الصحبي الوهايبي: الـــقــــــاع
متشائم ومتفائل يخوضان في أوضاع تونس، فغشي اليأس ملامح المتفائل وقال: «إذا سارت الأمور على هذا النّحو، فسنضطرّ جميعا إلى التّسوّل»، فقاطعه المتشائم: «نتسوّل؟ وممّن نتسوّل، إذا صرنا كلّنا متسوّلين؟»...
في جزيرة صغيرة ضائعة في أعالي البحار، يقف رجل رثّ الهندام، تكاد لحيته تغطّي ركبتيه، يلوّح بيديه لباخرة تمرّ؛ وعلى سطح الباخرة، مسافر يسأل: «أيّها القبطان، من يكون ذاك الرّجل؟»
«أوه، لا أدري؛ في كلّ عام نمرّ بهذه الجزيرة؛ وفي كلّ مرّة يلوّح لنا بيديه؛ لا أدري ماذا يصيبه كلّما رآنا؛ يكاد يجنّ كلّما ابتعدنا». إلى أين تذهب سفينة الحكومة، والشّباب رمتْ به الأمواج على الجزيرة ينتظر؟...
حمّادي، شابٌّ مطلوب للتّجنيد، ولكنّه لا يحبّ حياة العسكر، فلجأ إلى صاحبه، وهو طبيب، علّه يجد له مخرجا من ورطته؛ فقال له الطّبيب:«اسمع يا حمّادي؛ إنّهم يجنّدون كلّ من هبّ ودبّ، هذه الأيّام؛ ولا أرى لك مخرجا، إلاّ الخَصْيَ؛ فإذا وجدوك مخصيا، فلن يقبلوا بك؛ ولكن هل تقبل أن تفرّط في فحولتك؟»؛ ولم يتردّد الفتى، فهو لا يحبّ حياة العسكر:«افعل يا صاحبي ما بدا لك! يعوّض الله عليّ!»؛ وخصاه صاحبه؛ ثمّ مضى إلى لجنة التّجنيد آمنا مطمئنّا؛ وفحصه الطّبيب العسكري على عجل، وقال:«أنت لا تصلح للخدمة العسكريّة! قدمك مسطّحة!».
أيّها الرّاكضون في ركـــاب حكّـامكم، لا تستعجلــوا الخَصْيَ، فأقدامكم مسطّحة»...
قالت المعلّمة لتلامذتها:«مَنْ منكم، يقصّ علينا قصّة عجيبة، عاش أطوارها بحقّ وحقيق؟»؛ فرفع المهذّب عثمان إصبعه، وقال: «عندنا، في حديقة البيت، بئر عميقة، ليس فيها ماء؛ ولكنّ أبي يأبى أن يردمها، أو يقيمَ حولها سياجا. منذ أسبوع، سقط أبي في تلك البئر»؛ فجفلت المعلّمة وقاطعته: «وكيف حاله يا عثمان؟ هل هو بخير، يــا عثمان؟»، فأجــاب الصّبيّ: «أظنّــه صــار بخير، يا آنستي، فقد توقّفَ منذ صباح أمس، عن طلب النّجدة».
كيف حال الحكومة، في القاع هناك؟ خَفَتَ الصّوت، ولم نعد نسمع شيئا... يا سي يوسف! يا سي يوسف! هل تسمعني؟ كيف حال الجماعة في القاع؟...
حلواني بخيل، شحيح، يقــول لصغيره: «اسمــع يا ولــدي، لا تفسدْ علينا البيع والشّراء؛ اِلْحَسْ من كلِّ حبّة حلوى لحْسةً واحدة، ثمّ لفّها في غلافها وأعدها إلى مكانها، نبيعها». كذلك يطوف وزراؤنا في شرق البلاد وغربها بصرّة مشاريع، لحسة واحدة لكلّ مدينة... دجاجة سقطت في بئر عميقة فقفز في إثرها فتىً يافع يحاول إنقاذها، ولحقـت به أختــه، ثمّ أخواهمـا وكانـوا جميعـا لا يجيدون الغوص والسّباحة، فهبّ لإنقاذهم جاران شهمان لا يجيدان السّباحة أيضا؛ وعندما حلّ أعوان الحماية المدنيّة بموقع الحادثة على جناح السّرعة، بعد يومين ونيف، ولهم في ذلك عذرهم فالمسالك هناك وعرة لم تطأها قدم منذ عهد الرّومان، أخرجوا الجثامين الستّة؛ وكانت في انتظارهم مفاجأة سعيدة أنْسَتِ الأهل حزنهم على شهدائهم، فقد قفزت الدّجاجة حيّة في تمام عافيتها ثمّ ركنت تضع بيضتها، وكانت الفرحة مضاعفة. لم يذهب دم الشّهداء هدرا.
الصحبي الوهايبي
- اكتب تعليق
- تعليق