محمد ابراهيم الحصايري... أيـــن تـــونس مــن "طريق الحــــريــــر الجـــــــديد"؟
ما من تونسي تَابَعَ مُجْرَيات الندوة الدولية للاستثمار «تونس 2020» إلا وشعر ببعض الارتياح، واستعاد شيئا من الأمل في قدرة بلادنا، إذا تحلّت بما ينبغي من الإرادة الفاعلة، على الخروج من صعوبات السنوات العجاف التي تعاقبت عليها منذ أن عصفت بها رياح ما سمّي بـ«الربيع العربي».
غير أنني، في انتظار أن يقع الوفاء بالوعود والتعهدات السخية التي شهدتها الندوة، وأن تتمّ ترجمتها العملية إلى واقع ميداني ملموس، أريد، بالاستناد إلى قراءة في لائحة المشاركين في الأشغال، وقائمة المتحدثين أثناءها، وحصيلة النتائج التي أفضت إليها، أن ألاحظ أننا ظللنا، على ما يبدو، ندور في نفس الحلقة من العلاقات الخارجية التقليدية التي قد توحي للمتابع بأننا ما زلنا لا نضع في حسابنا، على الأقل بالقدر الكافي، المتغيّرات العميقة التي يشهدها العالم حاليا والتحوّلات الجذرية التي هو مُرَشَّحٌ لأن يشهدها في المستقبل...
ولأنني لم أسمع أحدا في تونس يتحدّث، سواء قبل الندوة أو خلالها عن «طريق الحرير الجديد»، فإنني أريد في هذا المقال أن ألقي نظرة ولو سريعة على هذا المشروع الصيني الضخم الذي يُنْتَظَرُ أن يكون له شأن كبير في رسم معالم مستقبل العالم بأسره.
ما هو «طريق الحرير الجديد»؟
إنّ «طريق الحرير الجديد» مبادرة صينية طموحة أعلن الرئيس الصيني شي جين بينج عن إطلاقها في شهر سبتمبر سنة 2013، وهي تهدف إلى إحياء طريق الحرير القديم من أجل تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين وبين الدول التي تقع على هذه الطريق، وقد أردفه في شهر أكتوبر سنة 2015 بالدعوة الى إحياء الممرّات البحرية القديمة لخلق طريق حرير بحري يكمّل طريق الحرير البرّي ويعاضده في تعزيز الترابط الدولي وتدعيم حركة التجارة العالمية.
وتنبني المبادرة التي عرفت بعدئذ اختصارا بـ«الحزام والطريق» على خطة تتألف من مجموعة كبيرة من المشاريع التي تستهدف إقامة شبكة من السكك الحديدية والطرق السيارة السريعة، ومدّ أنابيب غاز ونفط، وإنشاء شبكات كهرباء وإنترنت، وإحداث طرق ملاحة بحرية، وتطوير بنى تحتية في وسط آسيا وغربها وجنوبها بما يمكّن من تعزيز الربط بين الصين والقارة الآسيوية من ناحية وبين قارّتي أوروبا وإفريقيا من ناحية أخرى...
وسيستغرق إنجاز جملة هذه المشاريع عدة عقود قادمة أما كلفتها فتقدّر بما بين 4 و8 تريليون دولار.
ووفقا لما جاء على لسان الرئيس الصيني في كلمة ألقاها في أواخر شهر مارس 2015 فإن الصين ستستثمر في مرحلة أولى 47 مليار دولار في إحياء طريق الحرير البرّي، وهو ما سيمكّن من الترفيع في حجم الاستثمارات والمبادلات التجارية بين الدول الـ56 التي سيربط بينها الطريق إلى أكثر من 2.5 تريليون دولار خلال السنوات العشر الموالية.
الدول العربية والانخراط في المبادرة
استقطبت المبادرة الصينية التي ينتظر أن تشمل بطريقيها البرّي والبحري 65 دولة اهتمام العديد من الدول العربية لا سيما في منطقتي الخليج والشرق الأوسط وقد شرع بعضها في الاستعداد للانخراط فيها اقتناعا منه بأنها يمكن أن تعود عليه بالنفع في مجالات عدة...
وفي هذا الإطار تجدر الإشارة إلى أنه من المُتَوقع، بالاستناد الى بعض الإحصائيات، أن تتمكّن الصين بفضل «طريق الحرير الجديد» من الترفيع، من هنا إلى سنة 2020، في قيمة تجارتها مع الدول العربية من 240 مليار دولار إلى 600 مليار دولار، وفي حجم استثماراتها غير المالية في هذه الدول من 10 مليارات دولار إلى أكثر من 60 مليار دولار.
أما بالنسبة الى القارة الإفريقية فإنّه من المتوقّع أن يبلغ حجم تجارة الصين معها 400 مليار دولار في نهاية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.
وبناء على ذلك، وبالنظر إلى ما تعرفه الصين والهند ودول شرق آسيا من نمو هائل ومتسارع ضاعف مرات عديدة حجم التجارة العالمية، فإنّ الانخراط في المبادرة الصينية من شأنه أن يفتح أمام التعاون العربي الصيني آفاقا رحبة، وأن يمكّن الدول المنخرطة من الاستفادة من تدفّق المزيد من الاستثمارات الصينية عليها، ومن فتح الطريق أمامها لإقامة شراكات وتحالفات اقتصادية وتجارية هامة تساعدها على أن تضطلع بدور فاعل في الربط بين قارات آسيا وأوروبا وإفريقيا بصفة خاصة وفي حركة التجارة الدولية بصفة عامة.
