الإرهابيّون وعودتهم المحتمــلة :الــرسّـائــل المطلــوبة
تونس شأنها شأن بقية الدول في العالم معنية بمكافحة الإرهاب الذي يخطّط للقضاء على الدولة باستهداف كلّ مقوّمات سيادتها، وذلك بغية بسط نفوذه وإعلان نظام حكمه على المناطق الترابية الواقعة تحت سيطرته.
ومن بين أهم مظاهر سيادة الدول ما هو متّصل بضمان حماية أمن المواطنين ولو كانوا خارج دائرة إقليمها. وغير خاف عنّا مدى قوّة الرسالة المعنوية التي تبثّها الدولة لدى مواطنيها عندما تنجح في ملاحقة مرتكبي الجـــرائم الإرهـابية حتّى ولو فـــرّوا خـــارج إقليمها بما يعزّز الثقــة في جاهزية الدولة على الصعيديــن الــوطني والدولي في بسط ولاية قضــائها على كلّ من ينتهك أمنها وأمن مواطنيها.
لقد تابعنا من خلال المنابر الإعلامية وفي رحاب مجلس نواب الشعب وفي أوساط المجتمع المدني الجدل القائم حول فرضيّة عودة الإرهابيين الحاملين للجنسية التونسية إلى بلادنا وما ينجرّ عنها من استهداف مباشر لأمن تونس ولأمن المواطنين الذين أصبحـوا هـدف الإرهابيين الموجودين بالخارج، وهو أمر نخشى وصوله إلى هذا الحدّ لما يحمله من مخاطر لا حدود لها.
إزاء هذه الفرضية، انقسم الرأي العام في تونس إلى شقين إثنين. يرى الشقّ الأوّل أنّ عودة هؤلاء حقّ يكفله الدستــور في فصله 25 الذي يحجّــــر سحب الجنسية من أيّ مـــواطن أو تغريبه أو منعـــه من العودة إلى الوطن، بينما تبنّى الشق الثاني الرأي المخـالف على أساس أنّ صفة الإرهاب تنزع عن الإرهابيين شرف الانتماء إلى تونس بحكم ولائهم لتنظيمات إرهابية تستهدف أمن تونس وشعبها.
وبقطع النظر عن اختلاف المواقف حول عودة التونسيين المتورّطين في الإرهاب الموجــــودين بالخارج، فإنّ تسليــــط الجهـــــود على الخطوات العملية التي ينبغي القيــــام بها لمعــــالجة هــذه الفرضية قد يكون المخرج لمواجهة تحدّ مطروح اليوم على الصعيد الوطني.
فبالرجـــوع إلى المعطيات الرسميـة المقـدمة مـــن وزير العـدل ووزير الداخلية حول التونسيين المتورّطين في الإرهاب تتجلّى لنـــا الحقــائق التالية:
- إرهابيّون موجودون بالخارج : 2929 شخصا
- إرهابيّون عادوا الى تونس من سنة 2012 إلى سنة 2016 : 800 شخص
- إرهابيّون موجودون بالجبال التونسية : 300 شخص
- إرهابيون موقوفون : 1464شخصا
- إرهابيّون محكوم عليهم : 183 شخصا
- نساء إرهابيّات: 30 إمرأة
- إرهابيون تحت الإقامة الجبرية : 300 شخص.
إنّ المبادرة بتقديم مثل هذه الإحصائيات الرسمية حول الإرهابيين هو مظهر من مظاهر الإقرار بحق المواطن في حصول المعلومة الرسمية الموثوق بها من قبل الأجهزة الرسمية للدولة حول جميع المسائل ذات العلاقة بالشأن العام ولا سيّما تلك التي تخصّ الجهود المبذولة في مجال حماية أمن تونس ومواطنيها إزاء خطر الإرهاب وعودة الإرهابيين إليها.
ولا يمكن في تقديرنا التعامل بنجاعة وشفافيّة مع مسألة عودة الإرهابيين ومواجهة تداعياتها المحتملة دون تقديم رسائل واضحة للرأي العام حول:
1- موقف الدولة الرسمي من فرضية عودة الإرهـــابيين، والــذي لا يمكن أن يكون خارج منظومة حقوق الإنسان والشرعية الدولية التي التزمت دائما بها تونس على الصعيد الدبلوماسي.
