالى الدعوات من جانب الفلسطينيين إلى التجند الكامل لأجل قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وكسب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. لكن القيادة الفلسطينية في الضفة الغربية تدرك تماما صعوبة المرحلة ودقة الموقف. فهي تتعاون مع مصالح الأمن الإسرائيلية وفي نفس الوقت تجافي الجناح  الفلسطيني الآخر في قطاع غزة، بل وتعاديه. وهذا الانقسام الداخلي بين الفلسطينين ينهك قواهم ويضعفهم. هناك نوع من القطيعة السياسية التامة بين الضفة والقطاع تصل إلى حد الحرب الأهلية المحدودة في ظل استحالة تبني حل وسط يمهد السبيل إلى رأب الصدع والتقارب بل والتوحد من جديد ونبذ الانقسامات الداخلية في هذه الظروف الحرجة التي تمر بها قضية الشعب الفلسطيني. وتتجه الأنظار في هذا السياق إلى المحاولات الجارية منذ مدة بغرض تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية بمشاركة تيار الجهاد الإسلامي إضافة الى حركة فتح وحركة حماس . فهل سيعجل قرار البرلمان الاسرائيلي بضمّ مزيد الاراضي في الضفة الغربية بعودة الوعي، وهل سيدفع بالقيادات الفلسطينية جميعا إلى تحكيم الشعب الفلسطيني الذي ما انفك  ينادي بواجب الاتحاد المقدس وشحذ كل الهمم دفاعا عن قضيته  العادلة؟

يوسف قدية

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.