تونس وطريق الحرير الجديد
إنّ تونس التي ترتبط بعلاقات ثنائية طيّبة مع الصين، والتي انخرطت في منتدى التعاون العربي الصيني الذى تمّ تأسيسه فى 30 جانفي 2004، واحتضنت فيما بين 29 و31 ماي 2012 بمدينة الحمامات دورته الخامسة، مدعوّة إلى إدراك الأهمية البالغة التي تكتسيها مبادرة إحياء طريق الحرير وإلى دراسة الطريقة المثلى للالتحاق بها والإسهام في تجسيمها...
وهي مدعوّة إلى ذلك لأنّها، بالتحاقها بهذه المبادرة، تستطيع أن تجني ثلاث فوائد مؤكّدة:
أما الفائدة الأولى فهي تتأتّى من أنّ بعض مشاريع هذه المبادرة تهمّها وتهم مستقبلها... فخارطة الطريق إلى إقامة «طريق الحرير الجديد» تتضمن مشاريع قد يبدو بعضها للوهلة الأولى خياليا لا سيما في الظرف العربي الرّديء الراهن، غير أنّ هذه المشاريع ستشهد النور حتما، إن عاجلا أو آجلا، لأن الطريق لا يمكن أن تكتمل بدونها، ومن هذه المشاريع يمكن أن نذكر خاصة إنشاء ممرّ لربط وسط إفريقيا بالبحر الأبيض المتوسط، ومنها أيضا إرساء تعاون بين الصين وأوروبا واليابان من أجل العمل في غضون الـ15ـ20 سنة القادمة، على تنمية منطقة الشرق الأوسط بتمكينها من بعض احتياجاتها التكنولوجية، وتجهيزها، على نطاق واسع، بوحدات لتوليد الطاقة التقليدية والنووية ومحطّات لتحلية المياه...
وسيكون من الضروري لتحقيق هذه الأهداف، أن يتمّ تحسين كفاءة البنية التحتية للنقل بين شمال إفريقيا والشرق الأوسط وبين أوروبا، بالاعتماد على مجموعة من المُكَوِّنات التي يهمّ بعضها تونس ومنها خاصة ما يلي:
1- بناء طريق نقل عبر مضيق جبل طارق.
2- تمديد شبكة سكك حديدية لنقل السّلع والركّاب في هيئة دائرة مغلقة تنطلق من وسط أوروبا لتمرّ عبر جبل طارق إلى ساحل شمال إفريقيا، وعبر قناة السويس إلى فلسطين والأردن وسوريا ولبنان، ثم عَوْدًا على بدء من تركيا إلى أوروبا.
3- تحسين المواصلات البحرية وخطوط الأنابيب بين صقلية وتونس، مع إمكانية اللجوء إلى خيار بناء نفق بينهما تحت البحر مستقبلاً.
ومن الأهداف ذات الأولوية في الوقت الراهن هو استكمال بناء شبكة السكك والطرق السريعة على جملة من الخطوط الرئيسية التي من بينها خاصة خط الإسكندرية - طرابلس - صفاقس - تونس - الجزائر - وجدة - فاس- طنجة – الرباط. وبالموازاة مع ذلك سيتم العمل على تطوير خطوط العبّارات البحرية لتعــزيز الربــط بين دول جنوب البحر الأبيض المتوسط، كما سيتـــمّ العمل على بناء شبكـــة مشتـــركة لنقل الكهرباء والغاز الطبيعي والنفط فيما بينها.
وأما الفائدة الثانية فإنها ستتأتّى من الزخّم الذي ينتظر أن ينشأ عن شروع الدول العربية، سواء تلقائيا أو بدفع خارجي، في إقامة أو تنمية بنيتها التحتية المشتركة وعن تعبئة ما يحتاجه ذلك من موارد مالية وبشرية ضخمة... وغني عن البيان أن الحكمة تقتضي من بلادنا ألا تفرّط في الاستفادة من الفرص التي يمكن لهذا الزّخم أن يتيحها لها على أكثر من صعيد...
وأمّا الفائدة الثالثة فإنها ستتأتّى من العلاقات الاقتصادية والتجارية الدولية التي تنادي الصين بإعادة بنائها على قواعد جديدة والتي تبشّر مبادرة «طريق الحرير الجديد» بالتأسيس لنمطها المختلف من خلال العمل على تحقيق تنمية بشرية حقيقية كفيلة بأن تساعد على ارتقاء المجتمع الانساني ككلّ. وفي هذا الإطار ينبغي التذكير بأنّ الجانبين العربي والصيني اتّفقا، عند إنشاء منتداهما سنة 2004، على تأسيسه على المبادئ الأربعة التالية: تعزيز العلاقات السياسية على أساس الاحترام المتبادل، وتكثيف التبادل الاقتصادى والتجارى بهدف تحقيق التنمية المشتركة، وتوسيع التبادلات الثقافية على أساس أن يكون الاقتباس المتبادل مضمونا، وتعزيز التعاون فى المحافل الدولية على أن تكون غايته حماية السلام العالمي ودفع التنمية المشتركة للبشرية.
محمد ابراهيم الحصايري
- اكتب تعليق
- تعليق