2- عدد القضـــايا المتعلقة بفتـــح تحقيق قضـــائي ضدّ كلّ من تعمّد السفر خارج تراب الجمهورية بغاية ارتكاب إحدى الجرائم الإرهابية أو التحريض عليها أو لتلقّي التدريبات لارتكابها وفق الفصل 33 من القانون الأساسي عدد 26 لسنة 2015 المؤرخ في 7 أوت 2015 المتعلّق بمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال تمهيدا لإيقاف ومحاكمة كلّ من يدخل منهم التراب التونسي بصفة قانونية أو خلسة.
3- عدد القضايا المتعلّقة بفتح تحقيق قضائي ضدّ كلّ من تعمّد التكفير أو الدعوة له أو التحريض على الكراهية أو التباغض بين الأجناس والأديان والمذاهـــب أو الدعوة لهمـــا وفـــق الفقرة الثامنة من الفصل 13 من القـــانون الأساسي عدد 26 لسنة 2015 المؤرخ في 7 أوت 2015 المتعلّق بمكافحة الإرهـــاب ومنـــع غسل الأموال، وذلك لضمان عدم الإفلات من العقاب عن هذا الصنف من الجريمة الإرهابية باعتبارها توفّر الأرضية لبثّ الفكر المتطرّف والإرهاب.
4- عدد القضايا المتعلّقة بفتح تحقيق قضائي ضدّ كلّ من تعمّد التبرّع بالأموال أو جمعها أو تقديمها أو توفيرها مع العلم أنّ الغرض منها تمويل سفر أشخاص خارج تراب الجمهورية بقصد الانضمام إلى تنظيم إرهابي أو وفاق أو ارتكاب إحدى الجرائم الإرهابية أو بقصد تلقّي أو توفير تدريبات وفق الفصل 36 من القـــانون الأســاسي عدد 26 لسنة 2015 المؤرخ في 7 أوت 2015 المتعلّق بمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال، وذلك لضمان عدم الإفلات من العقاب عن هذا الصنف من الجريمة الإرهابية باعتبارها توفّر الأرضية للإسناد اللوجستي للإرهاب.
5- حجم المــــوارد والإمكانيات الضـــرورية الواجب وضعـــها على ذمّة القطب المختصّ في قضايا الإرهاب على مستـــوى القـــضاء والضابطة العدلية لضمان النجاعة المطلوبة في مجابهة الجـــرائم الإرهابية التي لا يمكن التصدّي لها بنفس وســـائل جرائم الحـق العام.
6- تبيان التدابير المتخذة لتنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة التطرف والإرهاب التي تهدف إلى وضع الإجراءات العملية لمكافحة الإرهاب في إطار مقاربة تشاركية بين أجهزة الدولة ومكونات المجتمع المدني والتي من شأنها أن تـــزيل اللبـــس الحــاصل بخصـــوص نقـــص التنسيق الناجع بين كلّ المتدخّلين في مكافحة الإرهاب وتـــوزيع الأدوار بينهـــا على المستويات الأمنية والقضائية والدبلوماسية والإعلامية.
لقد تابعنـــا تصريحـــات الدبلوماسية الفرنسية بخصوص ابنة التونسييْن اللذين قتلا في الهجوم الإرهابي في اسطنبول والتي أصبحت تبعا لحملها أيضا للجنسية الفرنسية تحت نظام محضوني الدولة الذي كرّسه القانون الفرنسي ليس فقط لفائدة أبناء الأمنيين والعسكريين، وإنّما لكلّ أبناء ضحايا الإرهاب دون أيّ تمييز بغية توجيه رسالة قويّة حول الالتزام الأخلاقي للدولة والمجتمع سويا بتوفير الرعاية الفضلى لأبناء من سقطوا ضحاياه، سواء كانوا من بين الذين هم مكلّفون بحكم وظائفهم بمكافحة هـذه الظاهرة أو كانوا من بين المواطنين الأبرياء المستهدفين منها.
وكم نحـــن في حاجــــة في تونـــس اليوم إلى رؤية واضحـــة تتّخــــذ في ضوئها مثل هــــذه الإجراءات العمليـــة وتحـــدّد المســــؤوليات والأولويات في مواجهة مخاطر الإرهاب، فمن واجب السلطات الثلاث أن تعمل بتنسيق أفضل في مقاومة هذه الآفة الخطيرة، كما أنّ من واجب المجتمع بأسره أن يكون متّحدا ومتضامنا في التصدّي لها.
ساميـة دولـة
قاضية، مكلفة بمهمة بديوان وزيرة المرأة والأسرة والطفولة
- اكتب تعليق
- تعليق