يوميّـات مواطن عيــّاش:عـام مشــى...وعــام جــاء
كنت في سهرة عائلية، أحتفل برأس السنة الميلادية، (ولا أدري لماذا يسمّونها إدارية)، عندما هاتفني العياش وفي صوته نبرة غير عادية، فهمت منها أنه في نشوة خمرية. وبينما كنت أتوقّع منه أجمل التهاني، وأنتظر أحلى الأماني، فاجأني العياش بكلام عجاب، لم أفهم محلّه من الإعراب. قال لي دون مقدّمات: «أخبروني، بالله عليكم، ما سبب هذه الاحتفالات؟ وأجيبوا صادقين: بم تحتفلون؟ بعام مضى «الكلّو محون»؟ أم بأمل خلاب، يصوّره لكم عام جديد كذّاب؟ فكم من عام دخل وكم من عام خرج، وأنتم لا ترون بصيصا من الفرج! تنظرون في أبراجكم مع بداية كل عام، وتلهثون وراء أضغاث أحلام، فإذا جاء آخر ديسمبر، كان الحصاد أقفر! فبالله عليكم بماذا تحتفلون؟ وعلى ما تغنّون وترقصون؟ ألا تنظرون في حالكم، وتتساءلون عن سبب احتفالكم؟».
وعندما حاولت أن أعارض صديقي العياش في أفكاره السوداوية، قاطعني بهذه الأبيات الشعرية، ولست أدري إن كان كتبها أم جاءت عفوية ارتجالية:
عــام مشـى وعــام جـاء *** وانــت عــايش بالمـنى
كمــون ومالقــاشي مــاء *** يستنّــى في مطرة زينة
عــام خــرج وعام دخـل *** وانت عــايش ع الأمـل
في لخّــر يطلــع بـصـــل *** ولا قــرعة بوطــزينــة
عــام دخل وعــام خـرج *** واحنا نستنــى الفـــرج
كــل دقيقــة وكــل درج *** ثمــاشي ما يطـل علينــا
يدخـل عام ويخـرج عـام *** واحنــا في لذيذ الأحـلام
ما بين يقظة وبين منـــام *** نلقى الدنيا طارت بينا
في كل عــام تقلي خيـــر *** تو نطلع من قـاع البـير
نعمــل جــوانــح ونطـير *** كلام مدهون بالمرقارينة
بالله قـــل لي واشبيــــك *** راهو عمرك يجري بيك
اعرف راسك من ساقيـك *** خير ما تقعد في تركينـة
وعبثا حاولت إقناع العياش بأن التفاؤل هو مفتاح الأمل، ولعل القادم أحلى ولو كان موش عسل. فقد أكد صديقي تشاؤمه، منكرا على العالم تفاؤله، بل زاد على ذلك باتهام التونسي بأنه منافق خدّاع: ألم تر كيف يستقبل العام الجديد بقناع، قناع الفرح والسرور، ثم كيف يودّعه بقنــاع آخر لا بهجة فيه ولا حبور، يستقبله بالعوادة والهلاّلو، ويودعــه وكأنه «ماكان والو»، ليستقبل العام الذي يليه، شعاره في ذلك «الله ينصر من صبح ولّي مشى لا يكوّن فيه!». ولو كان العام الجديد رجلا، لنبهته من غدر البشرية، ولقلت له هذه الأبيات الشعرية:
يعيّش خويا حل عينيــك *** وخوذ كلامي يصلح بيـك
أعرف راسك من ساقيـك *** ما تصدقشي واحد فيـنــا
رانــا الليلة نفرحــــو لك *** بالموزيكــــة نعــرضـولك
وكي تمشي لكل نقولولك *** ما أثقل دمّك بره عليـنــا
اليـــوم تجينا بالـــــــعز *** نذبحـــولك دجـــاح ووز
وكي تـوفى تمشي بالــدز *** بــــره روّح فــك علينـا
هكــاكه راهو البــــــشر *** يفـــرح بيـك أول شـهــر
وفي لخّــر ما يطيقـو صبر *** وقتــاش بركه تمشي علينا
واغتنمــت صمــت العيّــاش لحظات، لأسأله دون مقدمات:
«ومن أين تهاتفني يا صاحب الطلعات؟»، فأجاب: «من نزل بالحمامات» فقلـــت: «صحة ليك ياولد الإيه، يلّي تبيع القرد وتضحك على شاريه! والله أنا هو المجنون وقد صدقت كلامك، وانت في الحمامات تغرم في زمانك! تتفلسف لي على راس العام، و أنت جالس لاستقباله بين شراب وطعام !»، فأجابني العياش بهذه الأبيات:
«م الحكاية لكل هذيّــه *** ما تربــح كان السهــرية
اشرب وآكل وازهى شوية *** وإن شاء الله ليلتكم زينة»
وعلى هذا الشعر الملحون، علّق عليّ العياش التليفون، تاركا إيّاي لأفكار سوداء، أفسدت عليّ العشاء.
عادل الأحمر
- اكتب تعليق
- تعليق